أبطال أكتوبر يحكون لأول مرة بعد نصف قرن
حكايات عــلى خط النار

تصنع الجندية المصرية رجالًا لا يعرفون المحاباة ولا يخضعون إلا لواجبهم، رجالًا يعلّموننا أن البطولة ليست فقط فى الانتصار على العدو، بل أيضًا فى الانتصار على الهوى والالتزام بالمسئولية حتى آخر لحظة من العمر.
بطولات وتضحيات.. أسرار وحكايات.. ما زال الكثير منها خفيًا فى الصدور، لم يُكشف إلا عبر شهادات رجال حملوا أرواحهم على أكفّهم دفاعًا عن الوطن هؤلاء الجنود والضباط الذين أعادوا للإنسان المصرى والعربى كرامته وعزته، ليؤكدوا ما قاله محمود درويش يومًا: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
ورغم مرور أكثر من نصف قرن على ذلك اليوم العظيم، لا يزال بيننا أبطال يتحدثون، لأول مرة فى وسائل الإعلام بذاكرة مشبعة بأصوات المدافع ورائحة البارود، يروون قصص الشجاعة والخوف، لحظات التردد والانتصار، ويمنحون الأجيال الجديدة درسًا خالدًا فى معنى الفداء. إنهم الشهود الأحياء على ملحمة النصر فالوطن لا يُصان إلا بالتضحيات، ولا يُحفظ إلا بالدماء الزكية.
الديك: الطبيعة وقفت بجانبنا والجندى المصرى حصل على شهادة الجودة منذ 14 قرنًا
عم فرج يحتفظ ببقايا إحدى القنابل الإسرائيلية التى وجدها بعد انتهاء المعركة
من أقصى الصعيد وعلى مقعد بلاستيكى وجدناه وسط حقوله يستعد لصلاة الضحى كعادته اليومية بعد أن أصبح موظفًا بالمعاش بعد انتهاء مشوار طويل فى الإدارة الزراعية، وبعد قضاء الصلاة تحدث إلينا أحد أبطال سلاح المهندسين فى حرب أكتوبر المجيد.
حيث تذكر فرج الديك – مقاتل رقيب هـ عليا وإحدى قوات بدر البواسل – رحلته مع زملائه من أجل استعادة الأرض فى معركة الكرامة التى قال إنه مهما تحدثت فلن أستطيع وصف شعورى وشعور زملائى الجنود بعد أن وصلت إلينا التعليمات بعبور قناة السويس من أجل استعادة الأرض من العدو الذى أوهم العالم بأنه الجيش الذى لا يقهر.
ويتذكر البطل عن أحد أبطال كتيبته فى حرب أكتوبر 73، واقعة تدل على عظمة وقوة وذكاء الجندى المصرى فى التعامل والتكيف مع الواقع، عندما قام العدو بضرب الجسر الذى قام سلاح المهندسين بتركيبه حتى تعبر عليه قوات المشاة والأسلحة الثقيلة إلى الضفة الأخرى من القناة، فتفتق ذهن قائد الكتيبة إلى عمل معدية (وسيلة الانتقال فى الترع أو نهر النيل فى الأرياف بواسطة حبل).
يبتسم عم فرج صاحب الثمانين ربيعًا ويقول: قمنا بإحضار ويرات من الحبال من شركة التمساح لبناء السفن ببورتوفيق بطول القناة وبكرات تم تثبيتها على جسم المعدية بواسطة اللحام، وتم تثبيت الويرات فى شرق القناة وغربها بواسطة قضبان السكك الحديدية التى تم قطعها من داخل مواقع العدو، لتمر من خلال هذه البكرات المثبتة فى يمين المعدية وشمالها ويقوم برفعها اللنشات وأصبحت المعدية جاهزة للعمل، لتظل حلقة الوصل بين سيناء والسويس من أجل جلب المياه والمؤن لجنودنا البواسل فى الضفة الأخرى، كل هذه الأمور رغم الظروف الصعبة إلا أن قادتنا فى جيشنا القوى كان لديهم تخطيط ورؤية واستخدموا الطبيعة ووظفوها لخدمتنا وكنا نشعر بأن الله يقف معنا فى كل كبيرة وصغيرة فى هذه المعركة التى أعادت لنا الكرامة بعد سبع سنوات من النكسة.
وكانت هناك حالة من السرية دائمًا فى التدريبات التى سبقت الحرب، حيث كنا نتدرب على تركيب الجسور فى نهر النيل بعيدًا عن أعين العدو، ولم يكن أحد يعرف منا كجنود ماذا نفعل ولماذا نستعد، فى ظل الحرب النفسية التى كان يستخدمها ضدنا العدو، لكن قادة الجيش الذين تعلمنا منهم الكثير خاصة فى سلاح الكبارى الذين كانوا مثالا للعطاء والتضحية من أجل مصرنا الحبيبة.
عم فرج ما زال يمتلك فى منزله بعض البقايا من إحدى القنابل الإسرائيلية التى وجدها بعد انتهاء المعركة، كتذكار خالد لأقوى معركة فى تاريخ العسكرية المصرية.
يقول البطل: فى كل عام وتحديدًا فى السادس من أكتوبر أحرص على الجلوس بين أبنائى وأحفادى وأتحدث معهم عما قامت به قواتنا الباسلة من إعجاز فى الحرب الخالدة حتى تتذكر الأجيال الحالية والقادمة أن ما نحن فيه الآن من استقرار وسلام ما كان ليتحقق إلا بفضل الله وكرمه والإرادة القوية للقوات المسلحة فى استرداد الأرض كاملة من عدو غاشم غاصب.