التوعية بالإبداع
آية مجدى
للفن لغة لا تحتاج إلى ترجمة، تتجاوز الحواجز الثقافية واللغوية، مما يجعل الرسالة التى يقدمها أكثر رسوخًا فى أذهان المواطنين، ناهيك عن كونه أحد أهم أدوات القوة الناعمة للدولة المصرية لتشكيل الوعى وبناء الإدراك الجمعى، وتشكيل «حائط صد» ضد حروب «الجيل الرابع» وما بعدها القائمة فى الأساس على استهداف المجتمعات عبر الأخبار المغلوطة والشائعات
كما يبرز دور الفن كأحد أهم الوسائل القادرة على الرد غير المباشر على المعلومات المضللة، من خلال تقديم محتوى واعٍ يعكس الواقع ويصحح المفاهيم، دون وعظ أو خطاب مباشر.
وفى هذا التقرير، يتحدث عدد من صُنّاع الفن عن كيفية توظيف الفن فى تعزيز الوعى والتصدى للشائعات، مؤكدين أن العمل الفنى الصادق يمتلك تأثيرًا أعمق من أى مواجهة مباشرة، لما له من قدرة على الوصول إلى وجدان الجمهور.
بداية، يقول الناقد السينمائى محمود قاسم: إن مواجهة الأخبار الكاذبة والشائعات تحتاج إلى وعى ثقافى، لأن الكثير من الجمهور يقع فريسة للجهل أو يتعامل مع المعلومات المغلوطة على أنها حقيقة لمجرد أنها رائجة على وسائل التواصل الاجتماعى، موضحًا أن الفن يمكن أن يكون أداة فعالة للتربية والتثقيف، من خلال تقديم محتوى يعزز الفهم الصحيح ويقوى وعى المجتمع، بدلًا من الانجرار وراء السطحية والتريند.
وتابع: «هناك أعمال فنية قدمت فى السنوات الأخيرة لعبت دورًا فى بناء الوعى، أبرزها مسلسل «الحشاشين»، الذى عرض فترة تاريخية مهمة ولاقى اهتمامًا عالميًا، حيث نجح مؤلفه عبدالرحيم كمال فى تقديم الأحداث بشكل دقيق وواعٍ، مما يعكس قدرة الفن على توصيل المعرفة التاريخية والاجتماعية للمشاهدين بطريقة جذابة ومسئولة».
بينما يرى الفنان أحمد شاكر، أن للفن دورًا محوريًا فى بناء الوعى المجتمعى وتشكيل الانتماء فى وجدان الجمهور، مؤكدًا أن الأعمال الفنية القادرة على تقديم محتوى واعٍ ومسئول تُسهم بشكل مباشر فى مواجهة الأفكار المغلوطة والشائعات التى تنتشر فى المجتمع، موضحًا أن الفن، بوصفه قوة ناعمة، لا يقتصر دوره على الترفيه فقط، بل يمتد إلى توعية الجمهور وتصحيح المفاهيم، خاصة عندما يتناول قضايا حقيقية بأسلوب درامى صادق، وهناك أعمال إيجابية نجحت فى تعريف الناس بفترات وأحداث مهمة من تاريخ مصر أبرزها مسلسل «الاختيار»، حيث قدّمت معلومات موثوقة ساهمت فى رفع وعى المشاهد.
وأضاف شاكر: «أرى أن توجيهات الدولة لتصحيح مسار الدراما تُعد خطوة مهمة لإعادة الاعتبار لدور الفن فى بناء الوعى العام، خاصة أن التركيز على إنتاج أعمال تحمل رسالة واضحة وقيمًا حقيقية يساعد فى مواجهة الشائعات، ويعكس صورة إيجابية للمجتمع، لا سيما مع الانتشار الواسع للمعلومات غير الدقيقة على مواقع التواصل الاجتماعى».
بينما أشار المؤلف محمد ناير إلى أن الفن المصرى شهد تطورًا ملحوظًا فى السنوات الأخيرة، مع وجود رغبة حقيقية لدى صُنّاع الدراما فى البحث عن الهوية المصرية وتقديم محتوى أصيل، بعيدًا عن الأعمال المستنسخة أو المستوردة، مؤكدًا أن هذا الاتجاه يسهم فى تعزيز وعى الجمهور وتقديم سرديات أكثر صدقًا وواقعية.
وأوضح «ناير»، أن الاعتماد على قصص نابعة من المجتمع المصرى يساعد على مواجهة الأفكار المغلوطة والشائعات، خاصة فى ظل انتشار محتوى غير موثوق عبر المنصات الرقمية، مشيرًا إلى أن الدراما القادرة على التعبير عن الواقع والهوية تصبح أداة مهمة لتثبيت الحقائق وبناء الوعى الجمعى، مؤكدًا أن مصر تمر بظروف سياسية واقتصادية استثنائية، فى ظل ما تشهده المنطقة من أزمات ومحاولات لإثارة البلبلة ونشر الشائعات، حيث كان وعى الدولة والمجتمع حاضرًا فى مواجهة هذه التحديات.
وتابع: «مصر استطاعت الحفاظ على توازنها رغم الأزمات المتعددة التى واجهتها، وهو ما يفرض دورًا مهمًا على الفن فى دعم الوعى المجتمعى»، مضيفًا: إن استمرار تقديم الفن المصرى نابع من كون المجتمع نسيجًا واحدًا ثقافيًا وفكريًا وحضاريًا».






