الأحد 14 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قصة قصيرة

نبض

اللوحات للفنان خالد عبدالعاطى
اللوحات للفنان خالد عبدالعاطى

أيقنت أنها تعانى من خلل نفسى، أو ربما غضب من الله، فقد نزع من قلبها تلك الغريزة التى فُطِرت عليها كل أنثى. لم تجرؤ على الإفصاح لأحد أنها تتقزز من أمور الحمل والولادة، وتنزعج للغاية من صراخ أى رضيع. ذلك العزف المنفرد المزعج، ذو الوتيرة الواحدة دون فواصل، قد يصيبها بالجنون، خاصةً عندما تفشل كل محاولات إسكاته!



تظل ساهرة تهدهده تارة، وتضمه أخرى. يتخدر ذراعها وهى تحمله لساعات، وحينما يكف عن الضوضاء للحظة، تظن أنه رفق بحالها، فتهُمّ بوضعه بحذر على فراشه، وإذ به يعاود سيمفونية البكاء بنبرة حادة مستفزّة، كأنه يعاندها ويعترض على رغبتها الفطرية فى النوم! لو قذفته من النافذة، ربما حظيت بجو هادئ، ولا يحق لأحد أن يلومها ما لم يجرّب ذلك العذاب!

لطالما أشفقت على هؤلاء الأمهات. كيف تجلب إحداهنّ لنفسها المتاعب من أجل رغبة حمقاء كتلك؟! ذلك الكائن الضئيل يحيل حياتها إلى جحيم، فليس الأمر هينًا على الإطلاق. لا تصلح لمثل هذا الأمر بمزاجيّتها، وتقلباتها، وميلها للهدوء. كما أنها لا تحب المجازفة ببذل وقتها وجهدها لتربية طفل، ثم لا تجد ثمارًا لما زرعته. الأصعب أن تحصد ثمارًا مرارتها لا تحتمل، وتصطدم بعقوق وقسوة تكسر قلبها وتصيبها بالخيبة فيمَن ظنّته قطعة من روحها. ليست نظرة تشاؤمية، ولكنه عقلها يبحث عن كل شيء ينفّرها من خوض التجربة.

لكن، عندما طرق الحب بابها، لم تستطع صده. تمادت معه، وتورّطت فى ذلك الروتين الذى تتبعه كل امرأة، وتظن أنها مميزة ومختلفة بفستانها الأبيض وعرسها وزوجها الذى تظنه مختلفًا، بينما جميعهم نسخ متطابقة! تعلم أنه لا شيء مبهرا ولا جذابا كما يظن البعض، لكنها عاشت اللحظة بتفاصيلها كنوع من التغيير وكسر الملل! استمتعت لفترة بحريتها، وشيء من السعادة، حتى حدث ما تخشاه.

بعد بضعة شهور، ستواجه محنة الولادة. كان ذلك الأمر مرعبًا بالقدر الكافى لتحطيم أعصابها. صوّر لها خيالها أمورًا مخيفة دفعتها للتفكير فى إجهاض جنينها أكثر من مرة، لكنها تراجعت لمخاوف أخرى غير فقده. فهى لا تريده، ولكن...

أوشكت لحظة ولادتها. شعرت فيها بأعراض الاحتضار مع ذلك الألم المبرّح، تكاد تفرّ روحها مع صرخاتها المدويّة. تمنت لو يرجع الزمن لتتراجع عمّا فعلته. تزاحمت أفكارها، وفاضت دموعها، وشعرت بلا شيء. فقدت وعيها أم فارقت الحياة؟ لا تعرف تحديدًا. فقط سقطت فى دوامة بيضاء كأنها السحاب، كما لو كانت تحلّق عاليًا.

أخرجتها من غيبوبتها صرخته التى أعادت لها الحياة. تبينت الوجوه من حولها تغمرها الفرحة، تلك التى لا تضاهى ما شعرت به من سعادة حين أحسّت بنبضه على صدرها. شعرت بقلبها يضمّ وليدها مع ذراعيها اللتين ترتعشان من فرط الحب. عيناها راحت تتأمله بشغف، قبّلت جبينه مرارًا، وهى تبكى وتضحك فى آنٍ واحد. تلك المشاعر المتناقضة بروعتها أعادت لها صوابها، عندما تجسّدت كل سعادة الدنيا فى ضمّة أمّ لمولودها الأول.