مصر تبنى مستقبلًا جديدًا للفلسطينيين
نورالدين أبوشقرة
تتجه أنظار العالم نحو مصر فى لحظة حاسمة ومصيرية بشأن استضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة، الذى من المقرر أن يُعقد فى منتصف نوفمبر الجاري، وذلك فى ظل تحديات كبيرة، من أهمها إصرار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، على عرقلة الجهود المصرية لمساندة الأشقاء أو بدء تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة، خاصة أن حركة حماس أبدت تعاونًا كبيرًا فى تنفيذ بنود خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
ونجحت الجهود والتحركات المصرية، فى وضع خطة طموحة ومتكاملة لإعادة إعمار القطاع تمتد على مدار 5 سنوات، وتتضمن 3 مراحل رئيسية تهدف إلى تحويل غزة من منطقة منكوبة إلى نموذج للتنمية المستدامة فى الشرق الأوسط، إذ تتمثل المرحلة الأولى فى التعافى السريع خلال 6 أشهر بدعم 3 مليارات دولار، والثانية: تتضمن تقديم 20 مليار دولار لإعادة البناء، والثالثة: التنمية المستدامة حتى 2030 بقيمة 30 مليار دولار.
يقول الدكتور جمال نزال، المتحدث باسم حركة فتح: إن إزالة ما يقارب من 70 مليون طن من الركام من الشوارع والمبانى المهدمة يتطلب جهدًا ومعداتٍ ضخمة، حيث تشمل المرحلة الأولى إنشاء 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة تستوعب أكثر من 360 ألف شخص، وترميم 60 ألف منزل متضرر جزئيًا، وتتضمن ذات المرحلة إقامة 7 مراكز إيواء كبرى للنازحين فى مناطق آمنة داخل القطاع.
«نزال» يؤكد أنه بمجرد الانطلاق فى إعادة البناء والإعمار ستكون البداية ببناء مساكن دائمة جديدة ومجمعات خدمية بتكلفة 20 مليار دولار، مع تطوير شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وإنشاء مدارس ومستشفيات حديثة ومراكز تدريب مهنى للشباب، واستصلاح آلاف الأفدنة من الأراضى الزراعية لدعم الاكتفاء الذاتى الغذائي، وهذا ما ستتضمنه المرحلة الثانية من الخطة الطموحة التى تقدمها الدولة المصرية.
وحول المرحلة الثالثة، يوضح أنها تتضمن التنمية المستدامة حتى 2030 بقيمة 30 مليار دولار، عبر إنشاء منطقة صناعية كبرى وميناء تجارى بحرى جديد، وتطوير ميناء صيد ومطار مدنى لتسهيل الحركة التجارية، وإطلاق مشروعات طاقة شمسية وزراعات حديثة لخلق فرص عمل طويلة الأمد.
وفيما يخص المؤتمر المرتقب، يؤكد أن انعقاده فى موعده سيشكل نقطة تحول كبرى، ليس فقط لإعمار غزة، بل لإعادة رسم خريطة الاستقرار فى المنطقة، مشيدًا بالدور المصرى وأهمية المؤتمر، خاصة أنه يحمل خطة طموحة لإنقاذ قطاع مدمر بالكامل، بل يعتبر مشروعًا إنسانيًا وسياسيًا متكاملًا لإعادة بناء غزة من الصفر.
ويتابع: مصر أثبتت أنها القلب النابض لقضايا المنطقة، وأن إعادة إعمار غزة ليست مجرد مشروع هندسي، بل رسالة حياة وصمود فى وجه الدمار والتهجير، منوهًا إلى أن الفلسطينيين يأملون أن يكون مؤتمر إعادة إعمار غزة بوابة الأمل الكبرى لبداية جديدة لشعب أنهكته الحرب والدمار الهائل الذى لحق بقطاع غزة.
وعن الدور المصري، يشدد نزال على أن مصر كقوة إقليمية تضطلع بمسئوليتها التاريخية والقومية تجاه القضية الفلسطينية، بل تسعى لتكون القوة المؤثرة والطرف الأقوى لضمان حياة عادلة للشعب الفلسطيني، وتسعى جاهدةً لنصرة الأشقاء فى قطاع غزة المحاصر، عبر جهود دبلوماسية ولوجستية مكثفة تستهدف عقد مؤتمر دولى لإعادة الإعمار، فضلًا عن سعيها لاستكمال دورها الرائد فى وساطة وقف إطلاق النار، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.
أما، أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية، فيقول: إن قرار مصر باستضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة يرتكز على عدة أبعاد استراتيجية، فالموقع الجغرافى لمصر كبوابة رئيسية لدخول المساعدات ومواد البناء إلى غزة عبر معبر رفح يجعلها الشريك اللوجستى الأهم فى أى عملية إعمار، كما أن الثقل السياسى والدبلوماسى المصرى يتيح لها حشد الدعمين الدولى والعربى اللازم لتمويل عملية الإعمار الضخمة، التى تُقدّر تكلفتها بعشرات المليارات من الدولارات.
أيضًا، يؤكد السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة، ومساعد وزير الخارجية الأسبق، فى تصريحاته لـ«روزاليوسف»، أن مصر تخطط لجلب عدد من الشركات العالمية والمكاتب الاستشارية المتخصصة فى البناء والتخطيط الحضرى لإنجاز مشروعات الإعمار بدعم عربى وأوروبي، منوهًا إلى أن التنسيق المصرى سيشمل مختلف الأطراف، من الأمم المتحدة والبنك الدولى لتقييم الخسائر وتحديد الاحتياجات، إلى جانب الدول العربية والأوروبية لحشد التمويل اللازم، مع تأكيد ضرورة التنسيق مع القيادة الفلسطينية لضمان ملكيتها للقرار وتنفيذه.
ويرى “رخا” أن الطريق ليس سهلًا، حيث تواجه مصر تحديات كثيرة، أبرزها الحاجة إلى ضمانات دولية حقيقية لعدم تكرار التدمير مستقبلًا، والمتمثل فى التوصل إلى سلام دائم ومستدام قائم على حل الدولتين، ناهيك عن أن مسألة دخول مواد البناء والآليات عبر المعابر تظل مرهونة بالتنسيق والضمانات الأمنية، وهى نقطة حساسة.










