الإثنين 13 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

ما وراء المدافع.. دور «الصناعة» فى تحقيق النصر

عندما تتجه الأنظار إلى الحروب، غالبًا ما تتركز على المعارك وساحات القتال، فيما تغيب بعض الأدوار الحيوية التى تسهم فى صناعة النصر خارج ميدان الحرب. لكن الواقع يؤكد أن الانتصارات الكبرى لا تتحقق بالسلاح وحده، بل تحتاج إلى منظومة متكاملة تعمل بتنسيق وتخطيط محكم. 



فى هذا السياق، كان لوزارة الصناعة المصرية دور محورى  فى حرب أكتوبر 1973 ، من خلال تثبيت الجبهة الداخلية، وتوفير المناخ الاقتصادى الملائم لخوض معركة التحرير.

بناء اقتصاد حرب من الداخل

قبل اندلاع المعركة، كان واضحًا أن المواجهة المقبلة مع الاحتلال الإسرائيلى لن تكون فقط عسكرية، بل اقتصادية أيضًا. وبهذا الوعي، شرعت وزارة التجارة والصناعة فى التحول نحو نمط اقتصادى استثنائى يناسب حالة الحرب.

أعادت الوزارة ترتيب أولوياتها، ووجهت إمكانياتها نحو دعم خطة الدولة فى استعادة الأرض، فتم تجميد بعض البرامج غير الحيوية، وتأجيل استيراد السلع الكمالية، وتوجيه الموارد لصالح القطاعات الأكثر ارتباطًا بالحياة اليومية للمواطنين.

توازن السوق واستقرار الأسعار

أدركت الوزارة أن استقرار الجبهة الداخلية لا يقل أهمية عن نجاح العمليات على الجبهة العسكرية. فعملت على إحكام الرقابة على الأسواق، ومنع الاحتكار، وضبط حركة السلع، بما يضمن توفر المواد الأساسية للمواطنين خلال فترة الحرب. 

وتم اتخاذ إجراءات فورية لتوفير السلع التموينية، والحفاظ على الأسعار فى مستويات مقبولة، حتى لا يتأثر المواطن نفسيًا أو اقتصاديًا بظروف المعركة.

 ترشيد الموارد وتوجيهها بذكاء

فى وقت يتسم بالشح المالى وضغط النفقات، لعبت الوزارة دورًا حيويًا فى إعادة توجيه موارد الدولة بشكل عقلاني. فتم تقليص الاستهلاك الحكومي، وتوجيه العمل الصناعى نحو الأولويات القصوى. أعيد هيكلة حركة الاستيراد والتصدير بما يتلاءم مع الموقف الطارئ، فاختفت من السوق السلع غير الضرورية، ليحل مكانها تركيز على المستلزمات الغذائية والمواد الخام الضرورية للتصنيع.

الصناعة فى خدمة الاستقرار الوطني

لم تكن مساهمة وزارة التجارة والصناعة مجرد إجراءات تنظيمية، بل مثلت خطة إنتاجية متكاملة هدفت إلى رفع قدرة الدولة على الاعتماد على ذاتها. 

الوزارة شجعت المصانع على زيادة إنتاجها من السلع المحلية، وقدمت تسهيلات للصناعات الصغيرة والمتوسطة كى تواصل نشاطها، مما ساعد على سد الفجوات التى قد تنتج عن توقف بعض واردات الخارج. هذا التوجه عزز من مفهوم «الاكتفاء النسبي»، وهو مفهوم مهم لأى دولة تخوض حربًا طويلة النفس.

دور تكاملى مع مؤسسات الدولة

عملت الوزارة ضمن منظومة تنسيقية واسعة، جمعتها مع عدد من الوزارات الأخرى مثل التموين والاقتصاد والنقل والمواصلات، لتوفير شبكة دعم قوية تدير الجانب المدنى من الحرب. 

ولم تكن هذه مجرد شراكات إدارية، بل كانت منظومة استراتيجية هدفها ضمان استمرار الحياة اليومية للمواطنين دون اضطراب، وتقديم الدعم غير المباشر للقوات المسلحة عبر تأمين احتياجات البلاد بشكل متوازن.

أظهرت تجربة نصر أكتوبر أن الإدارة الاقتصادية الواعية يمكن أن تكون سلاحًا لا يقل فاعلية عن المدفع والدبابة. فقد أثبتت وزارة التجارة والصناعة قدرتها على إدارة مرحلة شديدة الحساسية بكفاءة وهدوء، وأسهمت فى خلق بيئة داخلية ساعدت الدولة على عبور الأزمة وتحقيق النصر.

ومثلت تلك المرحلة درسًا عمليًا فى كيفية تحويل الوزارات المدنية إلى أطراف فاعلة فى معركة وطنية شاملة، تقوم بدورها من مكاتبها ومصانعها وأسواقها، بينما الجندى يواجه العدو فى ميدان القتال.