الخميس 6 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عندما أشرقت حضارة

«فجر الضمير»

لم يتوقع أحد أن ابن تاجر الخردوات الصغير المولود فى عام 1865 بمدينة «روكفورد» الأمريكية سيعيد رسم التاريخ. لكن جيمس هنرى برستد فعلها، فبعد أن أتم جيمس دراسته الجامعية فى جامعة «نورث سينترال» بالولايات المتحدة، وتخرج فيها عام 1888، درس علم اللاهوت فى شيكاغو، وفجأة تحول اهتمامه إلى دراسة اللغة العبرية فى جامعة «ييل»، ليحصل منها على الماجستير عام 1891، بعدها بثلاث سنوات حصل على درجة الدكتوراه فى علم المصريات من «جامعة برلين» بألمانيا، ليعمل أستاذًا بجامعة شيكاغو، ويصبح أول من يشغل كرسى المصريات والتاريخ الشرقى بالولايات المتحدة الأمريكية، ثم يؤسس المعهد الشرقى بشيكاغو عام 1919.



 - وقع جيمس فى غرام مصر عندما قضى فيها شهر العسل بعد زواجه من الألمانية فرنسيس هارت عام 1894، ولأن برستد يعشق الدقة المتناهية فقد ظل يدرس البرديات المصرية 22 عامًا، كما عاش فى مصر 10 سنوات كاملة، قبل أن يطل على العالم بأيقونته «فجر الضمير»، وقبلها عدة مؤلفات منها: «تاريخ مصر منذ أقدم العصور إلى العصر الفارسى»، و«تطور الفكر والدين فى مصر القديمة»، و«تاريخ المصريين القدماء».

 وبالتزامن مع الحدث العالمى وهو افتتاح المتحف المصرى الكبير المجاور للأهرامات الثلاثة، لم نجد كتابًا أحق بالعرض من كتاب «فجر الضمير» الكتاب الذى ترجمه العالم المصرى الكبير د. سليم حسن من الإنجليزية إلى العربية فى يناير 1956.

ماذا قال سليم حسن عن برستد وفجر الضمير؟

«وﻟﺴﺖ مبالغًا إذا قررت هنا أن خير كتاب أﺧﺮج ﻟﻠﻨﺎس فى هذا العصر ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﻄﺮاز ﻫﻮ ﻛﺘﺎب ﻓﺠﺮ اﻟﻀﻤير اﻟﺬى وﺿﻌﻪ اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ فى ﻋﺎم 1934، وﻫﻮ ﰲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﺆﻟﻒ ﻳﺪﻟﻞ ﻋلى أن مصر أﺻﻞ ﺣﻀﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻣﻬﺪﻫﺎ اﻷول؛ ﺑﻞ فى مصر ﺷﻌﺮ اﻹﻧﺴﺎن ﻷول ﻣﺮة ﺑﻨﺪاء اﻟﻀﻤير، ﻓﻨﺸﺄ اﻟﻀﻤير اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ بمصر وﺗﺮﻋﺮع، وﺑﻬﺎ ﺗﻜﻮﻧﺖ اﻷﺧﻼق اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ. وﻗﺪ أﺧﺬ اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ ﻳﻌﺎﻟﺞ ﺗﻄﻮر ﻫﺬا الموضوع ﻣﻨﺬ أﻗﺪم اﻟﻌﻬﻮد اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، إلى أن اﻧﻄﻔﺄ ﻗﺒﺲ اﻟﺤﻀﺎرة فى مصر حوالى ﻋﺎم 525 قبل الميلاد»، هكذا كتب العالم المصرى سليم حسن فى مقدمة ترجمته البديعة لأيقونة مؤلفات عالم الآثار والمورخ الأمريكى الشهير جيمس هنرى برستد « فجر الضمير».

يقول سليم حسن «فمصر من وجهة ﻧﻈﺮه ﺣﺴﺐ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻟﺘﺎرﻳﺨﻴﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺘﻨﺎ ﻋﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ إلى اﻵن، ﻫﻲ ﻣﻬﺪ ﺣﻀﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻢ؛ وﻋﻦ ﻫﺬه اﻟﺤﻀﺎرة أﺧﺬ العبرانيون، وﻧﻘﻞ اﻷوروﺑﻴﻮن ﻋﻦ العبرانيين ﺣﻀﺎرﺗﻬﻢ، وﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮن اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ، ﻗﺪ ﻫﺪم ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ اﻟﺨﺎﻟﺪ ﻫﺬا، اﻟﻨﻈﺮﻳﺎت اﻟﺮاﺳﺨﺔ فى أذﻫﺎن اﻟﻜﺜيرﻳﻦ، اﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺄن اﻟﺤﻀﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ أﺧﺬت ﻋﻦ العبرانيين. على أن ﻫﺬا اﻟﺮأى ﻻ ﻳﺰال ﻳﻌﺘﻨﻘﻪ ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻘﺮأ ﻛﺘﺎب ﺑﺮﺳﺘﺪ إلى اﻵن، وﻛﺄن ﻫﺬا اﻷﺛﺮى اﻟﻌﻈﻴﻢ ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ ﻫﺬا ﻗﺪ أﻇﻬﺮ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ أﺟﻤﻊ ﺑﺄن المصدر الأصلى ﻟﻜﻞ ﺣﻀﺎرات اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻫﻲ مصرنا اﻟﻌﺰﻳﺰة. 

ﻟﺬﻟﻚ يخيل إلىّ أن ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻗﺎل: ﻟﻮ ﻟﻢ أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا، ﻛﺎن ﻳﺤﺲ فى أﻋﻤﺎق ﻗﻠﺒﻪ وفى دﻣﻪ ﻣﺎ ﺳﻴﻈﻬﺮه اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ عما ﻛﺎن لمصر ﻣﻦ اﻟﺴﻴﺎدة المطلقة واﻟﻘﺪم اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، فى ﺗﻜﻮﻳﻦ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ، وفى وﺿﻊ أﺳﺲ اﻷﺧﻼق واﻧﺒﺜﺎق ﻓﺠﺮ اﻟﻀﻤير اﻟﺬى ﺷﻊﱠ على ﺟﻤﻴﻊ اﻟﻌﺎﻟﻢ. وﻻ ﻏﺮاﺑﺔ فى إﺣﺴﺎس ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻛﺎﻣﻞ ﺑﻬﺬا اﻟﺸﻌﻮر، وﺑﺘﻠﻚ اﻟﻌﺰة اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ واﻟﻌﻈﻤﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ اﻟﺘى ﻋﺰز ﺻﺪﻗﻬﺎ ﺑﺮﺳﺘﺪ عام 1934، وﻫﻮ اﻟﻌﺎم اﻟﺬى ﻇﻬﺮ ﻓﻴﻪ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﻓﺠﺮ اﻟﻀﻤير«ﻓﺈن اﻟﺒﻼد اﻟﻌﺮﻳﻘﺔ فى المجد ﻛﺎﻟﺸﺠﺮة المباركة اﻟﻄﻴﺒﺔ، ﺗﺆﺗى أﻛﻠﻬﺎ ﻛﻞ ﺣين، وﺗﻨﺒﺖ ﺑين آوﻧﺔ وأﺧﺮى أﻓﺬاذًا تسرى فى دﻣﺎﺋﻬﻢ ﻗﻮة اﻟﻌﺰة اﻟﻘﻮﻣﻴﺔ والمجد اﻟﺘﻠﻴﺪ؛ ﻓﻴﺸﻌﺮون ﺑﻌﻈﻤﺔ ﺑﻼدﻫﻢ، وﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺎرﻳﺦ ﻣﺠﻴﺪ، ﻓﺘﻨﻄﻠﻖ أﻟﺴﻨﺘﻬﻢ معبرة ﻋﻦ ذﻟﻚ ﺑﺎﻹﻟﻬﺎم المحض». 

ولأن اﻟﻌﻈﻴﻢ ﻳﻘﺪر اﻟﻌﻈﻴﻢ؛ ﻓقد «شغف اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ فى ﺑﺎدئ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺑﺪرس ﺗﺎرﻳﺦ الشرق اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻋﺎﻣﺔ، وﻟﻜﻦ لما اﺷﺘﺪ ﺳﺎﻋﺪه ﻣﺎل ﺑﻜﻞ ﻧﻔﺴﻪ وروﺣﻪ ﻟﺪرس ﺗﺎرﻳﺦ مصر وﺣﻀﺎرﺗﻬﺎ، وأﻧﻔﻖ فى ﺳﺒﻴﻞ اﻟﻮﺻﻮل إلى ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻜﺎﻧﺔ مصر ﺑين دول اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﻣﺎ ﻳﺮﺑو على أﻟﻒ أﻟﻒ ﺟﻨﻴﻪ، ﺟﻤﻌﻬﺎ ﻣﻦ رﺟﺎﻻت أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺠﻌﻮن اﻟﻌﻠﻢ واﻟﺒﺤﻮث اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ. وﻗﺪ اﻧﺘﻬﻰ ﺑﻪ اﻟﺒﺤﺚ ﺑﻌﺪ درس ﺣﻀﺎرات اﻷﻣﻢ الشرقية اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻛﻠﻬﺎ؛ إلى أن مصر أﺻﻞ مدنيات اﻟﻌﺎﻟﻢ، وﻣﻨﺒﺖ ﻧﺸﻮء اﻟﻀﻤير، واﻟﺒﻴﺌﺔ الأولى اﻟﺘى ﻧﻤﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﺧﻼق؛ ﻓﻬﻮ إذن رﺟﻞ ﻋﻈﻴﻢ ﻛﺸﻒ ﻋﻦ ماضى أﻣﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ».

ويكمل حسن: «وﻟﻌﻤﺮى ﻟﻘﺪ قضى اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ ﺑﻜﺘﺎﺑﻪ ﻓﺠﺮ اﻟﻀﻤير على اﻟﺨﺮاﻓﺎت والترهات، اﻟﺘى ﻛﺎﻧﺖ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺑين اﻟﺴﻮاد اﻷﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﻘﺪﻳﻢ واﻟﺤﺪﻳﺚ ﻗﻀﺎء مبرمًا، ﻓﻔﺮﻳﻖ ﻣﻨﻬﻢ ﻇﻦ أن اﻟﺼين واﻟﻬﻨﺪ ﺛﻢ ﺑﻼد اﻟﻴﻮﻧﺎن ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻬﺪ اﻟﺤﻀﺎرة العالمية وﻋﻨﻬﺎ أﺧﺬ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺤﺪﻳﺚ، واﻟﻮاﻗﻊ أن مصر ﻛﻤﺎ ذﻛﺮﻧﺎ آنفًا ﻫﻲ اﻟﺘى أﺧﺬ ﻋﻨﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺣﻀﺎرﺗﻪ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻓﻠﺴﻄين اﻟﺘﻲ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﻓﻀﻞ فى ذﻟﻚ ﺳﻮى أﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻧﻘﻄﺔ اﻻﺗﺼﺎل ﺑين اﻟﺤﻀﺎرة اﻷوروﺑﻴﺔ واﻟﺤﻀﺎرة المصرية. 

ﻤﺎ ﻧﺮاه اﻵن ﻣﻦ رواﺋﻊ المؤﻟﻔﺎت اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، وما نسج على ﻣﻨﻮاﻟﻪ الكتاب الأوربيون، ﻗﺪيمًا وﺣﺪﻳﺜًﺎ ﻳﺮﺟﻊ فى عنصره إلى أﺻﻞ مصرى ﻗﺪﻳﻢ. ﻛﻞ ذﻟﻚ ﺗﺪﻋﻤﻪ اﻟﻮﺛﺎﺋﻖ اﻷﺻﻠﻴﺔ اﻟﻘﺪﻳﻤﺔ قد شرحه اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ شرحًا فياضًا ﻣﺴﺘﻔﻴﻀًﺎ لا يترك مجالًا ﻷى ﻧﺎﻗﺪ ﻳﻔﻬﻢ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ على وﺟﻬﻬﺎ اﻟﺼﺤﻴﺢ وﻻ ﻳﺘﻌﺼﺐ إلى ﻓﺮﻳﻖ دون ﻓﺮﻳﻖ».

«إن اﻟﺬى ﻳﺘﺼﻔﺢ ﻛﺘﺎب اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ، وﺑﺨﺎﺻﺔ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول ﻣﻨﻪ، ﻳﻠﺤﻆ ﻷول وﻫﻠﺔ أﻧﻪ ﻳﺮﻳﺪ أن ﻳﻠﻔﺖ ﻧﻈﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ إلى أﻫﻤﻴﺔ ضرورة اﻟﺒﺤﺚ واﻟﺘﻨﻘﻴﺐ ﻋﻦ ﺗﺎرﻳﺦ الشرق اﻟﻘﺪﻳﻢ ووﺿﻌﻪ أﻣﺎم أﻋين اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺗﺪوﻳﻨﻪ ﺑﺼﻮرة واﺿﺤﺔ، ﺣﺘﻰ ﻳﻜﻮن وﺳﻴﻠﺔ لمعرفة أﺻﻞ اﻟﺤﻀﺎرة».

وفى الحقيقة ﻗﺪ أﻓﻠﺢ اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ ﻓﻼحًا ﻣﻨﻘﻄﻊ اﻟﻨﻈير ﺑﻘﺪر ما وصلت إليه معلوماته فى تجديد الماضى القديم وجعله حيًا أمامنا يتكلم ويناقش، وسيجد القارئ أن اﻷﺳﺘﺎذ ﻫﻮ أول ﻣﻦ ﻗﺴﻢ ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ إلى عصرين ﺑﺎرزﻳن؛ اﻷول عصر ﻛﻔﺎح اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻊ المادة واﻟﻘﻮى اﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، والعصر اﻟﺜﺎﻧى ﻫﻮ عصر اﻟﻜﻔﺎحٍ واﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﻬﺎﺋﻴا ﺑﻴﻨﻪ وﺑين ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺒﺎﻃﻨﺔ، وذﻟﻚ ﺣﻴﻨﻤﺎ أﺧﺬ ﺿﻤيره ﻳﺒﺰغ وأﺧﻼﻗﻪ ﺗﺘﻜﻮﱠن، وﻳﻘﺪر ﺑﺮﺳﺘﺪ زﻣﻦ ﻛﻔﺎﺣﻪ المادى ﺑﻨﺤﻮ ﻣﻠﻴﻮن ﺳﻨﺔ، أﻣﺎ عصر ﺑﺰوغ ﺿﻤيره ﻓﻘﺪ ﺑﺪأ ﻳﺤﺲ ﺑﻪ ﻣﻨﺬ أن ﻋﺮف ﻛﻴﻒ ﻳﺪون أﻓﻜﺎره ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺑﺔ، وﻳﻘﺪر ﻋﻤﺮه ﺑﻨﺤﻮ 5000 ﺳﻨﺔ ﺗﻘﺮيبًا».

ويعتقد ﺑﺮﺳﺘﺪ «أﻧﻨﺎ ﻻ ﻧﺰال فى ﻣﺴﺘﻬﻞ عصر ﺗﻜﻮﻳﻦ أﺧﻼﻗﻨﺎ، وأﻧﻨﺎ ﻣﺎ زﻟﻨﺎ على أﺑﻮاب ﻣﻤﻠﻜﺘﻬﺎ، وأﻧﻪ ﺑﻴﻨﻨﺎ وﺑين اﻟﻮﺻﻮل إلى ﻧﻬﺎﻳته اﻟﺸﺎﺳﻌﺔ المترامية اﻷﻃﺮاف اﻟﺘى ﻟﻢ ﻧﺮد ﻣﺠﺎﻟﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﺪود ﺗﻠﻚ المملكة أﻫﻮال وﻣﺼﺎﻋﺐ ﺷﺎﻗﺔ رﺑﻤﺎ اﺳﺘﻐﺮق اﻟﺘﻐﻠﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﺌﺎت اﻵﻻف ﻣﻦ السنين، وﻳﻌﻨى ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬى ﻳﺼﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻴﻪ إلى التحلى ﺑمثل الأخلاق العليا وﻳﻘﻠﻊ ﻋﻦ المادة وﻣﺎ ﻳﺠﻠﺒﻪ ﺣﺐ اﻻﺳﺘﺤﻮاذ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ المشاحنات واﻟﺤﺮوب واﻷﺣﻘﺎد اﻟﺘﻲ يغلى ﻣﺮﺟﻠﻬﺎ فى ﻛﻞ ﻧﻮاﺣى اﻟﻌﺎﻟﻢ وﻻ ﻳﺰال ﻳﺸﺘﺪ ﻏﻠﻴﺎﻧﻪ اﻵن».

وفى ختام مقدمته يقول الدكتور سليم حسن: «ﻛما أرجو أن ﻳﻬﺘﻢ ﻛﻞ مصرى ﻳﺤترم ﻧﻔﺴﻪ وﻳﻘﺪر ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺑﻼده ﺑﻘﺮاءة ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب؛ ﻟﻌﻞ فى ذﻟﻚ ﺑﺎعثًا ﻹﺣﻴﺎء الماضى المجيد اﻟﺬى ﻻ ﻳﺰال اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﺮﺑى ﻳﺮد ﻣﻨﺎﻫﻠﻪ وﻳﺴير على ﻫﺪاه ﻣﻨﺬ أﻗﺪم ﻋﻬﺪه ﺣﺘﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬا دون أن ﻳﺸﻌﺮ أﺣﺪ ﻣﻨﺎ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺘﻰ أﺑﺮزه ﻟﻨﺎ اﻷﺳﺘﺎذ ﺑﺮﺳﺘﺪ فى «ﻓﺠﺮ اﻟﻀﻤير»، أو ﻛﻤﺎ أﺳﻤﻴﻪ مصر أﺻﻞ ﻣﺪﻧﻴﺎت اﻟﻌﺎﻟﻢ».

وصدق برستد عندما أثبت للعالم أن مصر وليس غيرها من شهد بزوغ فجر ضمير الإنسانية.