قصيدة
سفائن الرُّوح

شعر - عبدالله بن أحمد الفيفى
مُسَافِرٌ...
عُمْرِيْ عَلَى مَتْنِ النَّوَى..
سَفِيْنَةً مُسَافِرَةْ!
إلى شَوَاطِئِ السَّمَاءِ،
فى المَسَاءِ سِرْتُ وَاقِفًا،
أَعُدُّ فى السَّحَابِ أَنْجُمِيْ..
تَحْجُبُها المِيَاهُ تَارَةً،
وتَارَةً تَبُوْحُ لى بِأَوَّلِ الهَوَى،
لكِنَّها، وا وَيْلَتَاهُ، لا تَبُوْحُ آخِرَهْ!
وعِنْدَ دَفَّةِ السَّفِيْنَةِ العَنِيْدَةِ المَدَى المُغَادِرَةْ
كأنَّها «أَمِيْرَةُ الماءِ»،
الَّتى كانتْ شَمالًا مِنْ حَنِيْنٍ،
تَكْتُبُ الجَنُوْبَ بِالجُنُوْنِ،
مِنْ عُلَى القَوافى لِلقَوافى آمِرَةْ!
تَهُزُّنِيْ الأَمْوَاجُ ضِدَّ ما اشْتَهَتْهُ الرِّيْحُ،
أَوَّلًا وثَانِيًا،
بِلا ذِكْرَى لِتَعْدَادِ الرُّبَى،
وعَاشِرَةْ!
يَرِنُّ فى رَأْسِيْ الفَضَاءُ، كَوْكَبًا فَكَوْكَبًا:
هَلْ، يَا تُرَى، غَدٌ يَجِيْئُنَا غَدًا؟
أَمْ هَلْ تُرَاهُ نُسْخَةً مِنْ أَمْسِنَا مُكَرَّرَةْ؟
تَأَهَّبَتْ سَفَائِنِي،
رُبَّانُها (ابْنُ مَاجِدٍ) (1)،
يُعِدُّ (خَشْخَاشٌ) (2) لَهُ الخَرَائِطَ المُكَنْتَرَة ْ(3)!
فَيَا لَها سَفَائِنٌ،
تَجْرِيْ عَلَى مَتْنِ السَّفَائِنِ الشَّهِيَّةِ،
الَّتِيْ شِعارُها فى كُلِّ تاريخِ السُّرَى:
«بُرَاقُنا: الغَزَالَةُ الغَرْبِيَّةُ المُدَمِّرَةْ!»
تِلْكَ الحَيَاةُ:
شُرْفَةٌ بَحْرِيَّةٌ عَلَى الخُلُوْدِ،
فى النَّعِيْمِ غَمْضَةً،
وفى الجَحِيْمِ غَمْضَةً..
مُسَافِرٌ...
مَتْنِيْ عَلَى مَتْنِ النَّوَى..
يا رُبَّما ظَلَّ النَّوَى سَفِيْنَتِيْ،
ورُبَّما سَفِيْنَتِيْ ظَلَّتْ إِلى ما لا بِحَارَ فى القَصِيْدِ مُبْحِرَةْ!
قَالَتْ:
إِذَا جَاشَتْ رُؤَاكَ هكَذَا،
ومُرْتَ فى المِرْآةِ صُوْرَةً هَوَتْ مُكَسَّرَةْ
عِشْ سَرْمَدًا فى سَرْمَدٍ،
مِنْ رِحْلَةٍ فى رِحْلَةٍ،
لا أَرْضَ، لا بَحْرَ،
ولا سَمَاءَ فى سَمَاكَ،
لَنْ تَبْقَى هُنا،
ولا أَنا،
فاذْهَبْ هَبَاءً،
يا فَتَى،
لِكُلِّ قَبْرٍ فى الصَّحَارَى قُبَّرَةْ!
() شهاب الدِّين أحمد بن ماجد، أبو الركايب، (906هـ - 1501م)، الملَّاح العَرَبيُّ المشهور.
(2) خشخاش بن سعيد بن أسود، البحَّار العَرَبى الأندلسي، (عاش فى القرن التاسع الميلادي)، يُنسَب إليه اكتشاف الأمريكتين ورسم خرائطهما.
(3) الخرائط المُكَنْتَرَة: ذات الخطوط الكُنْتُوْرِيَّة المجسِّمة لتضاريس الأرض.