«عمر هاشم».. فقيد الأمة ومُحَدّثها

أشرف أبو الريش
وُلد الدكتور أحمد عمر هاشم فى 6 فبراير 1941 بقرية بنى عامر التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية.
التحق بكلية أصول الدين فى جامعة الأزهر الشريف، وتخرّج فيها عام 1961، ثم حصل على الماجستير عام 1969 والدكتوراه فى الحديث وعلومه.
تدرّج فى المناصب الأكاديمية حتى أصبح أستاذًا لعلوم الحديث عام 1983، ثم عميدًا لكلية أصول الدين بالزقازيق عام 1987، قبل أن يتولى رئاسة جامعة الأزهر عام 1995.
كما شغل عضوية مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء، وكان أحد أبرز الأصوات الداعية إلى الوسطية والاعتدال فى الفكر الإسلامى.
ومن مؤلفات الدكتور أحمد عمر هاشم
قدّم هاشم عشرات الكتب والمؤلفات الإسلامية التى أصبحت مراجع معتمدة فى علوم الحديث والسنة والفكر الوسطى، ومن أبرزها:
السنة النبوية وعلومها
قواعد أصول الحديث
فيض البارى فى شرح صحيح البخاري
وسطية الإسلام
الإمام الشعراوى مفسرًا وداعية
الإسلام دين التسامح
منهج الدفاع عن الحديث النبوى،
إضافة إلى بعض القصائد النبوية فى مدح خير البرية، وكان رضى الله عنه عندما يكون فى محفل واحتفالية خاصة يرتجل بأشعاره التى تجذب قلوب الحاضرين،
كانت للفقيد أمنية أن ينشئ مسجدا جامعا باسمه ليصبح منارة لطلاب العلم من كل مكان فى الدنيا، ليشمل بين جنباته مركزا لتحقيق التراث ومنارة ووجهة لكل المحبين للتصوف الإسلامى الحق، والدفاع عن السنة المطهرة، ورد الشبهات عن دين الله وعلماء الأمة الإسلامية.
لما دخلتك يا أصول الدين
قد زاد حبى واطمأن يقيني
ورأيت فيك مشاهدًا دفّاقة
بالخير من حينٍ هناك لحيني
فعميدنا الورع التقى وصاحب القلب النقيّ
رعى أصول الدين لم يألُ جُهدًا
إنه حفّز النهى وبنوره وصلاحه يهديني
كلية الإسلام أنتِ منارة
سيمَ الهدى يبدو بكل جبين
ضمّى إليكِ الوافدين فإنهم
قد شاقهم لدُناكِ ألفُ حنين
قرآنُنا يرعاكِ خيرَ رعايةٍ
يا خيرَ حصنٍ للصلاحِ متينِ،
بهذه الأبيات وفى أول سنة دراسية فى الأزهر الشريف، صدح لسان المغفور له فضيلة الإمام والعالم الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، بين جنبات كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، نظر إليه عميد الكلية آنذاك وتبسم فى وجه الفقيد قائلا: فاتحة خير يا شيخ أحمد، وبنظرة العالم المحقق توقع عميد أصول الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر بعدها، بأن هاشم سيكون له مستقبل باهر فى كلية أصول الدين وكانت تلك بداية سلم العلم الذى ارتقى فيه فقيدنا أعلى مراتبه، حتى وصل أن أطلق عليه علماء الأمة الإسلامية والعربية بأنه محدث هذا العصر.
وصدق قول الشاعر فى رثاء من نفقدهم بالموت، كَم مِن قَريبٍ نَأى عَنّى فَأَوجَعَنى وَكَم عَزيزٍ مَضى قَبلى فَأَبكاني! -- هانَتْ عليكِ مَدامِعى، فهَجَرتِنى وكَسَرتِ قلبًا ما أحَبَّ سِواكِ وأنا الَّذى لولاكِ ما ذُقتُ الهَوىٰ يومًا، ولم أكُ عاشِقًا.. لولاكِ -- مَا أَضْيَعَ الْصَبْرَ فِىْ جُرحٍ أُدَارِيْهِ أُرِيْدُ أَنْسَىٰ الَّذِى لَا شَيْءَ يُنْسِيْـــهِ.
تذكرت هذا البيت ونحن ننزل فضيلة الدكتور أحمد عمر هاشم مساء الثلاثاء الماضى إلى مثواه الأخير وسط حشود من آلاف المحبين لهذا الرجل بقرية بنى عامر بمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، أخلص الفقيد لوطنه ولدينه ودافع عن القدس والقضية الفلسطينية على مدار أكثر من نصف قرن من الزمان.
حصد الفقيد من المحبة الخالصة لجموع قلوب المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها، وكان علما يمثل الوسطية والاعتدال، كانت قدوته التى يسير بها بين الناس أخلاق النبى - صلى الله عليه وسلم -، وكان دائما يتحدث عن خلق النبى بقوله كان قرآنا يمشى على الأرض، وأن صلاح الأمة كلها فى صلاح خلقها.
تجمعنى بالفقيد مواقف حياتية وإنسانية يطول شرحها، فقد كان صاحب أفضال جليلة على كل من يحبه أو يتوسم فيه الصلاح، رضى الله عن شيخنا الجليل الدكتور أحمد عمر هاشم، الذى لم يدخر جهدا فى سبيل رفع راية الإسلام فى كل المحافل الدولية، وعلى مدار ما يقرب من ستين عاما قضاها فى حقل الدعوة الإسلامية لم يعتذر يوما عن حضور مؤتمر فى الداخل أو الخارج، بل على الرغم من مرضه فى الثلاث سنوات الأخيرة كان حريصا على حضور مؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الذى تنظمه وزارة الأوقاف، ومؤتمر دار الإفتاء والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، وتم تكريمه منذ بضع سنوات من الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أحد هذه المؤتمرات.
ومن أطرف المواقف التى تحدث عنها الراحل الفقيد، عندما كان يخطب الجمعة فى أحد أكبر المساجد بمدينة السادس من أكتوبر، وفى هذا اليوم حدث فيه الانفلات الأمنى، وأغلقت معظم الطرق يوم الثامن والعشرين من يناير عام 2011، كما يقول لروزاليوسف المستشار عبدالغنى هندى أن الراحل اضطرته هذه الظروف أن ينزل عند أحد المعارف، وقام رضى الله عنه كما تعود منذ سنوات طويلة قبل الفجر ليصلى ركعتين قيام الليل، دعا فيها لمصر أن يحفظها الله وقال لمن حوله وقتها مهما يحدث فإن الله حافظا لهذا البلد.
المشهد المهيب فى جنازة الفقيد الدكتور أحمد عمر هاشم، والصلاة عليه فى الأزهر الشريف وبحضور إخوانه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والدكتور أسامة الأزهرى وفضيلة الدكتور نظير عياد مفتى الديار المصرية، يذكرنا بأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن مصر ستظل بأزهرها الشريف منبع الوسطية والاعتدال، جاء لوداع هذا الرجل الذى أفنى عمره فى سبيل الدعوة إلى الله، آلاف المشيعين من مصر والعالم الإسلامى، وأرسل المحبون له من تلامذته ماء زمزم ليغسل به وقطعة من كسوة الكعبة المشرفة لكى يوسد فيها جسده المبارك.
حظى الفقيد بمحبة وتقدير خاص من فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية، واتضح ذلك من الاطمئنان المستمر من رئيس الجمهورية على صحة الفقيد فى أية مناسبة دينية تنظمها وزارة الأوقاف، واستمر هذا التقدير الرئاسى برثاء الفقيد بعد انتقاله إلى الدار الآخرة..
ووجه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى بإطلاق أسم المغفور له على أحد المساجد بمدينة الزقازيق والطربق الذى يربط بين القاهرة الجديدة والطريق الأوسطى ومحطة القطار السريع التى تقع فى نهايته، وذلك تكريما للمسيرة العلمية والدعوية الزاخرة التى خدم خلالها العالم الجليل الإسلام والدعوة الوسطية لعقود طويلة.
رحم الله فضيلة الدكتور أحمد عمر هاشم وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.