محراب «الصحافة» رحلة الحلم والحقيقة

رضا داود
حين غادرت قريتى الصغيرة متجهًا إلى محطة قطارات طنطا، لم أكن أحمل سوى حقيبة متواضعة وحلم كبير. كنت أقترب أكثر من بوابة الأمل.
حين انطلق القطار إلى القاهرة، شعرت بأن رحلتى الحقيقية قد بدأت ليس فقط باتجاه العاصمة، بل نحو اكتشاف ذاتى وتحقيق حلمى بأن أكون صحفيًا يحمل كلمة يواجه بها الظلام.
فى مايو 2004، تخرجت فى كلية الإعلام جامعة القاهرة، والهدف كان واضحًا: الالتحاق بمدرسة الصحافة العريقة «روزاليوسف»، لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالورود.
كانت البداية من تجربة قصيرة فى صحيفة مغمورة، إلى أن جاء العام 2005 حاملاً معه فرصة العمر: إصدار جريدة «روزاليوسف» اليومية بقيادة الكاتب الكبير الراحل عبد الله كمال.
دخلت مبنى «روزاليوسف» للمرة الأولى بقلب يرتجف، وعينين تلمعان بالإعجاب أمام صور الأساطير الذين كتبوا أسماءهم بحروف من نور فى تاريخ الصحافة المصرية. كان الحلم قد أصبح قابلاً للتحقيق، ولكن بثمن.
لم تكن المنافسة سهلة، عشرات، بل مئات، من الشباب الموهوبين تجمعوا تحت سقف واحد، وكلهم يطمحون إلى البقاء. كان عبد الله كمال لا يرحم فى اختياراته، كل أسبوعين عملية فرز صارمة، من يستحق يبقى، ومن لا يثبت كفاءته يُقصى بلا مجاملة. وكنت من القلة التى صمدت، لأننى كنت أؤمن بأن الصحافة ليست مهنة، بل رسالة، وأن «روزاليوسف» ليست مجرد مؤسسة.. بل محراب.
وبعد شهرين فقط، كتب عبد الله كمال مقالًا بعنوان «أفضل استثمار»، ذكر فيه اسمى، كانت تلك اللحظة فارقة، كأنها ضوء أخضر من قائد عظيم يخبرك أنك على الطريق الصحيح. ومنذ ذلك الحين، لم أتوقف عن السعى والتعلم، ولم أتخلَ عن شغفى.
مرت السنوات، وكبرنا مع الجريدة، ورفعنا اسم «روزاليوسف» كما رفعتنا، وأعطيناها من أعمارنا كما منحتنا من مجدها وتاريخها. أبناء هذا الجيل صاروا اليوم وجوهًا لامعة فى الصحافة والإعلام والفضائيات، يحفظون الجميل، ويحملون راية التنوير التى ورثناها عن أساتذتنا.
«روزاليوسف» لم تكن مجرد وظيفة. كانت حياة. كانت مدرسة علمتنا كيف نقف ضد الظلام، وكيف نقاوم التطرف، وكيف نكتب للتاريخ.
رحم الله عبدالله كمال، القائد الذى علّمنا الصبر والانضباط والمعنى الحقيقى للصحافة، ورحم الله رفاقه المخلصين: محمد عبدالنور، وطارق حسن، ومحمد حمدى، وحازم منير، وسمير راضى.
سلامًا على أرواحهم جميعًا، وسلامًا على «روزاليوسف».. تلك المدرسة التى صنعتنا، وسنظل لها أوفياء.
عضو مجلس تحرير جريدة روزاليوسف