الأربعاء 5 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
القمح.. ذهب الحقول ودرع الأمن الغذائى لمصر

القمح.. ذهب الحقول ودرع الأمن الغذائى لمصر

مع بداية شهر نوفمبر، الذى يوافق فى التقويم القبطى شهر «هاتور»، تبدأ حقول مصر فى استقبال موسم زراعة القمح، المحصول الذى يمثل الركيزة الأساسية للأمن الغذائى و«درع الأمان الاقتصادى» للدولة المصرية.



القمح ليس مجرد محصول، بل قضية استراتيجية تتعلق بالسيادة الغذائية والاكتفاء الذاتى، خاصة فى ظل المتغيرات العالمية التى أثرت على سلاسل الإمداد وأسعار الغذاء.

القمح.. ركيزة المائدة المصرية

يبلغ متوسط استهلاك الفرد المصرى نحو 150 كيلوجرامًا من القمح سنويًا، ليصل إجمالى الاستهلاك المحلى إلى 19 مليون طن. ولسنوات طويلة، كانت مصر تستورد قرابة 12 مليون طن سنويًا لتغطية الفجوة الغذائية، إلا أن التوجهات الاستراتيجية الأخيرة ركزت على زيادة الإنتاج المحلى وتقليل الاستيراد.

وتأتى هذه الجهود تنفيذًا لتوجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى جعل من تحقيق الاكتفاء الذاتى فى القمح أولوية وطنية ضمن خطة الدولة لتعزيز الأمن الغذائى.

رؤية مصر 2030.. نحو %70 اكتفاءً ذاتيًا

تستهدف الدولة الوصول إلى %70 اكتفاء ذاتيا بحلول عام 2030 عبر ثلاثة محاور رئيسية:

أولًا: التوسع الأفقى

زيادة المساحات المنزرعة بالقمح إلى 3.5 مليون فدان هذا الموسم، بزيادة تتجاوز 250 ألف فدان عن العام الماضى، من خلال المشروعات القومية الكبرى مثل مستقبل مصر، الدلتا الجديدة، توشكى، وسيناء، والتى أضافت مساحات جديدة للزراعة فى بيئات صحراوية واعدة.

ثانيًا: التوسع الرأسى

رفع إنتاجية الفدان عبر استخدام الأصناف عالية الجودة وتطبيق نظم الزراعة الحديثة مثل الزراعة على المصاطب التى توفر %25 من مياه الرى وتزيد الإنتاج بنسبة لا تقل عن %15، إلى جانب تطبيق تقنيات الزراعة الدقيقة المعتمدة على بيانات المناخ والاستشعار عن بعد.

ثالثًا: دعم المزارع

خصصت الدولة حزمة حوافز للمزارعين شملت رفع سعر توريد القمح إلى 2350 جنيهًا للأردب كحد أدنى، وتوفير التقاوى المنتقاة عالية الإنتاجية، وتسهيلات تمويلية بفوائد منخفضة، إلى جانب دعم الإرشاد الزراعى والتسويق عبر الجمعيات الزراعية.

أصناف جديدة لمواجهة التغيرات المناخية

استنبط مركز البحوث الزراعية مجموعة من الأصناف الجديدة المتحملة للحرارة والجفاف، وذات إنتاجية مرتفعة وجودة عالية فى الطحن والخبز.

ومن أبرز الأصناف الموصى بها:

الوجه البحري: مصر 3، سخا 95، سخا 97، جيزة 171، وسدس 15.

مصر الوسطى: بنى سويف 5، مصر 4، وسخا 97.

مصر العليا: جميزة 11، سدس 12، وسوهاج 5.

الأراضى الجديدة: مصر 1، جيزة 171، سخا 97، وسوهاج 5.

ويُعد سخا 96 من الأصناف المبكرة النضج والمناسبة للزراعة بعد محاصيل الخضر وقصب السكر، مما يسهم فى ترشيد المياه وتعظيم العائد.

توصيات الموسم الجديد

حددت وزارة الزراعة مجموعة من الإرشادات لنجاح موسم القمح:

-1  الالتزام بمواعيد الزراعة المثلى خلال شهر نوفمبر.

 -2  استخدام التقاوى المعتمدة من الجمعيات الزراعية فقط.

-3  التوسع فى الزراعة على المصاطب لتوفير المياه وتحسين الإنتاج.

-4  تفعيل دور الجمعيات التعاونية فى الإرشاد والتسويق.

-5  الاستفادة من خدمات الإرشاد الرقمى عبر الهاتف المحمول والقوافل الزراعية.

الزراعة الذكية والإرشاد الرقمى

أطلقت وزارة الزراعة منصة الإرشاد الرقمى التى تقدم توصيات فنية أسبوعية للمزارعين تشمل فيديوهات تعليمية وإرشادات خاصة بكل محصول.

كما بدأ تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعى والاستشعار عن بعد لمتابعة المحاصيل وتحليل بيانات الطقس والتربة لتوجيه الرى والتسميد فى الأوقات المناسبة، وهو ما يمثل نقلة نوعية فى إدارة الزراعة المصرية علميًا ورقميًا.

الصوامع الحديثة.. أمان للذهب الأصفر

بفضل مشروع الصوامع القومية الذى أطلقه الرئيس السيسى، انخفض الفاقد فى التخزين من %10 إلى أقل من %2.

تم إنشاء أكثر من 75 صومعة حديثة بسعة تتجاوز 3.5 مليون طن، مزودة بأنظمة تهوية ورصد إلكترونى متطورة، ما ضمن الحفاظ على جودة القمح وتقليل الهدر وتحسين إدارة المخزون الاستراتيجى.

موسم 2025.. أرقام مبشرة

بلغت المساحة المنزرعة بالموسم الماضى 3.25 مليون فدان بإنتاج 9.43 مليون طن، ومتوسط إنتاجية 19.3 أردب للفدان.

ويتوقع خلال موسم 2025/2026 أن تصل المساحة إلى 3.5 مليون فدان بإجمالى إنتاج 10.5 مليون طن، لترتفع نسبة الاكتفاء الذاتى إلى %65 مقابل %55 قبل خمس سنوات، مع انخفاض الواردات بنسبة %31.

التحديات والإرادة

رغم التقدم المحرز، تبقى التحديات قائمة، ومنها:

محدودية المياه. وتفتت الحيازات الزراعية. وتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة.

بالإضافة إلى عزوف بعض المزارعين نحو محاصيل نقدية أخرى.

وللتعامل مع هذه التحديات، تواصل الدولة دعم البحوث التطبيقية لتحسين الأصناف، وتوسيع نظم الرى الحديث، وتطبيق الزراعة التعاقدية التى تضمن سعراً عادلاً واستقرارًا فى السوق.

ختامًا: 

نحو سيادة غذائية مستدامة

تحولت زراعة القمح فى الجمهورية الجديدة إلى مشروع قومى للأمن الغذائى، يرتكز على العلم والتكنولوجيا والإدارة المتكاملة للموارد.

ومع استمرار التوسع فى المشروعات الزراعية الكبرى وتبنى تقنيات الزراعة الذكية، تمضى مصر بخطى واثقة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى وتعزيز سيادتها الغذائية، ليبقى القمح بحق «ذهب الحقول ودرع الأمن الغذائى للوطن».