الإثنين 29 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أحمد بهاء الدين فارس الكلمة.. ونقيب الموهوبين

ريشة: أسامر الحو
ريشة: أسامر الحو

«سيرى أيتها الأمة ولا تقفى فى الطريق أبداً... سيرى إلى حيث تجدين الرحمة جزاء والحرية رداء... سيرى فإن لك أسوة حسنة بكل شعب أراد الحياة... سيرى فإن فى الجهاد لذة غريبة دونها أى لذة فى الوجود.. سيرى ولا تتخلفى فى الطريق ولا تقولى أبدا «قد طال الانتظار».. قليل هم من يؤمنون بدور أقلامهم فى النقد والإصلاح والتغيير وتمهيد الطريق إلى المستقبل، أحمد بهاء الدين أحد هؤلاء القليل الذين آمنوا بدورهم الإصلاحى فى المجتمع فكانت له معارك وصولات وجولات داخل بلاط صاحبة الجلالة.. وقد تربت أجيال عربية على كتب أحمد بهاء الدين ومقالاته فى صباح الخير ودار الهلال والأهرام والعربى الكويتى..



أحمد بهاء الدين، رغم أنه ولد فى الإسكندرية فى 11 فبراير عام 1927م، حيث كان والده يعمل بمديرية الأوقاف بالإسكندرية، إلا أن جذور العائلة تعود لقرية الدوير بمركز صدفا فى محافظة أسيوط. تخرج فى كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول عام 1946م.. عمل فى مجلة “رابطة الشباب” بميدان التحرير. 

ولم يعرف عن «أحمد بهاء الدين» ارتباطه عضويا بأى حزب من الأحزاب. كانت بدايته الحقيقية فى مجلة الفصول التى أصدرها ورأس تحريرها «محمد زكى عبد القادر» حيث توجه شاب فى العشرين من عمره قصير نحيل، إلى مقر المجلة وترك مظروفا فيه مقال عن «جمال الدين الأفغاني» فى ذكرى وفاته الخمسين، ووجدت مقالات وأشعار «أحمد بهاء الدين» طريقها إلى مجلة «الفصول». وبعد عامين عام 1949 ترك «محمد زكى عبد القادر مسئولية “الفصول” للشاب أحمد بهاء الدين، وكان فى الثانية والعشرين من عمره.

إذا كانت “الفصول” قد صقلته فى شبابه فإن “روزاليوسف” قد اختصرت عشر سنوات على الأقل من كفاحه الصحفى.. كتب أحمد بهاء الدين فى رثاء «إحسان عبد القدوس»: ذهبت ذات صباح من عام 1951 إلى مبنى المجلة القديم فى شارع محمد سعيد المتفرع من شارع قصر العيني. وأعطيت بواب المجلة مقالا فى مظروف.. وفى يوم الاثنين التالى مباشرة اكتشف أن “روز اليوسف” قد صدرت ونشر فيها المقال.. افتتاحية ملأت الصفحة الأولى كلها بعناوين كبيرة وفى أخرها توقيع شاب مجهول تماما هو أنا.. وهذا التصرف اختصر عشر سنوات على الأقل من كفاحى الصحـــــفى لأشق طريـــقى فى مهنة الصحافة.

وفى يناير 1956 أصدرت السيدة «روزاليوسف» مجلة «صباح الخير» ليرأس تحريرها الشاب أحمد بهاء الدين وعمره 29 عاما وكان بذلك هو أصغر رئيس تحرير، كانت خطوة صحفية مبكرة لظهور مدرسة صحفية جديدة فى مادتها وشكلها، ونجحت المجلة فى جذب جيل جديد وبعثت فيه دماء جديدة، وقدمت رؤية عصرية لمصر والعالم. عبرت عن هذه الأفكار بأشكال فنية وجمالية جديدة، تعتمد فيه على الرسومات بدلا من الصورة الفوتوغرافية، وتعطى للكاريكاتير مساحة واسعة، وخرجت هذه الرؤية الصحفية فى شكل إخراجى مختلف، لم تشهده صحافتنا العربية من قبل. وفى عام 1958 رأس تحرير جريدة “الشعب” وعمره 31 عاما. ومن الشعب ذهب إلى دار “أخبار اليوم” رئيسا لتحرير أخبار اليوم والأخبار وآخر ساعة، ولم يغير شكل أية مطبوعة ولم يفقد القراء القدامى. وإنما كسب للدار القراء الجدد للسياسة الخارجية التى اهتم بها بهاء. ودخل الأهرام ودار الهلال.. 

ولأحمد بهاء الدين 37 كتابا لعل أشهرها: يوميات هذا الزمان وكتاب: المثقفون والسلطة فى عالمنا العربى، وكلهما تقديم الأستاذ محمد حسنين هيكل، أيام لها تاريخ، محاوراتى مع السادات، أفكار عصرية، الثورات الكبرى، هذه الدنيا، وتحطمت الاسطورة عند الظهر، فاروق ملكاً. يتحدث مؤلف كتاب «فى صحبة أحمد بهاء» الكاتب مصطفى نبيل عن أهم «المعارك الفكرية» التى خاضها أحمد بهاء الدين، مثل معركته ضد من أسماهم «دراويش الماركسية» الذين يعادون الأفكار القومية، ومعركته مع عباس محمود العقاد حول عدائه للمرأة، ومعركته مع عدد من المشايخ الذين يتمتعون بشعبية جارفة، واتهامه لهم بـ«الإرهاب الفكري».

كان لدى بهاء الدين رؤية لرسم خريطة جديدة لمصر، وإعادة بناء القرية، ونقل الكثافة السكانية إلى الصحراء وخلق مناطق إنتاجية وصناعية فى الصحراء، قال عن ذلك: «يجب الاهتمام بالمحافظات حتى يكون لدينا مدن ومراكز حضارية فى الأقاليم تنافس القاهرة فى كل الخدمات».

و فى 5 يونيو 1967 وقعت مصر فى قاع الهزيمة، ووقع «أحمد بهاء الدين» فريسة لمرض «السكر». ورغم حيائه وخجله كانت كتاباته ومواقفه تنم عن جسارة وجرأة، وجمع «بهاء» مجلس نقابة الصحفيين باعتباره نقيبا وأعدوا احتجاجا إلى «جمال عبد الناصر» على فرض الرقابة على الصحف. ومذكرة أخرى احتجاجا على تفضيل جريدة على أخرى بالأخبار القومية. وفى 28 فبراير عام 1968 أعد مجلس نقابة الصحفيين - برئاسة بهاء – بيانا طالب فيه: بالاسراع فى الحساب على كل المستويات الكبرى – إعادة التنظيم السياسى واستكماله – توسيع قاعدة الديمقراطية – الإسراع بإصدار القوانين المنظمة للحريات- رفع الرقابة عن الصحف، وكان لهذا البيان أثره السيئ لدى «جمال عبد الناصر» شخصيا واعتبره طعنة خنجر من بهاء الدين.

عندما يذكر اسم أحمد بهاء الدين يقفز إلى أذهاننا عبارة «الانفتاح سداح مداح» نعم قد كان هو أول من هاجم عشوائية سياسة الانفتاح الاقتصادى المتبعة فى عهد السادات وذلك بمقاله الأشهر «السداح مداح» أثناء رئاسته لتحرير الأهرام التى كانت يوميات بهاء الدين بها رصدا دقيقا للأحوال الاجتماعية والسياسية والثقافية التى شهدتها مصر، فيقول عنه عادل حمودة كان متميزاً أن أحمد بهاء الدين تمتع بمميزات شخصية جعلته رئيس تحرير متميزًا، وكان قادرا على تجميع الموهوبين حوله وفتح الطرق أمامهم، وشجع صلاح جاهين على كتابة الرباعيات، وشجع صافيناز كاظم على القيام بمغامرة صحفية بطريقة الاوتو ستوب فى 7 دول أوروبية ولم يكن معها سوى 20 جنيها، وشجع الفنان التشكيلى حلمى التونى على احتراف الفن الصحفى، وشجع رجاء النقاش على الدخول فى مناظرات أدبية مع الدكتور طه حسين، وشجع مصطفى نبيل على تطوير مجلة الهلال، وفتح عمودا فى الأهرام ليكتب فيه الصحفيون الشباب آراءهم واحدا بعد الآخر. وعصفت به أنواء المرض حتى اعتزل الحياة فى 24 أغسطس 1996.