مصر تقتلع الإرهاب
«الإرهابية».. من التضليل والاختراق إلى اقتلاعها من جذورها
مصطفى أمين عامر
لم تتوقف جماعة الإخوان الإرهابية عن محاولات التغلغل داخل المجتمع المصرى فى محاولة منها للسيطرة على الحكم، ورسخت وجودها منذ عام 2000، بالتوسع والانتشار داخل النقابات والإعلام الإلكترونى والحركات الاحتجاجية، دون أن يكون لديها مشروع وطنى حقيقى للحكم، لتستغل أحداث 25يناير 2011 للوصول للحكم، وهو الأمر الذى أدى لانكشافها سريعًا عند ممارسة السلطة وفشلها عقب خروج الجماهير لعزلها فى 30يونيو2013، لتتجه إلى ممارسة العنف والعزلة.
حسام الحداد الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، اعتبر أن جماعة الإخوان تعتمد منذ عقود على استراتيجية طويلة المدى قائمة على التغلغل داخل مؤسسات المجتمع والدولة، مستفيدة من المساحات التى أتاحها النظام السياسى فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، رغم الحظر القانونى المفروض عليها، وقد اعتمدت الجماعة على العمل من الهامش، متجنبة الصدام المباشر، مع بناء شبكة تنظيمية واجتماعية واسعة، سرعان ما تحولت بعد 25 يناير لمحاولة للهيمنة على المجال العام، قبل أن تنتهى بانكشاف المشروع واتجاهها نحو العنف الشامل. وتابع: «فى عهد مبارك ركز التنظيم، على النقابات المهنية باعتبارها مجالًا حيويًا للحشد ونجحوا فى السيطرة على عدد من النقابات الكبرى، مستخدمين الخدمات المهنية والاجتماعية كوسيلة لبناء الولاء، وتحويل هذه الكيانات لخزانات بشرية ومالية تخدم مشروعها، لا مجرد العمل النقابى كما أولت اهتمامًا مبكرًا بالإعلام الإلكترونى، فأنشأت مواقع ومنصات رقمية لعبت دورًا فى صياغة خطاب مزدوج إصلاحى فى ظاهره، وأيديولوجى فى مضمونه وقد أسهم هذا الإعلام فى توسيع دائرة التأثير، خاصة بين الشباب، مستفيدًا من ضعف الإعلام التقليدى آنذاك.
واعتبر أن مجلس الشعب كان الأداة الأهم للإخوان، فقد مثلت انتخابات 2005 ذروة الحضور البرلمانى للإخوان، حيث نجحوا فى استغلال ثغرات النظام الانتخابى، والترشح كمستقلين، ليقدموا أنفسهم بوصفهم المعارضة الأكثر تنظيمًا، وهو ما منحهم شرعية سياسية واسعة لتفتح أحداث 25 يناير، المجال أمامهم للانتقال من موقع المعارضة لموقع السلطة، إلا أن الجماعة تعاملت مع المرحلة الانتقالية بمنطق التمكين التنظيمى لا الشراكة الوطنية فبدلًا من بناء توافق واسع، سعت للسيطرة على البرلمان ثم الرئاسة، وأدارت الدولة بعقلية الجماعة لا بمنطق الدولة الحديثة.
وشدد على أن الجماعة، مارست السيطرة الكاملة على الدولة متجاهلة التنوع السياسى المصرى، وتجاهلت مخاوف قطاعات واسعة من المجتمع واختزلت مفهوم الشرعية فى النتائج الانتخابية، متغافلة عن أهمية التوافق المجتمعى والتوازن المؤسسى، ما أدى لتصاعد حالة الاستقطاب وفقدان الثقة، لتشكل ثورة 30 يونيو انكشافًا لمشروعها الإرهابى.
وأردف:» الإرهابية تحمل العنف والدم ضد الدولة المصرية منذ نشأتها، وفعلها السياسى مجرد أداة للتأثير والتغلل داخل المجتمع المصرى، وهو الأمر الذى جعلها أزمة مركبة ذات أبعاد أمنية وفكرية داخل الوطن، وهو ما يستلزم العمل بشكل دائم على اقتلاع جذورها». عمرو فاروق الباحث فى شئون الجماعات الإرهابية اعتبر أن جماعة الإخوان الإرهابية منذ نشأتها على يد حسن البنا، وهى تجيد توظيف المراوغة الفكرية والسياسية فيما يتعلق بأدبيات التكفير والعنف المسلح، لاسيما فى مرحلة التأسيس الأولى، ثم أصبحت تلك المقاربة أكثر وضوحًا فى ظل المدرسة الثانية التى تكونت على يد سيد قطب، التى كانت أكثر تأكيدًا على جاهلية المجتمع وشرعنة العنف المسلح، واختصرت مقصد الشريعة الإسلامية فى قضية الحاكمية. وشدد على، أن ثورة 30 يونيو كشفت وجه الجماعة الحقيقى؛ التى خدعت به الجماهير المصرية والعربية، مرتدية قناع السلمية السياسية، والعمل المجتمعى والدعوى، ومنذ تلك اللحظة أدركت الجماعة أنها لم تعد إحدى أدوات الحكم، ولن تصبح أحد مكونات المعادلة السياسية أو الاجتماعية داخل الشارع العربى والمصرى.
وأشار إلى أن الفترة الزمنية التى أعقبت سقوط الإخوان، شهدت حالة من التعبئة والشحن المستمر لدفع القواعد التنظيمية لحمل السلاح ضد مؤسسات الدولة، وهو الأمر الذى لم يخرج عن أدبياتها ومشروعها الأساسى فى توظيف العنف لتحقيق مصالحها على مدار تاريخها، لكن ثورة 30 يونيو أربكت قياداتها، وأسقطت أقنعتهم، وفضحت توجهاتهم السرية، واعتمادهم لخطابين أحدهما؛ معلن يخاطب العقل الجمعى المصرى، فى إطار السلمية الاجتماعية، من باب الخداع والتزييف والتملق وصولًا لمآربها فى تنفيذ مرحلة «التمكين»، التى رسمها بدقة حسن البنا وفق استراتيجية «أستاذية العالم»، بينما الخطاب الثانى فهو سرى، وموجه للقواعد التنظيمية؛ حيث تمت صياغته فكريًا وثقافيًا وفق أدبيات الجماعة، وأهداف مشروعها فى السيطرة على المجتمع والوصول للسلطة.
وتابع:» فى ظل سقوط الإخوان شعبيًا وسياسيًا، اتجهوا لما يسمى بـ»فقه الاستضعاف»؛ وهى مرحلة يتحول فيها التنظيم من «الخلايا الهيكلية»، إلى «الخلايا العنقودية»، ويعتمد فيها على عدة مسارات مختلفة، يهدف من خلالها، لتصفية الحسابات، وتفكيك الجبهة الداخلية للدولة المصرية، وزعزعة الاستقرار الداخلى، ومحاولة إيجاد دوائر، وحواضن شعبية تساهم فى تدعيم فكرته، ومشروعه مرة أخرى، ويتوازى ذلك مع ما يسمى بالجهاد الإلكترونى والإعلامى.
ويرى طارق أبو السعد الخبير فى شئون الجماعات الإسلامية، أن الجماعة خطت خطواتها الأولى فى مصر بخطة ماكرة، مستغلة السيولة السياسية والاجتماعية، ومستغلة المجتمع المدنى كغطاء لتسللها تحت ستار العمل الدعوى والخيرى.
وأوضح:» لم يكن هدف الإخوان مجرد النفوذ السياسى، بل الهيمنة على كل مفاصل المجتمع المصرى، حيث استطاعت الجماعة السيطرة على قرارات مهمة، وتجنيد كوادر جديدة، مستغلة شعارات الحق والعدالة الاجتماعية، لتبدو أمام العامة كحركة إصلاحية، بينما كانت فى الواقع تصنع شبكة متشابكة من الولاء التنظيمى، جاهزة للانقضاض على الدولة، وعقب 30 يونيو، لم يتحمل الإخوان فقدان الحكم والشرعية الشعبية، فكشفوا عن وجههم الحقيقى، ولجأوا إلى الإرهاب، والتخريب، والعنف المنظم ضد الدولة والشعب، ومحاولة استعادة السلطة بالقوة بعد خسارتها الشرعية، ونظمت الجماعة الخلايا المسلحة وخططت للتفجير وللتخريب لابتزاز الدولة وإخضاع الشعب لأجندته الإيديولوجية.
وشدد على أن رحلة جماعة الإخوان من التسلل إلى الاقتلاع ليست مجرد سرد لتاريخ سياسى عابر، بل شهادة إدانة مكتملة لتنظيم إرهابى أتقن التخفى خلف لافتات العمل الدعوى والخيرى ليخترق المجتمع ويختطف الدولة، وهى قصة تحذير قاسية أدركها المصريون جيدًا، بعدما دفعوا ثمن الخداع، فكان وعيهم الجمعى هو الحائط الصلب والسد المنيع الذى أسقط الجماعة، وهو الذى يقف اليوم كأقوى ضمانة لإجهاض أى محاولة بائسة لإعادة إنتاجها أو تسللها من جديد.






