الأربعاء 5 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فى حضرة الحضارة

فى حضرة الحضارة

منتصب القامة يقف الملك رمسيس الثانى مستقبلًا زوار المتحف المصرى الكبير، ذلك الصرح الشامخ الذى شيده الأحفاد ليستقر به الأجداد ملوك مصر وحكماؤها، وما تركوه من آثار خالدة على مرمى البصر من العظماء خوفو وخفرع ومنقرع.



 

فى بهو الهرم الرابع يقف الملك رمسيس الثانى شامخًا يشع مهابة وعظمة، وعلى الدرج العظيم، يصطف ملوك مصر القديمة، فلا يملك الصاعد إلا الصمت انبهارًا وتأملًا وإجلالًا.

 

حقًا إن المتحف المصرى الكبير الذى يفتتحه رسميًا الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد غدٍ السبت وسط اهتمام وحضور عالمي، بمثابة هرم رابع شيده الأحفاد، ليكون نافذة واسعة للعالم على حضارة مصر القديمة، وشهادة عملية على تواصل جينات الحضارة والبناء من الأجداد إلى الأحفاد.

 

فالمتحف أحد أهم المشروعات القومية العملاقة التى تحمل شهادة ميلاد الجمهورية الجديدة، وبيانًا عمليًّا على تكامل البناء فى الدولة المصرية، فقد وضع حجر أساس المتحف الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك فى فبراير 2002، وتعثر البناء مع أحداث 2011، وما تلاها حتى أعاد الرئيس عبدالفتاح السيسى العمل فى تشييد المتحف عام 2014، وما شهد محيطه من تطوير شامل، ليعظم قدرة مصر الحضارية، ومقاصدها السياحية، ويقدم هدية للإنسانية.

 

فى هذا العدد نحتفى بالافتتاح الرسمى للمتحف الكبير بملف خاص، يعكس عظمة الحضارة المصرية، التى أشرقت شمسها فأضاءت ظلام الإنسانية، فهو ليس مجرد متحف يحوى آثارًا من الحضارة المصرية القديمة، بل نافذة مصرية يطل منها العالم على مهد الإنسانية، وما قدمه المصرى القديم من إبداع فى مختلف المجالات، وأكاديمية للحاضر توطن علم المصريات تتيح الدراسة لطلاب من مختلف أنحاء العالم، وبه معامل ترميم للحفاظ على كنوزنا الحضارية، وعامل معزز لقدرة مصر الشاملة الحضارية والاقتصادية عبر مقاصدها السياحية.

 

الحضارة المصرية القديمة، وما أدراك ما الحضارة المصرية القديمة؟

 

 هى مهد حضارة الإنسانية، التى أشرقت شمسها فأضاءت ظلمات الكون، بها نشأت العلوم والفنون والآداب والحكمة والقيم الأخلاقية والقانون والعدالة وحقوق الإنسان، وقبل كل ذلك توحيد خالق الأكوان.

 

هذا المتحف الأكبر عالميًّا، بين المتاحف المختصة بحضارة واحدة، تمتد مساحته لأكثر من 500 ألف متر، يستوعب مائة ألف قطعة أثرية فى عرض متحفى مبهر، يحتضن عبق التاريخ مستخدمًا أحدث تكنولوجيا العصر للعرض وخدمة الزوار وإدارة ذلك الصرح العظيم.

 

فقط عليك أن تمعن فى كل تفصيلة، لتدرك كيف يحتفى الأحفاد بالأجداد، ويدرك العالم قيمة الهدية التى تقدمها مصر للإنسانية، ولتدرك أيضًا أن مصر مهد كل شيء، بما فيها الكثير مما يعتقد البعض أنها مكتشفات العصر الحديث.

 

إليك بعض الأمثلة.. مصر مهد القانون والعدالة، ومواثيق حقوق الإنسان، بل وحماية البيئة.. من الحفاظ على نظافة المياه فى النيل إلى الرحمة والرأفة بالحيوان، مصر عرفت التوحيد، وأدرك المصرى القديم أن الكون له خالق، وأن الإنسان فى رحلة وما الموت إلا محطة يعقبها بعث وحساب وعقاب وثواب.

 

فى المتحف المصرى الكبير تجد المصرى عاشقًا للحياة، وتنبهر عندما تجد أنه من ابتكر «الباروكة»، و«سرير الماساج»، وتجد المرأة المصرية تستخدم أدوات الماكياج، وترى عبقرية صناع الحلى الذهبية وغيرها من الأحجار الكريمة والأثاث المنزلى ودفء الأسرة، وأدوات الموسيقى والفن.

 

من الهندسة التى شيدت معجزة الأهرامات إلى الأثاث المنزلى الإبداعي، إلى الرأفة بالحيوان، والحكمة، وتحصيل العلم والأعمال الأدبية الخالدة على ورق البردى والألواح الخشبية والحجرية. 

 

فها هو الحكيم «سُنب حتب» يقول: «تعلم كيف تحرك أصابعك القلم، وكيف يحرك عقلك أصابعك، فلا يخط قلمك إلا الحكمة والمعرفة وما ينفع الناس..».

 

حكم وعبارات تصلح أن تكون مواثيق شرف صحفية وإعلامية، وهكذا فى كل المجالات من الحفاظ على نظافة مياه النيل إلى حقوق ذوى القدرات الخاصة، إلى القيم الأسرية.

 

أبهر المصرى القديم العالم بعلم الكيمياء، فلا تزال الألوان مبهرة زاهية على جدران المعابد، ولا تزال المومياوات تحير العالم الباحث عن أسرار التحنيط.

 

لقد انبهر علماء الطب عندما اكتشفوا مومياء أجريت لها عملية زرع أسنان ذهبية، وعندما عُثر على مومياء أجريت لها عملية جراحية لتركيب مسمار فى العظام، بتقنية لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا قبل عشرات السنين.

 

المتحف المصرى الكبير، وما يحظى به من اهتمام عالمي، تعظيم لقدرة مصر الحضارية، واستثمار أمثل للعمق الحضارى المصرى أحد أهم مقومات القدرة الشاملة للدولة.

 

مكونات تلك القدرة الشاملة متداخلة متكاملة، فالحضور المصرى الحضارى عالميًّا يعزز من الصورة الذهنية الإيجابية عن الدولة المصرية، المصرى البناء القديم الذى عمّر الأرض بأخلاق وحكمة وبناء وعلم، يواصل أحفاده اليوم بناء الجمهورية الجديدة من عاصمة إدارية إلى استصلاح الصحراء وزراعة الدلتا الجديدة، إلى تنويع مصادر الطاقة، والارتقاء بالجامعات لتلاحق تطورات العلم.

 

الأحفاد يوطنون علم المصريات، ويقدمون للأجيال المتعاقبة ما يطلعهم على حضارة أجدادهم وقيمها الأخلاقية الرفيعة.. يسيرون فى بناء القوة على خطى الأجداد من القدرة العسكرية الرادعة، التى تفرض السلام إلى البناء والعمران وتعزيز منظومة القيم الأخلاقية.

 

كل ذلك يعزز من قدرات مصر وتأثيرها الإقليمى والدولي، بل ويعزز القدرات الاقتصادية بما تعكسه من تنامى الفرص الاستثمارية، وتنمية موارد قطاع السياحة المصرية.. وينعش المحيط المجتمعى للمقاصد السياحية والدخل القومى الذى ينعكس إيجابًا على موازنة الدولة والخدمات المقدمة للمواطنين.

 

كل التحية والتهنئة للرئيس عبدالفتاح السيسي، قائد مسيرة تعظيم القدرة الشاملة المصرية، على هذا الإنجاز التاريخى الذى يمثل قيمة كبيرة مُضافة لقدرات مصر الحضارية، ليضاف لقائمة نجاحات كبيرة من مضاعفة الرقعة العمرانية والزراعية والنجاح الكبير فى إحباط مخطط التهجير وحماية القضية الفلسطينية ومحددات الأمن القومى المصري.

 

بعد أيام من إنجاز مؤتمر مصر للسلام الذى كان محط أنظار العالم، وفوز مصر برئاسة اليونسكو والحفاوة الأوروبية بالرئيس المصري، تستضيف مصر من جديد قادة العالم للمشاركة فى افتتاح المتحف المصرى الكبير. محط أنظار العالم واهتمام وسائل إعلام عالمية.. أدام الله إنجازات وانتصارات مصر.

 

وقبل أن أترككم للاستمتاع بصفحات هذا العدد الخاص، وما يحويه من إبداع المصرى القديم، أحيى الزملاء الأعزاء المشاركين فى إعداده، وأخص بالذكر من تحملوا العبء الأكبر، الزملاء الأعزاء محمد عطية المدير الفني، دائم الإبداع، وعلاء الدين ظاهر خبير ملف الآثار المصرية، وياسر مشالى مدير الديسك المركزى صاحب البصمات القيمة، وفارس رجب مدير قسم التدقيق المتفانى فى عمله.

 

حفظ الله مصر