
أيمن عبد المجيد
مصر بقيادة الرئيس السيسى تواصل جهودها لبناء موقف فلسطينى موحد يمتد إلى ما بعد وقف إطلاق النار والإعمار
من «العلمين» إلى «رفح»: مصر ستظل السند الصادق
ما بين «العلمين»، و«رفح المصرية»، شهد الأسبوع الجارى، تحركات بالغة الأهمية، فى لحظة مفصلية من عمر القضية الفلسطينية.

ذروة الصراع التى يحاول فيها الاحتلال الصهيونى بلوغ هدف تصفية القضية الفلسطينية، بما يطلقه نتنياهو من تهديدات وما يتخذ من إجراءات تعبئة قواته لاحتلال كامل قطاع غزة، بالتزامن مع مواصلة الانتهاكات والتهام أجزاء إضافية من الضفة الغربية.

فعليًا الاحتلال مُسيطر على نحو 80% من مدن قطاع غزة، وبالتالى فإن المقصود باحتلال كامل القطاع، إضافة مدينة غزة لقائمة مناطق القطاع المدمرة، والبقاء بالسيطرة العسكرية، ومن ثم القضاء على سُبل الحياة، وحشر 2.2 مليون فلسطيني، فى رفح الفلسطينية على الشريط الحدودى مع مصر، كخطوة متقدمة فى مخطط التهجير.
يأتى ذلك فى وقت يمارس فيه الاحتلال حرب إبادة جماعية، تتساوى فيها وحشية آلة القتل، ما بين قصف للمدنيين والبنية التحتية، واستخدام التجويع الممنهج سلاحًا للقتل والإبادة والإجبار على الهجرة، بالمخالفة للاتفاقيات والأعراف والقوانين الدولية، وضمير العالم غائب عن عمد.
وفى ظل ذلك تواصل مصر جهودها، فى مختلف الجبهات الإغاثية والدبلوماسية، والتفاوضية، متمسكة بمواقفها التاريخية الداعمة للشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة، فى مقدمتها الحق فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
فى مدينة العلمين الجديدة، واصلت مصر جهودها بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، سعيًا لبناء موقف فلسطينى موحد، وإنهاء الانقسام فى لحظة تتطلب من الجميع أن يعلى المصلحة الوطنية فوق كل خلافات أو هفوات، أو تقديرات خاطئة، لوقف الإبادة التى يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
استقبلت مصر الدكتور محمد مصطفى، رئيس وزراء فلسطين، ووفد حركة حماس، وممثلى جميع الفصائل الفلسطينية، فالموقف الفلسطينى الموحد، ضرورة تاريخيّة، لعدة أسباب:
١- موافقة جميع القوى الفلسطينية على المقترح المصرى القطرى المتسق مع صلب مقترح ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي، لوقف إطلاق النار 60 يومًا والتبادل الجزئى للرهائن والأسرى، يجرد نتنياهو من الذرائع التى يتخذها ستارًا لمواصلة جرائمه ومخطط التهجير.
٢- وحدة الموقف الفلسطيني، ليست فقط بشأن بنود المقترح، بل الأهم بناء توافق وطنى حول الرؤية المصرية لليوم التالى لانتهاء الحرب، والخطة المصرية العربية الإسلامية للتعافى المُبكر وإعادة الأعمار، بمحورها السياسى.. من الذى سيدير القطاع؟، والأمنى والفني.
٣- نجح الاحتلال فى تقليص طموح الشعب الفلسطيني، من الحق فى دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وهو الهدف الأسمى، إلى مجرد القتال السياسى والدبلوماسى والتفاوضى لإدخال إغاثات إنسانية، ومن ثم يجب أن يكون الهدف الأسمى حاضرًا دائمًا، ولا دولة بلا شعب فالصمود على الأرض وإحباط مخطط التهجير أساس المواجهة، ولا دولة بلا سلطة موحدة، وهنا يجب إعادة بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية، ليمثل الشعب الفلسطينى سلطة واحدة فى كامل أراضيه.
فلا يخفى على أى عاقل، أن الانقسام الفلسطيني، الذى حدث فى أعقاب سيطرة حماس على قطاع غزة فى عام 2007، وما ارتكبته عناصر الحركة من عدوان على ممثلى حركة فتح أحد أخطر الطعنات التى وجّهت للقضية.
قد يقول البعض: حماس بلغت السلطة بانتخابات ديمقراطية، نعم، لكنها أساءت استخدام تلك السلطة، بفشلها فى التحول من قيادة حركة تنفذ عمليات مقاومة، إلى سلطة سياسية تحكم، مسئولة عن 2.3 مليون فلسطينى بكل فصائلهم من مختلف الانتماءات السياسية، والاحتياجات المعيشية، ومن ثم المسئولية عن قراراتها وحساباتها للمكاسب والخسائر.

الانقسام أدى إلى تشظى المقاومة، ما بين سلطة فلسطينية شرعية فى الضفة، تنتهج الخيارات السياسية والدبلوماسية، وحركة حماس فى القطاع التى تملك قرار وتوقيتات العمليات العسكرية، تلك العمليات التى اتخذها الاحتلال الصهيونى ذريعة لشن خمس حروب على القطاع منذ عام 2008 وحتى حرب الإبادة الجماعية التى تدور رحاها اليوم مخلفة أكثر من 100 ألف شهيد فعليًا، بإضافة من لم يتم انتشالهم من تحت الأنقاض.
فالمقاومة ليست فعلًا مسلحًا فقط، بل لها آلياتها السياسية والدبلوماسية، وجميعها تستهدف خدمة الهدف السياسي، فالحروب تندلع عندما تكون ضرورة وحيدة، وبقياسات دقيقة لتوازن القوى، لإجبار الخصم على الجلوس إلى مائدة التفاوض والرضوخ للمطالب، ليست هدفًا فى حد ذاتها، ومن ثم كل فعل مقاوم سلمى أو مسلح يجب أن ينطلق من رؤية قيادة فلسطينية موحدة، بأهداف وتوقيتات مدروسة.
ربما لا يعلم شباب اليوم، الذين يتعرضون لحملات تشويه الدور المصرى عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن مصر بذلت الكثير من الجهود، لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وتوحيد الصف والكلمة منذ العام 2007، مرورًا باستضافة الفصائل الفلسطينية فى مدينة العلمين يوليو 2023 بدعوة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وصولًا إلى مفاوضات العلمين الأسبوع الجاري.
وما بين 2007 و2025 عقدت الكثير من المصالحات برعايات عربية، لكن سرعان ما كان الواقع يثبت أنها «مصافحة لا مصالحة»، فالسلطة تسير فى طريق وحماس فى طريق آخر، وهو ما استثمره العدو الصهيوني، ووجد فى 7 أكتوبر ذريعة للتعجيل بمخطط التهجير وتصفية القضية.
وهنا السؤال الجوهري؟ هل المقاومة هدف فى حد ذاتها أم آلية لتحقيق الهدف؟ قطعًا آلية لتحقيق الهدف، ويبقى النجاح مرهونًا بمدى القدرة على تقييم الموقف، وردة الفعل المتوقعة، واختيار وسيلة المقاومة الأنسب فى التوقيت المناسب لبلوغ الأهداف.
هذه الأسئلة ليس هدفها أن نقيّم الآن ما حدث فى 7 أكتوبر 2023، وما أسفر عنه من نتائج يراها العالم، بل سعيًا لبناء وعى يسهم فى البحث عن سُبل مواجهة الواقع الراهن، وتلافى تكرار أخطاء الماضي، لإنقاذ الشعب الفلسطينى والقضية من مخطط التصفية الذى يستهدفه الاحتلال الصهيوني.
حماية الشعب الفلسطينى ودعم ثباته على أرضه، وانتزاع حقوقه المشروعة فى دولة مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، هو الهدف الأسمى الذى تعمل مصر بكل صلابة وإخلاص وثبات موقف لتحقيقه، تتغاضى عما يستهدفها من أكاذيب وادعاءات فى سبيل تحقيق المصلحة القومية والوطنية والفلسطينية.
حسنًا فعلت الفصائل الفلسطينى بإعلانها قبول المقترح، والرؤية المصرية لما بعد وقف إطلاق النار، ويبقى هنا موقف نتنياهو أكثر عرضة للانكشاف أمام العالم، مع استمراره فى المماطلة، ومواصلة جرائمه.
فى اعتقادى سيواصل نتنياهو العدوان على قطاع غزة، سعيًا لأوهام تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، وهو الهدف الذى لن تستطيع تحقيقه، لكنه سيضاعف من التحديات التى من المؤكد تضع مصر احتمالاتها ضمن تقديرات الموقف ولديها قدرة الردع اللازمة لمواجهتها.
فرغم كل ما تبذله مصر من جهود مخلصة، أعاقت تنفيذ مخطط التهجير، ودعمت صمود الشعب الفلسطينى فى أرضه، بما أمكنها إدخاله من مساعدات إغاثية تجاوزت 550 ألف طن 70٪ منها هدية من شعب مصر، إلا أن وقف إطلاق النار، تحكمه تدخلات وقرارات أطراف عدة، وهو ما يستوجب ممارسة ضغوط أممية قوية على الأطراف الدولية الفاعلة وفى مقدمتها الأمريكان لإجبار نتنياهو على وقف الإبادة الجماعية وإنهاء الحرب.
ومن الجهود التى شهدتها مدينة العلمين، خلال هذا الأسبوع، ننتقل إلى معبر رفح حيث بعثت مصر برسائل بليغة، على لسان الدكتور بدر عبدالعاطى وزير الخارجية، فى مؤتمر مشترك مع الدكتور محمد مصطفى رئيس وزراء فلسطين، والوفد المرافق له، وبحضور الدكتورة مايا مرسى وزيرة التضامن.
١- شاهد العالم اصطفاف أكثر من 5 آلاف شاحنة محملة بالمساعدات تنتظر تمكنها من الدخول لإغاثة الشعب الصامد فى قطاع غزة، وأكد رئيس وزراء فلسطين أن الاحتلال ودباباته داخل القطاع هم من يعيقون وصول المساعدات، وهى رسالة لمروجى الأكاذيب التى استهدفت مصر مؤخرًا.
٢- بعث الدكتور بدر عبدالعاطى برسالة من مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى والشعب المصرى العظيم إلى أشقائنا فى فلسطين:
«نحن معكم فى معاناتكم وفى صمودكم وثباتكم على أرضكم».
٣- مصر كانت وستظل سندًا للشعب الفلسطينى الشقيق فى سعيه لنيل حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، وفى مقدمتها حق تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
٤- ما يحدث جرح مفتوح فى ضمير الإنسانية وانتهاك للمواثيق والأعراف والاتفاقيات والقوانين الدولية
٥- موقف مصر الداعم لفلسطين الرافض للتهجير راسخ وثابت لا يتبدل ولن يتغير
٦- مصر قادرة وجاهزة لإغراق قطاع غزة بالمساعدات الغدائية والطبية، وما تم تقديمه لا يناسب احتياجات القطاع الذى يتطلب 900 شاحنة يوميًا، والمجتمع الدولى لا يمارس الضغط اللازم على إسرائيل لفتح المعابر.
٧- معبر رفح لم يغلق أبدًا من الجانب المصري، والاحتلال قصف الجانب الفلسطينى ودمره أربع مرات، وهو من يعيق دخول المساعدات للطرف الفلسطينى.
٨- ٣٥ ألف متطوع مصرى يعمل بالمجتمع المدنى تحت إشراف الهلال الأحمر لجمع واستقبال وتنظيم المساعدات التى تدخل القطاع والجاهزة لدخوله.
رئيس الوزراء الفلسطينى الدكتور محمد مصطفى بعث من جانبه برسالة شكر لمصر، لجهودها التاريخية الداعمة لفلسطين وما شاهده على أرض الواقع.
«إن غزة جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، والحكومة الفلسطينية قادرة وجاهزة لإدارة القطاع»، رسالة فلسطينية قوية لمن يهمه الأمر.
ستظل مصر السند للأشقاء الفلسطينيين والعرب، في ظل تنامى التحديات وأوهام نتنياهو الذى يحلم بما سماه إسرائيل الكبرى، يجب تكثيف الجهود لبناء موقف عربى موحد صلب، ينطلق لدائرة الدول الإسلامية، لممارسة ضغوط لبناء موقف دولى يستطيع إيقاف الإبادة غير المسبوقة التى لم يشهدها العالم فى تاريخه الحديث.
حفظ الله مصر وحفظ فلسطين