سيدة الأناقة الحكيمة لا تنطق بشر
المرأة.. مكانة مرموقة فى مصر القديمة من الأسرة إلى سُدة الحكم
سيدة الأناقة الحكيمة التى لا تنطق بشر، هكذا وصف المصرى القديم زوجته، تلك المرأة المصرية التى حظيت بمكانة رفيعة لدى الأجداد القدماء، سيدة فى منزلها ترعى أسرتها وتحفز زوجها وتدعم وتقف خلف رجال الدولة العظماء، وأم ترعى الأبناء، وطالبة فى ساحات العلم، ولا تزال تسطر الحفيدات أمجاد الجدات.
كانت المرأة فى مصر القديمة رمانة الميزان ومركز الدفع والتحفيز على العمل والإبداع وشحذ الهمم والطاقات لدى رجال مصر العظماء، وسبقت مصر العالم فى احترام المرأة ومنحها حقوقها كاملة، حتى وصلت لحكم البلاد وبينهن الملكة نفرتيتى. يؤكد الدكتورممدوح الدماطى وزير الآثار الأسبق وأستاذ الآثار المصرية بجامعة عين شمس، أن مكانة المرأة فى الحضارة المصرية القديمة كانت كبيرة خاصة كزوجة، مشيرا إلى وجود نص يصف فيه رجل من مصر القديمة زوجته بعبارة”سيدة الأناقة لا تنطق بشر”.
ويضيف الدماطى: رجل آخر أرسل لزوجته خطابًا نستشف منه مدى تقدير المصريين القدماء للمرأة كزوجة، حيث قال الرجل فى خطابه: «زوجتى الحبيبة الرقيقة وسيدة الأناقة وعذبة الحب، ممتعة الحديث، الحكيمة فى عبارتها، كل ما يأتى على شفتيها ميزان دقيق الكاملة التى تبسط يديها للكافة بالمودة، التى لا تنطق بشر، المفعمة بالحب للجميع».
ويضيف الدماطى حظيت المرأة كأم فى مصر القديمة بمكانة كبيرة، فقد تضمنت بردية الحكيم آنى وصايا تدعوا إلى رعاية الأم، فيوصى الحكيم ابنه قائلًا: «لا تنس أمك وما فعلته من أجلك، ضاعف لها غذاءها، احملها كما حملتك فإذا نسيتها نسيك الإله، لقد حملتك تسعة أشهر وحينما ولدت حملتك ثانية حول رقبتها وأعطتك ثديها سنوات، لم تشمئز من فضلاتك ولما دخلت المدرسة وتعلمت الكتابة كانت تقف بجوار معلمك ومعها الخبز جاءت به من البيت»
ويرى الدكتور حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية حالياً والمدير الأسبق للمتحف المصرى الكبير: أن المرأة فى مصر القديمة تمتعت بمكانة عالية وحظت حقوقًا كثيرة لم تحظِ بها مثيلاتها فى العالم القديم ولا العصر الحديث، وكان دور المرأة فى مصر القديمة كبيرًا ومهمًا للغاية، وكانت مساوية للرجل فى الحقوق والواجبات، ومشاركة له فى الحياة، وملازمة له فى العالم الآخر، وكانت سيدة مجتمعها ووصلت لأعلى درجات التقدير فيه. وكانت خير رفيق للرجل فى الدنيا والآخرة، وتميزت بالسبق والإبداع والتميز فى مجالات عدة، وحملت العديد من الألقاب سواء فى البيت أو فى القصر أو المعبد أو فى المجتمع.
وتابع عبدالبصير: كانت المرأة المصرية القديمة سيدة فى بيتها، وتنوعت أدوارها فى مجتمعها منذ بداية الحضارة المصرية القديمة، وحملت من الألقاب ما يدل على ذلك مثل لقب «نبت بر» أى «سيدة البيت»، مما يدل على عظم المكانة والتقدير الذى حظيت به فى بيت زوجها، فكانت تقوم بأعمال بيتها وتساعد زوجها فى عمله مثل العمل فى الحقل وأعمال الزراعة وعمل السلال والحصر، وتربية الماشية والطيور وطحن الحبوب وتجهيز العجين وصناعة الخبز والجعة وورش النسيج.
وأضاف عبدالبصير: ليس هذا فقط، بل كانت المرأة تعمل كمربية للأبناء والبنات فى بيوت كبار رجال الدولة والملوك، وكانت أيضًا تعمل فى المعابد، كما أنه منذ عصر مبكر حكمت المرأة المصرية القديمة البلاد، بانفراد مما يدل على عظمة الشخصية المصرية ومدى تحررها، والسماح للملكات بأن يعتلين عرش مصر مثل الرجال، بجانب دور الملكات المصريات الرائد وعظمتهن فى انتقال الحكم، وفى تكوين ملوك مصر العظام، حيث كان يتم تكليف الملكة الأم بحكم البلاد نيابة عن ابنها، الملك الطفل.
وكان دور النساء مهمًا فى الحفاظ على عرش البلاد لأبنائهن حتى يبلغوا سن الرشد، نظرًا لأن الأم هى الشخص الأكثر ولاءًا ووفاءً وإخلاصًا لابنها الملك الطفل، فضلاً عن كونها تنتمى بالدم للعائلة المالكة، ومتدربة على تحمل مسئوليتها التاريخية والدفاع عن ابنها الطفل، وامتد هذا الدور فى مشاركة المرأة المصرية فى الدفاع عن الوطن، مما يوضح عظمة الدور الذى من الممكن أن تقوم به النساء فى تحرير الأوطان، وأبرز مثال على ذلك الملكة المناضلة «تتي-شري» ودورها الكبير فى تحرير مصر من الهكسوس على يد حفيدها الملك أحمس الأول.
من جانبه قال الدكتور أشرف أبو اليزيد رئيس الإدارة المركزية للمتاحف النوعية بوزارة السياحة والآثار: إن مصر القديمة قدرت المرأة منذ أن كانت بنتا صغيرة، فقد علمت بناتها القراءة والكتابة قبل أكثر من 5000 سنة، حيث رسم المصريون القدماء على مقابرهم فى سقارة كتاتيب ومدارس تتعلم فيها بنات صغيرات، وبلغت المرأة مكانة عظيمة بدليل أنه فى الأسرة الأولى من حوالى 5000 سنة كانت «مريت نيت» أول ملكة فى التاريخ والإنسانية تحكم دولة بحجم مصر حكما منفرداً.






