الخميس 14 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
 حين امتدّ السيف الورقى من المجلة إلى الجريدة

حين امتدّ السيف الورقى من المجلة إلى الجريدة

فى الرابع عشر من أغسطس عام 2005، لم يكن مجرد تاريخ لصدور عدد جديد فى الصحافة المصرية، بل كان ميلادا جديدا لمدرسة صحفية عريقة تحمل اسما من نار وحرير: روزاليوسف.



من مجلة مقاومة للسلطة منذ نشأتها فى عشرينيات القرن الماضى، إلى جريدة يومية تملأ صفحات القرّاء بأسئلتها الجريئة، وصياغاتها الحارقة، وانحيازها الدائم إلى المعنى ــ تلك كانت «روزاليوسف اليومية» التى وُلدت تحت عناية صحفية دقيقة، قادها وقتها الكاتب الصحفى الراحل عبدالله كمال، صاحب القلم الصلب والرؤية الحاسمة، والذى عرف كيف يوازن بين إرث فاطمة اليوسف، وتجليات الواقع السياسى المعقد آنذاك.

فمنذ صدورها، لم تكن الجريدة نسخة مكررة من أى تجربة أخرى. انخرطت فورا فى معاركها المهنية، فتحت ملفات مسكوتا عنها، وواجهت ــ دون مواربةــ التيارات الراديكالية فى الثقافة والسياسة، وكتبت عن التناقضات الاجتماعية، ونازعت التابوهات بعين مفتوحة وقلم غير مرتجف.

ولعل أبرز تلك المواجهات كانت مع مشروع جماعة الإخوان المسلمين، حين كانت الجريدة من أوائل المنصات الإعلامية التى قرأت هذا المشروع فى عمقه، وتنبّهت إلى خطورته على الدولة والمجتمع، فى الوقت الذى كانت فيه معظم القوى السياسية ــ حكومة ومعارضة ــ تتعامل مع الجماعة كأمر واقع، أو تتقرب منها نفاقا سياسيا، طمعا فى مكاسب انتخابية.

فى هذه اللحظة الضبابية، كانت روزاليوسف اليومية واضحة كحدّ السيف. لم تهادن، ولم تساوم، ولم تنجر إلى الخطاب العاطفى السائد. كانت تُعلن موقفها بجلاء: الدولة المدنية فى خطر، والإخوان ليسوا شركاء ديمقراطيين بل حملة مشروع بديل يعصف بمؤسسات الدولة.

وسيذكر التاريخ، بلا شك، أن عبدالله كمال كان خصما صلبا للجماعة، لا بمعارك الصوت العالى، بل بالتحليل العميق، والمعلومات الدقيقة، والمواجهة الفكرية المستمرة.

تولّى عبدالله كمال ــ رحمه الله ــ رئاسة تحرير الجريدة فى لحظة حرجة من تاريخ الصحافة المصرية. لكنه لم يكتف بالإدارة، بل كان جزءا حيا من ماكينة الكتابة اليومية. مقالاته التى حملت توقيعه لم تكن مجرد افتتاحيات، بل كانت مواقف مدروسة، تنبض بتحليل سياسى، وتُعبّر عن انحيازات وطنية، حتى فى أشد اللحظات جدلا.

كان عبدالله كمال يُدرك أن الجريدة ليست مجرد امتداد مؤسسى لمجلة روزاليوسف، بل هى امتداد فكرى لخطّ صحفى قائم على العقلانية، والتجريب، والمواجهة، والجرأة. وكان يعرف أن «اليومية» تفرض إيقاعا مختلفا، وسرعة أكبر فى المعالجة، ومسئولية يومية لا تنام. فكان يقود غرفة التحرير بنفس الشغف الذى قاد به معاركه الفكرية على صفحات المجلة.

لم تكن الجريدة يوما صوتا واحدا، كما أشاعوا عنها وهم يقصدون هدمها، بل كانت «منتدى ورقيا» مفتوحا للحوارالوطنى، تتجاور فيه المقالات المعارضة مع التحليلات المؤيدة، فى لحظة كان فيها الإعلام المصرى يخوض مخاضا كبيرا بين السلطة، والمجتمع، والانفجار التكنولوجى الآتى بالمواقع الصحفية.

ولعل أهم ما ميّز تجربة «روزاليوسف اليومية» هو أنها لم تكن انعكاسا آليا لأفكار المجلة، بل طوّرت لغتها الخاصة، وفتحت أبوابها لكتّاب شباب، وخصصت مساحات للرأى الثقافى والأدبى، وارتادت مناطق ظلت لسنوات حكرا على الجرائد الكبرى.

اليوم، ونحن نُقلب فى أرشيفها، لا نبحث فقط عن أخبار، بل نبحث عن روح صاغت لحظة فارقة فى الصحافة المصرية. روزاليوسف اليومية كانت ابنة زمانها، لكنها كانت أيضا حفيدة جريئة لمؤسسة وقفت يوما وقالت: «قلمى لا يُشترى».

وإذ نترحّم على الأستاذ عبدالله كمال، فإننا نتذكره لا بوصفه «رئيس تحرير» فقط، بل بوصفه كاتبًا عاش فى مدرسة روزاليوسف بفكره ومواقفه وأسلوبه.

وسيظل اسمه مرتبطا بتلك المرحلة الحاسمة التى كانت فيها روزاليوسف اليومية لا مجرد جريدة، بل موقفا.

كاتب ومفكر