السبت 16 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بانوراما أعدادها الأولى فى العام 1935

«روزاليوسف» التى انحازت للمواطنة والحريات

الجهاد فى سبيل مصر، إنه الهدف النبيل الذى أعلنته السيدة روز اليوسف فى افتتاحية العدد الأول من جريدة روزاليوسف الصادرة فى 25 فبراير 1935.. الجهاد الذى تمثل فى مقاومة الاحتلال، والدعوة لإعادة دستور 1923، والمطالبة بحقوق العمال، ومقاومة الفساد بكل صوره وأشكاله.



تلك هى الأهداف التى تجلت فى مقالات كتابها، ومنهم عباس محمود العقاد، ومحمودعزمى، وكوكبة من الكتاب المجاهدين الذين نددوا بالاستعمار، ونادوا بحقوق البلاد، وبحقوق المصريين ليكتب هؤلاء الكُتاب والصحفيون صفحة مشرفة من تاريخ الصحافة فى مصر، وتبدو كلمة السيدة روزاليوسف فى افتتاحية الجريدة معبِّرة عن ذلك إذ تقول: باسمه وعونه تبدأ هذه الصحيفة مهمتها لتأخذ مكانها فى الصحف تحت راية الجهاد فى سبيل مصر، وهى الراية التى حملها سعد الخالد ثم تلقفتها يد خليفته النحاس فأبقاها عالية، متسامية فى حصنها الحصين.

وتعلن روزاليوسف شعار الجريدة فتقول: وشعارنا اليوم هو شعارنا بالأمس، وهو الشعار الذى صهرته الحادثات الجسام فى بوتقة التضحية فخرج فى صلابة الحديد، وتواضع الرصاص، وحملته روزاليوسف الأسبوعية عشرة أعوام، ولم تعلق به لوثة أو غبار، ومبدؤنا مبدأ الوفد الأمين، وهذا حسبى وكفى.

ومنذ العدد الأول للجريدة وهى تعلن شعارها – وهو من كلمات مصطفى النحاس:من كذب بالأمة أو داخله فيها الشك فليس منا، الإيمان بالشعب، والدفاع عن حقوقه، هما المهمتان الأساسيتان اللتان أكدت عليهما الجريدة، وكان هذا الشعار يُنشر فى الصفحة الأولى تحت اسم الجريدة مباشرة.

كما آمنت الجريدة بأهمية الكلمة، والدور الوطنى للصحافة فأعلنت فى الشعار التى رفعت لواءه إلى جانب اسمها فى الترويسة، كلمات لسعد زغلول يقول فيها: الصحافة حرة تقول فى حدود القانون ما تشاء، وتنتقد ما تريد، فليس من الرأى أن نسألها لم تنتقدنا؟، بل الواجب أن نسأل أنفسنا لم نفعل ما تنقدنا عليه؟

ومن نبض الناس، والتعبير عن رأيهم، بل والتفاعل بين الجريدة والناس، إلى كشف سياسات الاحتلال الإنجليزى ومواجهة الاستعمار بكل أشكاله، والتنديد بأفعاله واضطلعت روزاليوسف بدورها المهم على الصعيد السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وكان من أهم المقالات التى نُشرت فى الجريدة بأقلام كتابها الأحرار ما كتبه العقاد، ومحمود عزمى، فكشفنا ما استخفى من سياسات الإنجليز سواء فى تعطيل الدستور، وعدم إعادته، ونهب ثروات البلاد بما يجلبونه من خبراء أجانب، وما يرسونه من عطاءات لشركات إنجليزية تستأثر بمشروعات البلاد الاقتصادية.

الخلاف على المصلحة!

ومن مقالات العقاد ما كتبه بعنوان وبعد فى عدد 2 يونيو 1935: فى الصفحة الأول: «إن المستعمرين لا يختلفون معنا على نظام من الأنظمة الحكومية المعروفة، وذلك أمر جدير بأدق الإنعام، وأشد الانتباه، وكل ما هنالك أنهم يطلبون الحالة التى تمكنهم من قضاء مصالحهم، واستنزاف بلادنا، ولتكن حكومتنا بعد ذلك ما طاب لها أن تكون، فلا خلاف على النظام، وإنما الخلاف كله على المصلحة، وعلى الوسيلة التى ينال بها المستعمرون أقصى ما يطمعون فيه، وإذا ضمنوا اليوم أن يطبقوا دستور 1923 على النحو الذى يشل إرادة الأمة المصرية، ويُطلق إرادتهم فإنهم ليعيدونه فى أسبوع واحد».

حرب الاستعمار

ومن هنا تنطلق صيحة العقاد الثائرة المطالبة بمحاربة الاستعمار فيقول: «نعم لم يبق لنا إلا أن نتفق على حرب الاستعمار، فليس لنا محيص من ذلك، ولا قدرة على غير ذلك، وإن كفاح الاستعمار لهو أسهل شيء نلجأ إليه فى هذه الحالة بحساب المصلحة، والحيطة والموازنة بين النفع والخسارة، ولا نقول الكرامة والواجب والنخوة القومية أو النخوة الإنسانية إن أحببنا أن نكون إنسانيين».

أسلوب الدعاية المضادة

ويتابع حملته ضد الاستعمار فيدعو لاستخدام الدعاية والإعلان ضد المستعمر عبر مخاطبة البريطانيين أنفسهم، فيقول فى مقالة له بعنوان عصر الدعاية والإعلان – هل نعيش فيه بغير دعاية وإعلان: «ولا شك أن فى إنجلترا نفسها إناسًا كثيرين يأبون أن ينخدعوا إذا وضحت لهم هذه الحقيقة، ووضح لهم معها أنهم يُساقون إلى الحروب والمشكلات سوقا لإشباع المطامع الفردية أو لتسهيل الكسب على شركات لا تريد أن تبذل المال فى المنافسة التجارية، وتجويد البضائع، وإنما تريد أن تأخذ الأرباح لنفسها، وتنفق أموال الدولة فى بناء الأساطيل والطيارات لإكراه الناس على شراء الغالى، وترك الرخيص، وهم يعلمون ويحبون، وإذا تذمروا وتضجروا قيل أنهم قوم همج، يرفضون الحضارة، وينكرون نعمة الله التى يسلطها عليهم المستعمرون».

سياسة العطاءات

أما محمود عزمى فيكشف سياسة العطاءات الأجنبية التى لا ترسى ولا تحط إلا على أيدى الإنجليز!، فيقول فى مقالة بعنوان: سياسة العطاءات ومشروع استخراج السماد من خزان أسوان، ونشر بالصفحة الأولى فى الجريدة بتاريخ 6 يونيو 1935، وينوه «عزمي» ببعض الصحف التى تشاركه الرأى مثل جريدة كوكب الشرق، فيقول: «لم نكن وحدنا الذين عرضنا لسياسة العطاءات فى عمومها ولمشروع سماد وكهرباء خزان أسوان فى خصوصه، بل اشترك معنا فى العرض لهما زملاء اتفقوا وإيانا اتفاقا فى وجهات النظر سواء من الناحية السياسية الدولية أو من الناحية الاقتصادية المصرية، وكلتاهما متصلتان فى الواقع بالكيان المصرى أو الكرامة المصرية».

ويضيف: «إن المصلحة تقضى بإشهار المشروع فى مناقصة دولية عامة لنأخذ الأصلح والأقل فى التكاليف منها»، مشيرًا إلى أن الشركتين الإنجليزيتين اللتين يقف عندهما العطاء إنما هما من الشركات الصناعية، وهما اللتان ستقومان بتنفيذ المشروع، وإقامته فكأنهما ستستفيدان أولا من جراء هذه الإقامة والربح فيها، وستستفيدان بعد ذلك من جراء الاشتراك مع الحكومة فى الإدارة والاستثمار المالى، فى حين أن الحكومة التى ستدفع أكثر من نصف رأس المال لن تشترك إلا فى أرباح عملية الاستثمار ليس غير، ويدعو إلى عرض المشروع فى مناقصة عالمية، تفتح للحكومة المصرية باب الاختيار، لتصل إلى أحكمها فنا، وأقلها نفقات، وأكثرها تطمينا لخزانة الدولة، والذين يغذونها من دافعى الضرائب».

قضية تعطيل الدستور

حرص كتاب المجلة على مناقشة قضية تعطيل دستور البلاد فكتب محمود عزمى فى عدد 4 يوليو 1935 فى فقرة من مقالة له بعنوان: أين نحن من الدستور؟:» أما الذى تلوكه الألسنة فى كل مكان، وتتلقاه الأسماع فى حسرة، أى حسرة فهو حديث الدستور، أى دستور؟، وموعد استمتاع البلاد بنظامه؟، قد كتب عليه أن ينطوى إلى حين يذهب مداه على أقل تقدير إلى شهر نوفمبر المقبل، بعد أن يكون سير (مايلز لامبسون) قد ذهب إلى إنجلترا، يقضى فيها راحته السنوية ثم عاد منها إلى مصر مزودا بتعليمات وزارة الخارجية البريطانية» 

وفى فقرة أخرى – وكان يُقسم مقاله إلى فقرات حتى ولو كان موضوعها واحدا فيكتب تحت عنوان وهل من بيان أو مذكرة؟: [ويظهر أن كل ما يرجو الراجون أن تفوز به البلاد بعد الثلاثة أيام المقبلة إنما هو بيان أو هى مذكرة، يشير فى أيهما إلي دولة رئيس الوزراء ويُسدى النصح بضرورة الاتجاه إلى احترام الإحساس المتجلى فى الرأى العام المصرى، وضرورة المثابرة حتى تتغلب الجهود المبذولة على ما هو قائم فى سبيل إعادة الحياة النيابية من عقبات

ثم يكشف فى خاتمة مقاله ذاك الذى يحمل عنوان: فى انتظار تكشف الأفق إلى محاولة عزل مصر، وذلك بمحاولة بعض الدوائر الرسمية بالقاهرة حينذاك فى تصوير إحساسها إلى حد تشاورها مع مختلف الدول التى تمثلها بإلغاء مفوضياتها عندنا، والعودة إلى نظام القنصليات العامة والوكالات الدبلوماسية الذى كان معمولا به أيام كانت مصر تابعة للدولة العثمانية لأنها ترى أن الخطة التى تجرى عليها الأحوال فى مصر، إنما هى خطة عزل مصر عن الاتصال الدولى، وحصر علاقتها بإنجلترا، والإمبراطورية البريطانية.

ووصل الأمر إلى مساءلة رئيس الوزراء نسيم باشا عن سبب تعطيل الدستور، فيقول محمودعزمى فى مقالة بعنوان حول رواية التفاهم السابق ونشرت فى العدد 9 يونيو 1935: «أن هناك أخبارا تفيد بوجود تعهد بعدم إعادة الحياة النيابية فى مصر لمدة سنتين كاملتين، فيسأل عزمى نسيم باشا قائلا : [فهل من نور يكشف هذا الظلام الحالك، وهل من شعاع يضيء السبيل أمام البلاد فى هذا الوقت العصيب الذى تذاع فيه تلك الأنباء الخطيرة، وهل لنا أن نطمع فى صدور هذا الشعاع عن حضرة صاحب الدولة الذى تريد الأنباء أن تركز فى شخصه المسئولية السياسية جميعها».

لا طابع ولا دمغة!

وكما أفسحت جريدة روزاليوسف المجال للكاريكاتير السياسى، أفسحت أيضا المجال للهجاء السياسى فتحت عنوان يكره الحياء تندد الجريدة بموقف إسماعيل صدقى باشا الذى قال إنه تجاهل وجود الإنجليز.

فيقول تعليق الجريدة: طلع صدقى باشا على المصريين يُشهدهم فيه على أنه أحسن رئيس وزراء تجاهل وجود الإنجليز وحكم فأصلح، واستقام ولم يلعب فى الظلام، وتُعلق الجريدة: وصدقى باشا لا يريد أن يريح نفسه من لعنات الناس تنصب على عهده الأغبر وأيامه السود، ولا يريد أن يريح الناس من وجوده السياسى، الذى لا طابع له ولا دمغة إلا التبجح فى أرذل صوره، ولكنه الآن ينسى أن شر مصائب البلد فى وجود أمثاله تحت الطلب.

وتجلت شخصية المصرى أفندى بريشة رفقى لتعبِّر عن تحدى المستعمر والسخرية منه، فى فهم عميق للحالة السياسية، ومنها ما نشرته الجريدة من عبارات المصرى أفندى يختزل بها كل ما يحدث: دا دستور إيه ده ياسى جون بول، اللى فى السِلْم تعطلوه، وفى الحرب تعطلوه، يا ناس حِلوا عنا كفاية أونطة. ونشر الكاريكاتير فى الصفحة الأولى عدد 12 يونيو 1935.

سياسة الجريدة المواطنة

ومنذ العدد الأول، وفى الصفحة الأولى اهتمت جريدة روزاليوسف بحالة العمال فرصدت أخبارهم، وكل ما يتعلق بتكوين نقابتهم مما يعكس اهتمامها الأول: بحقوق الناس، عمالها، وفلاحيها، وطلابها، وهذا ما تعكسه سياسة الجريدة ففى العدد الأول، وتحت عنوان الوفد المصرى نشرت خبرا مفصلا عن اجتماع الوفد المصرى لبحث حالة العمال، وكان الاجتماع فى بيت الأمة.

وقد ذهب مندوب جريدة روزاليوسف وسأل مكرم عبيد عما جرى بشأن مذكرة خاصة بشئون العمال فقال عبيد فى تصريح للجريدة «أن الوفد المصرى سيقرر قرارا سيكون خيرا ولصالح العمال».

دعم العمال

وفى الصفحة نفسها نشرت الجريدة خبرا بعنوان: «فى بيت الأمة وفود العمال»، ويقول متن الخبر: «ازدحم بيت الأمة مساء أمس بوفود العمال بمناسبة اجتماع الوفد، ورجاله المخلصين، وعند خروج المجاهد الكبير مكرم عبيد، ود. ماهر، والشريف عباس حليم هتف العمال كثيرا وطلبوا بيانا فطمأنوهم بأن الوفد سيجتمع غدا ليتخذ قرارا فى صالح العمال».

وفى العدد الأول أيضا رصدت الجريدة تكوين نقابة العمال، والاحتشاد لهذه الخطوة فى دمياط، والفيوم، حيث تابعت الجريدة حق تكوين النقابات كجزء من مهمتها فى دعم المجتمع المدنى ضد بطش الاحتلال، وتحت عنوان: العمال فى دمياط رصدت الجريدة دعوة إبراهيم الزيات المحامى لعمال دمياط للتشاور فى أمرهم، وتكوين اتحاد لهم فاجتمع بداره عدد كبير يربو على الخمسمائة عامل لمختلف المهن والصناعات وبعد المناقشة والمباحثة أعلنوا قراراتهم، وشكرهم للمجلس الأعلى لاتحاد العمال، وشكر الوفد المصرى، والمحامين الذين تولوا الأمر، وقرروا تكوين لجنة مؤقتة للعمال تضم ممثلين من كل طائفة لتكوِّن لهم النقابات وتجمع الاشتراكات.

... ورصدت الجريدة خطوات المجتمع المدنى فى تشكيل هيئاته وتنظيم طاقاته مؤمنة بدورها فى دعم حقوق الأمة، والوقوف بالمرصاد لما يتعرض له العمال من عنف، ومن ذلك ما نشر فى عدد (7 يوليو عام 1936) من الجريدة، وتحت عنوان: «إضراب عمال الترام بالإسكندرية – معركة بين العمال ورجال بلوك الخفر – إصابة 15 عاملا، و4 من رجال البوليس» وفى متن الخبر يقول مراسل الجريدة لم تؤد الاجتماعات التى عقدتها لجنة التوفيق بدار المحافظة بين شركتى الترام وعمالها إلى نتيجة يرضاها العمال فقرروا الإضراب، ثم حدثت مشادة بين بعض العمال، ورجال بلوك الخفر الذين أطلقوا النار فى الهواء ترهيبا لكن أصيب بعض العمال بالرصاص، واعتقل البوليس 17 عاملا، ونُقلوا فى الحال إلى ثكنة كوم الدكة، ونفذ العمال الإضراب فشُلت حركة النقل فى المدينة».