بزنيس الحيوانات والطيور المحنطة
سوق سرية تهدد التنوع البيولوجى فى مصر
علياء أبوشهبة
فى قلب القاهرة، وتحديدًا خلف سور مجرى العيون بمنطقة السيدة زينب، تجد سوقًا خفيًا يزدهر فيها بزنس بعيدًا عن أعين القانون، حيث تُعرض الحيوانات المحنطة فى واجهات المحال أو تُخبأ داخلها، وتتنوع المعروضات بين قطط ونسانيس وثعالب وطيور ملونة، وصولًا إلى النمور والأسود وتُباع بأسعار خيالية تصل إلى أكثر من مليون جنيه، ورغم أن هذه التجارة مُجرَّمة بموجب القانون المصرى واتفاقية «سايتس» الدولية لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، إلا أن السوق تواصل نشاطها، مدعومة بشبكات بيع على مواقع التواصل الاجتماعى ومنصات تجارية عالمية، فضلًا عن أنه فى الوقت الذى يراها البعض فنًا أو ديكورًا فاخرًا، يؤكد خبراء البيئة والحياة البرية أنها تهديد مباشر للتنوع البيولوجى وخطر صحى محتمل.
جولة ميدانية
أجرت جريدة «روزاليوسف» جولة ميدانية، فى محال بيع الجلود الطبيعية المواجهة لمنطقة سور مجرى العيون التابع لحى السيدة زينب، حيث تتواجد الحيوانات المحنطة لدى الباعة، فتبين أن بعضها موضوع فى أماكن مكشوفة، والبعض الآخر مخبأ داخل المحال، إلا أنه حسب ما أفاد به بعض التجار، فإن البيع يتم «بالطلب»، والأرخص سعرًا هو القط وسعره 800 جنيه، يليه النمس وسعره 900 جنيه، ثم الثعلب وسعره 1000 جنيه، ويمكن طلب مجسمات محنطة لطيور، منها الصقر والنسر والبومة، ويصل سعرها إلى 1500 جنيه، بينما تبدأ أسعار الطيور الملوّنة المحنطة من 800 جنيه، ناهيك عن العثور على تمثال لحيوان الكنغر، لكنه حسب صاحب المحل فإنه ديكور وليس معروضًا للبيع. وتوجد محال تبيع الأسد والنمر، ويبدأ سعر كل منهما من 800 ألف جنيه، وقد يزيد على المليون لأنه يكون مستوردًا من الخارج، وبالبحث على شبكات التواصل الاجتماعى، وُجدت مجموعات تبيع الحيوانات المحنطة بأسعار مماثلة لتلك الموجودة فى المحال، كما تم العثور على حيوانات محنطة معروضة عبر موقع البيع التجارى «على بابا»، مع بائعين من مصر والعراق وسوريا والسعودية والإمارات. وتُعد تجارة الحيوانات المحنطة غير قانونية فى مصر، وتُجرّمها وزارة البيئة بموجب قانون البيئة المصرى، الذى يمنع صيد أو حيازة أو بيع أو نقل الحيوانات البرية، سواء حية أو ميتة، ويُعاقب المخالفين بالحبس والغرامات المالية، فضلًا عن أن اتفاقية سايتس (CITES) تضع ضوابط دولية على تجارة الحياة البرية والنباتات، بما فى ذلك الحيوانات المحنطة، لمنع استغلال الأنواع المهددة بالانقراض.
تهديد كبير للبيئة
فى هذا السياق، يقول الدكتور عاطف محمد كامل، وكيل كلية الطب البيطرى بجامعة عين شمس ورئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان لـ«روزاليوسف»: إن كل أنواع الحيوانات والهياكل العظمية تقع تحت إطار اتفاقية سايتس، وهى لا تقتصر على الحيوانات الحية فقط، لافتًا إلى أن المشكلة تظهر أبعادها بشكل أكبر فى باقى الدول الإفريقية، لا سيما البرية منها، حيث يُصاد الأسد والنمر وتُصدر عظامهما إلى الصين للاستخدام فى ممارسات الطب التقليدى.
يضيف كامل وهو أيضاً عضو لجنة اتفاقية سايتس لحماية الأنواع المهددة بخطر الانقراض: الأصل فى عملية التحنيط هو حفظ الحيوانات المهددة بخطر الانقراض بعد موتها، وفى حالة ضبطها تتم مصادرتها لصالح المتحف الزراعى ومتحف حديقة الحيوان، موضحًا أن القانون يرفض تصدير الحيوانات المصرية حفاظًا على الحياة البرية فى مصر، بينما يُسمح بالاستيراد لما لا يؤثر على البيئة المصرية، فضلًا عن أنه يجب أن يُرفق بطلب الاستيراد خطاب من دولة المنشأ والموقف الصحى من الهيئة العامة للخدمات البيطرية والموقف الوبائى للدولة التى استوردت منها، علمًا بأن الحيوانات المحنطة تُستخدم بشكل أساسى فى التعليم لطلاب الطب البيطرى. وفى حالة شراء حيوانات سواء حية أو محنطة من خارج مصر كتذكار، يؤكد ضرورة وجود أوراق موثقة لهذه الحيوانات وكشف للطب البيطرى عليها، وإلا تُصادَر، أما فى حالة محاولة إخراجها من مصر، فتتم مصادرتها، مشددًا على ضرورة ملاحقة المهربين وعمليات التهريب التى تتم عبر الحدود مع السودان وليبيا، مثلما يحدث للسلاحف البرية وغيرها من الحيوانات المهددة أو غير المهددة بخطر الانقراض، كذلك الحيوانات الحية وقليل منها المحنطة فى سوق السيدة عائشة، محذرًا من خطورة ما يمكن أن تحمله من عدوى إذا كانت حية وليست لديها أى أوراق رسمية تفيد الكشف عليها؛ للتأكد من خلوها من الأمراض المعدية.
«التحنيط فن وتكنيك»
أما حمدى جمال، أحد محنطى الحيوانات، فيقول فى تصريحاته لـ«روزاليوسف»: إنه يعمل فى هذه المهنة منذ ما يقرب من 50 عامًا، وإن الطلب كان بشكل أساسى من السائحين العرب من دول الخليج، لكنه قلّ بصورة كبيرةـ وفقًا لما ذكره ـ بسبب مصادرة الجمارك لها فى المطار، وحاليًا تُستخدم بوصفها ديكورًا فى الفلل والبلكونات والمساحات الكبيرة. جمال تحدث عن التكنيك الذى يتبعه فى التحنيط، الذى يختلف من الحيوانات، مثل: الثعلب والنمس والعنزة الصغيرة عما يتبعه من خطوات لتحنيط الطيور من صقر ونسر وبجع وديك رومى وخلافه، مشيرًا إلى أنه لم يرث المهنة عن والده لكنه أحبها فى سن مبكرة رغم مخاطرها، حيث يستخدم ماء النار «الأسيد» المخفف فى إحدي مراحل التحنيط، لكنه يحب هذه المهنة ويعتبرها فنًا، ولم يرثها عنه أى من أبنائه. وينتقد بعض الصيادين الذين يقومون بذبح وسلخ الحيوان بطريقة تضر بالفراء تستلزم الخياطة لمساحة كبيرة منه، الأمر الذى يدفعه للتعامل مع صيادين محددين ممن يفهمون طريقته فى العمل، منوهًا إلى أنه فى بعض الأحيان يُطلب منه من أصحاب الكلاب تحنيط كلابهم بعد موتها حتى يظل يراها أمامه، وهو ما ينفذه حسب الوضع المطلوب للحيوان، إذا كان قائمًا أو نائمًا أو فى الوضع الفرعوني؛ وهو ما فسره بأنه نفس وضع أبى الهول وتمثال قصر النيل.
وبشأن ما رصدته «روزاليوسف» فى جولتها، يؤكد جمال أن كل تلك الأعمال المحنطة فى منطقة سور مجرى العيون «من أعماله»، إضافة إلى المعروضة فى البازارات فى منطقة الحسين، معتبرًا نفسه أول من قام بتحنيط الطيور، خاصة أنه يحنطها فى شكل مشهد تمثيلى لحيوان ينقض على فريسته ويصنع لها عشًا، لافتًا إلى أنه حرص على التأكد من موقف الدين الإسلامى من عمله، وقال إنه اتصل بأحد البرامج وسأل عن الأمر، وجاء الرد بأن التحنيط حلال لأنه لا يكون شيئًا من لا شيء، لكنه يمنعها من التعفن.
جلب الحشرات
أيضًا، يقول الدكتور شريف بهاء الدين، مؤسس الجمعية المصرية لحماية الطبيعة، لـ«روزاليوسف»: إن عمليات التحنيط هى فى واقع الأمر عملية دقيقة جدًا تحتاج إلى الكثير من الخطوات الدقيقة، مشيرًا إلى أن ما يتم من استخدام حقن الفورمالين وغيرها ينتج عنه اجتذاب العتة والديدان والحشرات، وبعد فترة يتعرض للتحلل ويتساقط الريش والشعر وتنتج عنه رائحة تعفن، هذا بخلاف مخاطر استخدام الفورمالين وما يمكن أن ينتج عنه من غازات طيارة.
ويضيف: هذه تجارة غير قانونية، لا سيما إذا كان يتم قتل الحيوانات بغرض تحنيطها، منوهًا إلى أن التحنيط لم يعد مقبولًا فى الدول الغربية وأصبح يُنظر إليه على أنه جريمة، مشددًا على أنها تجارة غير مقننة وتهدد البيئة الطبيعية، مفسرًا بيع الصقور بمبلغ لا يتعدى 1500 جنيه فى حين أن سعره وهو حى يصل إلى 4 ملايين جنيه، بأن قيمة الصقر تقتصر على أن يكون حيًا وبصحة جيدة وريشه سليم وغير مكسور أو مريض، لذلك يُعتبر التحنيط الحل الأخير للاستفادة منه، محذرًا من خطورة تحنيط التماسيح النيلية والاتجار فيها، ما يمكن أن يعرضها لخطر الانقراض، علاوة على أن عمليات التحنيط لا يتم بالكفاءة الكافية، وسرعان ما تتعرض للتآكل.
تجارة يحظرها القانون
«روزاليوسف» أجرت مقابلة مع الدكتور على أبوسنة، رئيس جهاز شئون البيئة، أكد خلالها دور وزارة البيئة فيما يتعلق بالاتجار فى الحيوانات المحنطة، طبقًا لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 والمعدل بقانون رقم 9 لسنة 2009 ولائحته التنفيذية وتعديلاتها، والمادة رقم 28 والملحق رقم 4 البند الأول والثالث والرابع، يحظر عرض الحيوان حيًا أو ميتًا دون الحصول على ترخيص من جهاز شئون البيئة، ويصدر جهاز شئون البيئة التراخيص اللازمة للاتجار فى الكائنات الحية الحيوانية والنباتية البرية المهددة بالانقراض أو أجزاء منها، سواء المصرية منها والناشئة خارج مواطنها الطبيعية أو من الكائنات الحية غير المصرية أو تلك المهندسة وراثيًا أو المعدلة جينيًا، وبما يتفق مع بنود اتفاقية سايتس الدولية لحماية الأنواع المهددة بخطر الانقراض.
ويضيف: بناءً على ما سبق من القوانين، فإن وزارة البيئة لها دور فعال ومؤثر فى الحد من الاتجار غير الشرعى فى الحياة البرية، حيث يتم تحديد إصدار الموافقات أو التصاريح أو التراخيص بناءً على وضع وحالة الحيوان فى الطبيعة «الأعداد ـ التوزيع الجغرافى» والقائمة الحمراء الخاصة بـIUCN وجداول الحيوانات المحظورة فى قانون البيئة، كذلك وجود الحيوان فى ملحق «أ أو ب أو ج» فى اتفاقية سايتس الدولية، وعليه يتم تحديد الأنواع المسموح بها أو الأنواع المحظورة.
وعن كيفية التعامل مع البلاغات عن الاتجار فى الحيوانات المحنطة، يوضح أبوسنة أن مصدر البلاغات يكون عن طريق البوابة الإلكترونية لشكاوى مجلس الوزراء، أو بلاغ من مواطن، أو إخبارية لشرطة البيئة والمسطحات، ويتم عمل تحريات عن مكان البلاغ ومحتوياته عن طريق شرطة البيئة والمسطحات ووحدة الحياة البرية بالوزارة، بعدها يتم التنسيق مع الجهات المعنية بالبلاغ «قطاع الفروع– شرطة البيئة والمسطحات– وزارة الزراعة– نقابة العاملين بالصيد البرى– الجمعيات الأهلية» للقيام بحملة لضبط المخالفين، ثم تقوم الحملة بضبط المخالفين والتحفظ على الأحراز «الحيوانات المحنطة»، ويتم عمل تقرير فنى من وحدة الحياة البرية «أنواع المضبوطاتـ أعدادها– الرأى الفني» ويُرفق مع المحضر فى قسم الشرطة التابع له وإصدار قرار النيابة.






