توازن الطاقة والمناخ
الطاقة.. الروح التى تسرى فى شريان التنمية من العجز إلى تحقيق الفائض
سلوى عثمان
على مدار ربع قرن، نجحت مصر فى تحويل قطاع الطاقة من اعتماد شبه كامل على الوقود الأحفورى، إلى مزيج متنوع من الغاز والنفط والكهرباء المتجددة والطاقة النووية، هذا التحول لم يقتصر على تلبية الاحتياجات المحلية، بل جعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة، وقادرًا على تصدير الغاز والكهرباء للأسواق الإقليمية والدولية.
وجاءت الإنجازات المصرية، فى سياق أحداث عالمية هزت أسواق الطاقة، من سقوط نظام صدام حسين فى العراق، والأزمات فى ليبيا، وصولًا إلى تقلبات أسعار النفط والغاز بعد الحرب «الروسية ـ الأوكرانية»، وفى هذا التحقيق، نستعرض أبرز الإنجازات المصرية والأرقام خلال 25 عامًا، وتأثير الأحداث العالمية على السوق المحلى والإقليمى للطاقة.
فى بداية الألفية، كان إنتاج مصر من الغاز الطبيعى نحو 1.3 مليار قدم³ يوميًا، بينما بلغ الاستهلاك المحلى 1.4 مليار قدم³ يوميًا، ما استلزم استيراد الغاز لتغطية الفجوة.
ومع اكتشاف حقول جديدة، وخصوصًا حقل ظهر العملاق فى البحر المتوسط عام 2015، ارتفع الإنتاج إلى 2 مليار قدم³ يوميًا، مقابل استهلاك محلى نحو 1.6 مليار قدم³، وبدأت مصر تصدير الفائض إلى الأسواق الإقليمية.
وبحلول عام 2020، بلغ الإنتاج 2.7 مليار قدم³ يوميًا، مع استهلاك محلى 2 مليار قدم³، ما منح مصر القدرة على تأمين احتياجاتها المحلية والفائض للتصدير.
واليوم فى 2025، بلغ إنتاج الغاز نحو 3 مليارات قدم³ يوميًا، مع استهلاك محلى 2.2 مليار قدم³، والفائض المتاح للتصدير نحو 0.8 مليار قدم³ يوميًا.
هذا التحول جاء فى وقت تأثرت فيه أسواق الغاز عالميًا بسبب الأزمات فى أوروبا، وارتفاع الطلب بعد الحرب «الروسية ـ الأوكرانية»، ما جعل مصر موردًا استراتيجيًا لأسواق الغاز.
فى قطاع النفط، كانت مصر تنتج فى عام 2000 نحو 670 ألف برميل يوميًا، بينما كان الاستهلاك المحلى نحو 350 ألف برميل يوميًا، ليتم تصدير الفائض إلى الأسواق الإقليمية.
خلال العقدين التاليين، ساعدت التقنيات الحديثة فى الحقول القديمة والشراكات مع الشركات العالمية على زيادة الإنتاج تدريجيًا، ليصل اليوم إلى نحو 770 ألف برميل يوميًا، مع استهلاك محلى 440 ألف برميل، واستمرار تصدير نحو 330 ألف برميل يوميًا.
وعلى مدار السنوات، واجهت مصر تأثيرات مباشرة من الأحداث العالمية، مثل ارتفاع أسعار النفط إثر النزاعات فى الشرق الأوسط والأزمات الإقليمية فى العراق وليبيا، لكنها نجحت فى الحفاظ على استقرار الإنتاج المحلى والصادرات.
طفرة فى مجال الكهرباء والطاقة المتجددة
فى عام 2000، كانت قدرة مصر الإنتاجية للكهرباء نحو 18 ألف ميجاوات، مع اعتماد شبه كامل على الغاز والفحم، وكانت نسبة مساهمة الطاقة المتجددة ضئيلة للغاية.
ومع بداية الاستثمار فى مشاريع الرياح والطاقة الشمسية، ارتفعت القدرة الإنتاجية إلى 23 ألف ميجاوات بحلول 2010، و28 ألف ميجاوات عام 2015 مع تشغيل محطات شمسية ورياح أولية.
التحول الأكبر، جاء مع محطة بنبان للطاقة الشمسية فى أسوان، أكبر مجمع للطاقة الشمسية فى العالم بطاقة إجمالية تصل إلى 1.8 جيجاوات، إضافة إلى مشاريع الرياح فى خليج السويس ومطروح.
هذه المشاريع رفعت القدرة الإنتاجية للكهرباء فى مصر إلى نحو 75 ألف ميجاوات اليوم، مع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة فى المزيج الوطنى نحو 35%، وتسعى مصر لرفع هذه النسبة إلى أكثر من 50% بحلول 2030.
هذا التوسع مكن مصر أيضًا من تصدير الكهرباء إلى السودان والأردن وليبيا، وهو ما يعكس مكانتها المتزايدة كمركز إقليمى للطاقة.
لم تكتفِ مصر بالاعتماد على المصادر التقليدية والمتجددة، بل شرعت فى مشروع الضبعة النووى، وهو الأول من نوعه فى البلاد، بطاقة إنتاجية تصل إلى 4800 ميجاوات عند اكتمال جميع مراحله.
ويهدف المشروع إلى تأمين الكهرباء للأجيال المقبلة، وخفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز أمن الطاقة الوطنى، ومن المتوقع أن تسهم محطة الضبعة بحلول 2035 فى تغطية نحو 6% من الكهرباء الوطنية، ما يجعل مصر بين الدول الرائدة فى المنطقة بمجال الطاقة النووية السلمية.










