السودان.. مجازر وحرب إبادة جماعية
أمانى عزام
استيقظت مدينة «كلوقى» بولاية جنوب كردفان على فاجعة جديدة بعدما قصفت طائرة مسيِّرة تابعة لقوات الدعم السريع وحركة مسلحة متحالفة معها روضة أطفال ومستشفى، فى حادثة وصفتها الحكومة السودانية بأنها جريمة حرب مكتملة الأركان، امتزج فيها صراخ الأطفال برائحة الدخان وهرولة الأهالى بحثًا عن نجاة مستحيلة تحت القصف، خاصة أن السلطات كشفت عن ارتفاع حصيلة القصف إلى 114 ضحية، بينهم 63 طفلًا، إضافة إلى 71 جريحًا، فى واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ اندلاع الحرب فى أبريل 2023.
وتعليقًا على هذه الحادثة، أكد كامل إدريس، رئيس الوزراء السودانى، أن ما حدث يمثل عملًا بربريًا متوحشًا، مشددًا على أن استهداف الروضة والمستشفى يرقى إلى جريمة حرب متكاملة، وأن ميليشيات الدعم السريع استوفت كل قواعد تصنيفها كتنظيم إرهابى يستهدف المدنيين حتى لو كانوا فى عُمر أطفال الروضة، مطالبًا المنظمات الدولية والحقوقية بإدانة الحادثة البشعة وغير المسبوقة، متعهدًا بتقديم كل الدعم لأهالى الضحايا ولولاية جنوب كردفان فى مواجهة هذا الاعتداء.
«دعوة لحماية المدنيين»
وفى ظل الهلع الذى ضرب المنطقة، يواصل آلاف المدنيين النزوح من ولايات إقليم كردفان الثلاث هربًا من المعارك الضارية التى لا تهدأ بين الجيش السودانى والدعم السريع، وسط تدهور إنسانى متسارع ونقص حاد فى الخدمات الأساسية.
على الفور، طالبت مفوضية الاتحاد الإفريقى بضمان حماية المدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، مع الدعوة إلى وقف فورى لإطلاق النار، ما يعكس إدراكًا إقليميًا بأن الأوضاع فى السودان تنزلق نحو كارثة ممتدة تهدد استقرار الإقليم بأكمله.
«مصر ترفض تقسيم السودان»
وتؤكد الدولة المصرية موقفها الثابت، إذ شدد الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية والهجرة، على أن مصر لن تقبل تحت أى مبرر بتقسيم السودان، مؤكدًا ضرورة الحفاظ على وحدة البلد وسلامة أراضيه ومؤسساته، وضرورة الدفع نحو ملاذات آمنة غير خاضعة للميليشيات، وفتح ممرات إنسانية، ثم إطلاق عملية سياسية لا تقصى أحدًا وتكون بملكية سودانية خالصة، ناهيك عن أن مصر تسعى أيضًا بجدية لدعم أى مسار يحافظ على مؤسسات الدولة السودانية ولحماية الشعب من جرائم الحرب والانتهاكات الواسعة.
وفى خضم انتهاكات الدعم السريع المتكررة توقع خبراء سودانيون خلال حديثهم لـ«روزاليوسف» فشل أى محاولات تهدئة أو وساطة لا تحترم خارطة الطريق السودانية ولا تلتزم بإنهاء وجود الميليشيات فى المناطق المدنية والعسكرية.
«الشراكة أمر مستحيل»
ويرى عبدالله محمد على بلال، الصحفى والمحلل السياسى السودانى، ونائب رئيس اتحاد الإعلاميين الأفارقة، أن السودانيين لا يرفضون السلام، بل رفضوا مساواة المؤسسة الدستورية بالميليشيا التى ترتكب جرائم واسعة بحق المدنيين، مؤكدًا رفضهم أى دور خارجى للوساطة أو وجود مستقبلى لقوات الدعم السريع سياسيًا أو عسكريًا، بل إن الحديث عن شراكة معها بعد ما ارتكبته من تهجير ونهب وقتل أمر مستحيل.
ويتفق معه أبوالقاسم الزبير، الباحث والمحلل السياسى السودانى، الذى يؤكد أن استمرار الجيش السودانى فى القتال ضد قوات الدعم السريع حق تكفله القوانين لمواجهة التمرد والعدوان الخارجى، مشددًا على أن الجيش يقوم بدوره الطبيعى والدستورى لحماية الدولة والمواطن السودانى، وأنه لا مجال لطرح أى خيار سياسى يعيد الميليشيا أو داعميها إلى المشهد، لأن الجرائم والانتهاكات التى ارتكبتها تجعل الحديث عن شراكة مستحيلة وغير مقبولة شعبيًا ولا رسميًا.
ويشدد عادل عبدالعاطى، المحلل السياسى، على أن أى طرح تفاوضى لا يلتزم بالاتفاقات السابقة يعنى عمليًا استحالة تنفيذ أى اتفاقات مستقبلية، مشيرًا إلى أن طلب وقف إطلاق النار لم يكن واقعيًا لأنه يتجاهل الشرط الأساسى وهو ضرورة انسحاب الدعم السريع من المناطق المدنية، مؤكدًا أن الجيش السودانى يدافع عن سلام حقيقى لا يكافئ التمرد، ويمهد لتسوية سياسية تحترم إرادة السودانيين وتحفظ وحدة البلاد وجيشها الوطنى.









