دور بطولى لـ«الجيش الأبيض» خلف خطوط النار

محمود جودة
ملحمة وطنية شارك فيها القطاع الطبى المصرى بدور حاسم، فى إرساء دعائم نصر السادس من أكتوبر، من خلال التخطيط المحكم والتضحية الإنسانية.
خلف خطوط النار، كان «الجيش الأبيض» من أطباء وتمريض يرتدون المعاطف البيضاء، تحت أزيز الطائرات وأصوات المدافع والرصاص، يواجهون معركة أخرى لإنقاذ الأرواح، بالتنسيق بين وزارة الصحة والجهود الشعبية التى جسدت أسمى معانى التكافل.
الصحة ودعم الجبهة
قبل اندلاع القتال، وضعت وزارة الصحة خطة طوارئ شاملة، لضمان توفير الرعاية الصحية لآلاف المصابين من الجنود والمدنيين.
تمثلت الخطة فى عدة محاور أساسية، وهي:
-1 تجهيز المستشفيات المدنية القريبة من الجبهة، لتحويلها إلى مستشفيات ميدانية مزودة بالفرق الجراحية، وغرف العمليات الإضافية.
-2 إنشاء مستشفيات إخلاء كنقاط وصل حيوية بين الجبهة والمستشفيات الداخلية، حيث كانت مهمتها تقديم الإسعافات الأولية السريعة، وإجراء العمليات الجراحية العاجلة قبل نقل المصابين إلى مستشفيات أكبر.
-3 تأمين مخزون استراتيجى ضخم من الأدوية، والمحاليل الطبية، وأكياس الدم، والمستلزمات الجراحية لضمان استمرارية العمليات العلاجية فى كافة الظروف.
شجاعة فى قلب المعركة
لم يقتصر دور الأطباء والتمريض على المستشفيات الخلفية، بل كانوا فى قلب الأحداث، حيث أظهر الطبيب الحربي شجاعة فائقة بوجوده في خط النار نفسه، لتقديم الإسعافات الأولية، وتثبيت حالات النزيف ونقل المصابين تحت القصف، وكانت تضحياتهم عاملًا حاسمًا فى إنقاذ حياة الكثير من الجنود.
وبالقدر نفسه من الأهمية، لعب التمريض العسكري دورًا بطوليًا فى ساحة المعركة والمستشفيات الميدانية، حيث عمل الممرضون والممرضات جنبًا إلى جنب مع الأطباء لتقديم الرعاية الكاملة، والمساعدة فى العمليات الجراحية، ودعم معنويات الجنود، مما جعل عملهم شريان الحياة الذى يغذى الأمل فى النفوس.
ملحمة التبرع بالدم
حرب أكتوبر جسدت أسمى معانى التكافل الاجتماعي، حيث شارك الشعب المصرى فى دعم الجبهة الطبية، من خلال التطوع الشعبي الذى شمل آلاف المتطوعين من مختلف الفئات.
وصنعت حملات التبرع بالدم ملحمة شعبية كبرى، حيث اصطف الآلاف فى طوابير طويلة لتقديم أغلى ما يملكون لإنقاذ الجنود، ما أدى إلى توفير كميات هائلة من الدم فاقت القدرة على التخزين، وهو ما عكس الروح الوطنية الاستثنائية.
أيضاً قدم المواطنون مساعدات عينية من أدوية ومستلزمات طبية وأغذية، ودعمًا نفسيًا للمصابين وعائلاتهم، وهو ما أثبت أن الشعب المصرى كان على قلب رجل واحد فى مواجهة التحديات.
خطة التموين والإمداد الطبي
كما كانت خطة التموين الطبى جزءًا حيويًا من خطة الإمداد العامة للقوات المسلحة، بالتعاون مع وزارة الصحة، وتم توفير مخزون استراتيجى ضخم من الأدوية، والمضادات الحيوية، وأكياس الدم والبلازما، وأدوات الجراحة، والمحاليل الوريدية، وارتكزت الخطة على مبدأ «الاكتفاء الذاتي» لضمان استمرارية الإمداد.
وتم تخزين هذه الإمدادات فى مستودعات سرية ومؤمنة بالقرب من مسرح العمليات، لضمان وصولها السريع إلى المستشفيات الميدانية، ما كان له دور كبير فى تقليل نسبة الوفيات بين المصابين.
ولم تكن مستشفيات الإخلاء مجرد هيكلية، بل كانت جسرا حيويا يربط بين خطوط القتال والعمق الاستراتيجى للبلاد، وحددت وزارة الصحة عدداً من المستشفيات المدنية وحولتها إلى نقاط استقبال أولية للجرحى.
فى القاهرة، تم إخلاء مستشفيات كبرى مثل مستشفى المعادى العسكري وعدد من المستشفيات الجامعية مثل مستشفيات قصر العيني والدمرداش، لتكون مستعدة لاستقبال حالات الإخلاء، ما أسهم فى توفير شبكة رعاية طبية متكاملة أنقذت آلاف الأرواح.