الجمعة 28 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«الزراعة تستعيد قوتها»... كيف غيّرت مشروعات الجمهورية الجديدة خريطة الإنتاج وأسعار الغذاء فى مصر؟

«الزراعة تستعيد قوتها»... كيف غيّرت مشروعات الجمهورية الجديدة خريطة الإنتاج وأسعار الغذاء فى مصر؟

على مدى السنوات العشر الأخيرة، شهد القطاع الزراعى فى مصر نهضة واسعة أعادت تشكيل خريطة الإنتاج ووسّعت الرقعة المزروعة ورفعت قدرة الدولة على تحقيق أمنها الغذائي. وفى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أصبحت الزراعة محوراً رئيسياً من محاور التنمية الشاملة، ليس فقط لكونها قطاعاً إنتاجياً حيوياً، بل لأنها ركيزة مباشرة للاستقرار الاقتصادى والاجتماعى وضمان حياة كريمة للمواطنين.



مشروعات عملاقة.. انتقال من الزراعة التقليدية إلى إنتاج تكنولوجى متكامل

تنفذ الدولة المصرية حالياً أكبر خطة استصلاح فى تاريخها الحديث، تستهدف إضافة 4.5 مليون فدان بحلول 2027، عبر مشروعات قومية ممتدة فى مختلف المحافظات لضمان توزيع متوازن لثمار التنمية. ويأتى على رأسها مشروع الدلتا الجديدة، الذى يستهدف استصلاح 2.2 مليون فدان، ويضم داخله «مشروع مستقبل مصر» كقاطرة رئيسية لزيادة الإنتاج. وفى الجنوب، يشكّل مشروع توشكى نقلة نوعية لأبناء الصعيد بمساحة تصل إلى 1.1 مليون فدان، بينما تتقدم أعمال التنمية الزراعية فى شمال ووسط سيناء لاستصلاح نحو 450 ألف فدان. كما تمتد مشروعات الاستصلاح إلى غرب المنيا وبنى سويف ودرب الأربعين ومناطق متفرقة من الصحراء الغربية والشرقية.

ولا تقتصر أهمية هذه المشروعات على المساحة فقط، بل على تكاملها البنيوى والتقني. فهى تقوم على مزيج من مصادر الرى بين مياه النيل ومحطات المعالجة، بالإضافة إلى آبار مياه عميقة، ومحطات كهرباء، وشبكات طرق واسعة، ومحطات فرز وتعبئة، ومصانع زيوت وخضار مجمد، إلى جانب نظم زراعة رقمية وطاقة شمسية. وبهذه المقومات تحولت المشروعات الزراعية الجديدة إلى منظومات إنتاج متكاملة تقلل الفاقد وتخفض التكلفة وترفع جودة المحاصيل.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن السنوات الأخيرة شهدت إضافة مساحات واسعة بالفعل إلى الرقعة الزراعية، بالتوازى مع تحديث نظم الرى وتطوير البنية التحتية الزراعية. وقد انعكس هذا الجهد فى زيادة الإنتاج المحلى لمحاصيل استراتيجية، وتراجع تدريجى فى فجوات الاستيراد، وهو ما ساعد فى تحسين استقرار أسعار السلع الأساسية رغم الظروف العالمية الضاغطة.

زيادة الإنتاج.. وارتفاع قدرة الدولة على مواجهة تقلبات الأسعار

المشروعات الزراعية الجديدة أسهمت بشكل مباشر فى رفع معدلات الإنتاج لمحاصيل محورية، أبرزها:

القمح: إضافة بين 2 و2.5 مليون طن سنوياً من الأراضى الجديدة، ما رفع الاكتفاء الذاتى إلى 55–60% مقارنة بـ45% سابقاً.

الذرة الصفراء: زيادة الإنتاج بنحو مليون طن، الأمر الذى خفّض واردات الأعلاف بنسبة تتراوح بين 12 و15% فى 2024.

ارتفاع قيمة الصادرات الزراعية إلى 8٫2 مليون طن حتى نوفمبر ٢٠٢٥ مقارنة بـ 8٫6 مليون طن عام ٢٠٢٤ بزيادة قدرها ٦٥٠ ألف طن عن نفس الفترة من الحمضيات والبطاطس والخضر والنباتات الطبية والعطرية والتمور..الخ. 

الزيوت والبنجر: توسع فى زراعة الحبوب الزيتية والبنجر لتقليص فجوة الاستهلاك المحلى.

هذه الزيادات انعكست مباشرة على السوق، حيث ساهم ارتفاع المعروض المحلى فى تخفيف الضغط على الأسعار وتقليل حدة التقلبات التى شهدتها الأسواق العالمية. ومع دخول مساحات إضافية مرحلة الإنتاج فى 2025، بدأت السوق المصرية تشهد تحسناً تدريجياً بفضل ربط حركة الأسعار بمنتج محلى مستقر، وليس بواردات تتأثر بتذبذب العملة وسلاسل الإمداد الدولية.

كيف انعكس ذلك على المواطن؟

يمكن تلخيص التأثير المباشر على المواطن فى ثلاثة محاور رئيسية:

-1 استقرار نسبى لأسعار الخضر والفاكهة خلال مواسم الإنتاج، نتيجة زيادة المعروض وتقليل تكلفة النقل من مناطق الإنتاج الجديدة.

-2 كبح الارتفاع الكبير فى تكلفة الأعلاف بعد زيادة إنتاج الذرة الصفراء، وهو ما دعم استقرار أسعار اللحوم والدواجن.

-3 خفض فاتورة الاستيراد من الحبوب والزيوت، بما قلل الضغط على احتياطيات العملة الأجنبية وخفف حدة التضخم المستورد.

ورغم أن الأسعار لم تنخفض جذرياً فى جميع السلع، فإن الواضح أن زيادة الإنتاج المحلى لعبت دوراً أساسياً فى منع القفزات السعرية الكبيرة التى شهدتها دول عديدة خلال فترات الاضطرابات العالمية.

فرص عمل واقتصاد زراعى جديد بالكامل

لم تخلق هذه المشروعات إنتاجاً زراعياً فقط، بل أسست اقتصاداً متكاملاً حول الزراعة والتصنيع واللوجستيات. فقد وفرت مشروعات الدلتا الجديدة ومشروع مستقبل مصر أكثر من 200 ألف فرصة عمل مباشرة ونحو 300 ألف فرصة غير مباشرة، إلى جانب تدريب جيل جديد من الشباب على الميكنة الحديثة والزراعة الرقمية ونظم الرى المتقدمة. وبذلك تحولت الزراعة إلى قطاع قادر على خلق وظائف نوعية وليس مجرد عمالة تقليدية.

كيف نبنى على هذا النجاح؟

حتى تعظم مصر الاستفادة من هذه الطفرة وتسهم فى خفض الأسعار بشكل أكبر، فإن المرحلة المقبلة تتطلب العمل على أربعة مسارات رئيسية:

-1 استكمال البنية المائية فى مشروعات الاستصلاح، خاصة محطات المعالجة وخطوط نقل المياه.

-2 التوسع فى الزراعات التعاقدية يضمن استقرار أسعار المحاصيل وتحقيق توازن عادل بين المزارع والمستهلك.

-3 تعزيز التصنيع الزراعى لرفع القيمة المضافة وتقليل الاعتماد على بيع المحاصيل بصورتها الخام.

-4 تطوير سلاسل التوريد والتخزين المبرد للحد من الفاقد الذى يصل فى بعض المحاصيل إلى 20–30%.

ختامًا

خلال عقد واحد فقط، استطاعت مصر تنفيذ أكبر توسع زراعى فى تاريخها المعاصر، ما عزز الأمن الغذائى وقلل الاعتماد على الاستيراد وأسهم فى تحسين استقرار الأسعار. ومع استمرار العمل فى مشروعات الدلتا الجديدة وتوشكى وشمال سيناء وبقية مشروعات الجمهورية الجديدة، تمضى مصر بثبات نحو بناء اقتصاد زراعى حديث قادر على تلبية احتياجات المواطنين وتعزيز القدرات التصديرية لسنوات طويلة قادمة.