الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أردوغان يدق نعشه على أنقاض تركيا

أردوغان يدق نعشه على أنقاض تركيا
أردوغان يدق نعشه على أنقاض تركيا




تشهد تركيا فى الفترة الأخيرة موجات من زلزال قوى يهز كيانها الذى مالبث أن برز خلال فترة قصيرة ترجع لنحو 13 سنة، فمع تقدمها البارز فى عدة مجالات وانفتاحها القوى نحو العالم بعد سنوات عجاف، وكانت مثالاً يحتذى به لنظام «الإسلام السياسى»، إلا انه سرعان ما تحول الحلم إلى كابوس يهدد النظام التركى داخليا وخارجيا حيث اصبحت مثالاً لنظام ديكتاتورى على يد رئيسها رجب طيب أردوغان، خاصة بعد انسحاب رئيس وزرائه السابق أحمد داود اوغلو من المشهد السياسى اعتراضًا على منهجه فى الحكم، والزج بوزير الاتصالات السابق بن على يلدريم ليحل محله، والذى يعرف بانه الابن البار لأردوغان.. وتوقع خبراء فى الشأن التركى، نهاية حزب « العدالة والتنمية» بعد خروج اوغلو، الذى بصدد إنشاء حزب جديد بمشاركة عبدالله جول الرئيس التركى السابق يقوم على مبادئ «العدالة والتنمية» القديمة والتى انحرفت عن فكرة «الإسلام السياسى» الديمقراطى بعد سيطرة أردوغان وأصبح الحزب فقط أداة يتحكم فيها ليصل اردوغان لحلمه بإنشاء «امبراطوريته العثمانية»

أردوغان ويلدريم 

«رجل الرئيس» هكذا يعرف بن على يلدريم رئيس الحكومة التركية الجديد والذى تولى رئاستها رسميًا خلال مؤتمر حزب «العدالة والتنمية» الذى عقد فى 22 من الشهر الجارى خلفًا لاحمد داود أوغلو، بعد تقديم الاخير استقالته كرئيس للحزب وبالتالى تنحيه عن الحكومة فى 5 مايو الماضى.
وأعلن يلدريم -60 عاما-  فى أول خطاب رسمى له كرئيس للحكومة عن ولائه ووفائه لمرشده، مؤكدًا عزمه تقديم كل السبل لتحقيق حلم أردوغان الأهم وهو تغيير الدستور التركى وتحويله للنظام الرئاسى، وبذلك يكون الامبراطور العثمانى قد وضع جميع مقاليد الحكم فى الدولة التركية فى يده، فبعد فرض سيطرته على أجهزة الدولة من تشريعيات وقضاء وإعلام  بدون أى حق دستورى، جاء الوقت لوضع اللمسات الأخيرة لهذا الحلم الديكتاتورى بتغيير وزارى ثم تغيير دستورى.
ويأتى هنا السؤال الأهم هل أحمد داود أوغلو كان هو العقبة امام حلم الامبراطورية العثمانية الجديدة أم أنه بخروجه سقطت آخر ورقة توت عن الرئيس العثمانى؟

 

أسباب الاستقالة

على مدار سنوات عدة كان اوغلو رفيق درب لأردوغان وأسسا معًا حزب «العدالة والتنمية» فى 2001، وفى العام التالى وبعد انتخابات 2002 عين مستشارًا لرئيس الوزراء آنذاك والرئيس الحالى رجب طيب أردوغان، ثم كوزير للخارجية فى 2009، ثم رشح من قبل حزبه لمنصب رئيس الوزراء فى أغسطس 2014، وعلى مدار هذه السنوات كانت نهضة تركية داخلية وخارجية، إذ كان اوغلو هو الترس المحرك فى حكومة أردوغان آنذاك، فسياسته الخارجية هى التى وضعت تركيا فى صدارة الدول ما دعا مجلة «فورين بوليسى» لاختياره فى عام 2010 ضمن أهم مائة مفكر فى العالم، باعتباره أحد أهم العقول التى تقف وراء نهضة تركيا الحديثة.
ومع بزوغ نجم اوغلو خارجيا جاءت تسجيلات مسربة فى 2013 عن اجتماعات داخل تركيا تظهر بوضوح إلى أى مدى كان اوغلو هو الذى يقود السياسة الداخلية وليس أردوغان، لكن سرعان ما تحولت هذه الانجازات إلى عقبة أمام الرئيس العثمانى فسعى بعدة طرق لتهميش دور رفيق دربه كرئيس للوزراء حتى دفعه للاستقالة.
ويرى محللون أن تغيير الدستور كان أهم الأزمات بين الصديقين، ويقول د.محمد عبدالقادر خليل، رئيس تحرير مجلة «شئون تركية» الصادرة من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إن أهم أسباب الخلاف بينهما هو «النظام الرئاسى»، حيث يرغب الرئيس التركى بشدة فى إنشاء نظام حكم جديد فى تركيا عوضاً عن النظام البرلمانى الحالى، فى حين عبّر أوغلو عن دعمه للنظام البرلمانى ويرى أن هذا التحول يضر بمصالح تركيا على الصعيد السياسى والأمنى فضلا عن المساس بصورة تركيا الخارجية بأن أردوغان سيكون هو اليد الوحيدة الممسكة بجميع مقاليد الدولة فى ظل ظروف صعبة محليًا وعالميًا.
وتابع خليل: «فكان الصدام بين الطرفين حيث رأى أردوغان أن رفيق دربه أصبحت له سياسات مختلفة عنه، هذا بالإضافة إلى محاولات أردوغان تهميش اوغلو داخل الحكومة وكأنه أصبح سكرتيرًا شخصيًا للرئيس وليس رئيس وزراء».

سيناريوهات الفترة المقبلة

وفقا لرؤية محللين فى الشأن التركى، فإن استقالة اوغلو قد ينتج عنها تخبط شديد فى سياسات تركيا على عدة محاور، سواء داخليا أو خارجيا وبالأخص تلك المتعلقة بالجانب الاقتصادى والحريات والتشريعات، إذ  كان اوغلو بمثابة «رمانة الميزان» فى نظام «أردوغان»، ما كان له من شعبية كبيرة داخليا وخارجيا خاصة بين دول الجوار ودول الاتحاد الأوروبى التى طالما كانت تصطدم بخطابات أردوغان العنترية وقراراته المتسلطة، وستخرج تركيا من حكم الحزب الواحد إلى حكم الفرد الواحد بعد إزاحة أهم عقبة أمام الرئيس التركى وهى صديقه القديم «أوغلو».

الاقتصاد

بعد استقالة حكومة رئيس الوزراء السابق داود اوغلو بيوم واحد، شهدت تركيا هزة اقتصادية عنيفة لم تعهدها من قبل، إذ ارتفع الدولار الأمريكى بنسبة 2.6% ووصلت قيمته أمام الليرة التركية 2.92، كما هبطت البورصة التركية بنسبة 7% خلال 72 ساعة من استقالة الحكومة.
وأعلن البنك المركزى التركى أن المستثمرين الأجانب باعوا 459 مليون دولار ثمن الأسهم والسندات التركية، مضيفًا: إنه تم تدفق 298 مليون دولار من سوق الأوراق المالية التركية و161 من سوق السندات المحلية، وبات المستثمرون والمقيمون فى تركيا يملكون نحو 44.1 مليار ليرة تركية من أسهم البلاد، فيما كان الرقم يصل إلى 50.8 مليار دولار قبل أسبوع من استقالة الحكومة.
وفى هذا الصدد قال نشأت الديهى الإعلامى والخبير فى الشأن التركى، إن شعبية أردوغان فى تراجع شديد لأن سياساته بدأت تؤثر على الشعب التركى  اقتصاديا بشكل واضح، فعلى سبيل المثال لا الحصر تأثر القطاع السياحى بشكل واضح ، فضلاً عن القطاع الأمنى حيث بدأ المستثمرون يرون أن تركيا أصبحت منطقة غير آمنة لاستثماراتهم، ثم جاء التخبط السياسى فى النظام الذى قد يترتب عليه مزيد من التراجع على المستوى الاقتصادى والأمنى، خاصة بعد إعلان النظام الرئاسى وبالتالى ستزيد سيطرة أردوغان وسياساته التى ثبت فشلها على جميع الأصعدة.

الأكراد

تعتبر الأزمة الكردية هى الأهم فى تركيا، وعادت لتظهر بقوة على الساحة منذ قرابة العامين مع بدء تفجيرات فى الأماكن السياحية بهدف الضغط على الحكومة التركية لتأسيس دولتهم المستقلة.. وكان أوغلو بصدد التوصل لحل سياسى، وتوصل لاتفاق بوقف القصف الحكومى لمواقع الأكراد مقابل تسليمهم السلاح، إلا أن أردوغان رفض وتعهد بملاحقة كل من له علاقة بحزب «العمال الكردستانى».. ويعتبر حزب «الشعوب الديمقراطى» هو الغطاء السياسى للاكراد، وأصبح العدو السياسى الأول لأردوغان بعد حصوله على 59 مقعدًا فى الانتخابات البرلمانية فى 2015، وسعى بكل السبل لإخراجه من البرلمان، وكانت آخر الخطوات «الأردوغانية» عبر حزبه، إذ تقدم العدالة والتنمية بمشروع قانون لرفع الحصانة عن الأعضاء لتورطهم فى تهم فساد ودعم الإرهاب، وهو ما رفضه أوغلو، لكن بعد الاستقالة تم إقرار القانون بأغلبية ثلثى الأعضاء ورفعت الحصانة عن 41 نائبا من حزب «الشعوب».. وأثار هذا القانون حفيظة الغرب، إذ قالت المستشارة الالمانية انجيلينا ميركل إنها أبلغت أردوغان قلقها إزاء قرارات رفع الحصانة عن النواب الاكراد، مؤكدة أن الوضع السياسى فى تركيا أصبح مقلقًا خاصة فى مجال القضاء والحريات وأنها ستتابع تتطور الأوضاع عن كثب.. وفى هذا الصدد، يرى صلاح لبيب باحث سياسى فى العلاقات الدولية، أن إصدار مثل هذا القانون هو فقط لتقليم أظافر حزب «الشعوب» الكردى، خاصة بعد إعلان بعض أعضائه تأييدهم لحزب العمال وعملياته، مؤكدا أن السبب الرئيسى وراء تمرير القانون هو تصعيد العمليات الإرهابية ضد المدنيين الاتراك ومؤسسات الدولة.. وأعرب لبيب عن تصوره بأن الحكومة لن تسعى لإخراج الحزب كاملاً من المشهد السياسى، إذ سيشكل خروجه ذريعة للاكراد للانضمام الى حزب «العمال الكردستانى»، لذا فالقانون لتحجيم الحزب فى ظل الظروف الحالية، خاصة بعد مساعى أكراد سوريا إقامة دولة فيدرالية.. من جهة أخرى توقع نشأت الديهى توتر الأزمات أكثر بين حزب العمال الكردستانى والحكومة الكردية، مضيفًا: «الاكراد لا يعرفون الخوف، فهم من ذقوا ورقة المصالحة التى قدمها زعيمهم «عبدالله أوجلان» لأردوغان، وعادو لحمل السلاح بعدما ألقوا به».

إنقلاب الجيش

لعب الجيش التركى دورًا مهمًا منذ قيام الدولة الأتاتوركية 1923، إذ كان دائما عنصر الحفاظ على علمانية الدولة، وأقدم الجيش التركى على أربعة انقلابات متحصنا بالصلاحيات الدستورية التى اعطاها لنفسه بعد تنفيذ انقلاب فى عام 1960، حتى جاء إلى الحكم حزب «العدالة والتنمية» والذى يعارض الصلاحيات السياسية للجيش، وتمكّن أردغان فى عام 2004 من تخفيف نفوذه دون الاصطدام به، فيما انتهى أمر أكثر ضباط الجيش علمانية فى السجون على أثر قضيتى «إرغنكون» و«باليوز» عام 2014 والتى حكم فيها على 275 متهمًا بينهم ضباط وصحفيون بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب على حكومة أردوغان.
وفى 2012 أصدرت المحاكم التركية أحكاما بالسجن تتراوح بين 13 و20 عاما على جنرالات عسكريين بعد إدانتهم بمحاولة تآمر أخرى حصلت عام 2003 على نفس الحكومة، وفى عام 2015 صدر حكم المحكمة التركية بتبرئة 236 عسكريًا بعد أن تقدمت القوات المسلحة بشكوى لاستئناف الحكم.. وبعد عدة صولات وجولات استطاع أردوغان وحزبه تقليص دور الجيش التركى العدو الأساسى أمام مشروعه الإسلامى، الا انه بعد استقالة رئيس وزرائه السابق أصدرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية تقريرا حذرت فيه من عودة تنامى دور الجيش مرة أخرى خاصة مع تهميش المعارضة السياسية، ليعود الجنرالات مجددا على الساحة خاصة فيما يتعلق بالمسائل الأمنية وتحفظهم على إرسال جنودهم إلى سوريا، وأشارت الصحيفة إلى أن هناك أيادٍأمريكية  تنضم مع الجنرالات للتخلص من أردوغان الذى أصبح خارجًا عن السيطرة وتوغله فى السلطة سيزيد الأمر سوء.

الصحافة والإعلام

كان لحرية الرأى فى تركيا النصيب الأكبر من تدخل حكومة أردوغان المستبدة، خاصة بعد الكشف عن أكبر فضيحة فساد فى ديسمبر 2013، والتى طالت وزراء فى الحكومة بل أردوغان نفسه، الأمر الذى دفعه لإجراء تعديل وزارى موسع، وفى أعقاب الأزمة تم إعداد قائمة لتصفية كل الصحفيين الذين ساهموا فى نشر القضية.. وفى 2014 زادت حالات قمع الصحفيين والأكاديميين، إذ اعلنت جمعية «الصحفيين» التركية أنه عام «أسود على الصحافة» وقال رئيس نقابة الصحفيين الأتراك، أوغور جوتش: إن مئات القضايا رفعت ضد الصحفيين، وتم فصل981 صحفيا، بالإضافة إلى استقالة 56 من كبار الصحفيين ورؤساء التحرير، كما منعت صحف المعارضة من تغطية اللقاءات والاحتفالات الرسمية للدولة.. وشهد عام 2015 حظر أكثر من 6000 موقع على شبكة الإنترنت واعتقال نحو 156 صحفيا فيما فقد 774 آخرون وظائفهم بسبب مضايقات الحكومة، كما تم التحقيق مع 200 صحفى و7 مؤسسات إعلامية، فيما فتح ملفات قضائية ضد 238 آخرين فى المحاكم.. وتحتل تركيا المركز 149 من أصل 180 بلدا فى مؤشر الحرية الذى تعده منظمة «مراسلون بلا حدود»، ويتوقع الخبراء بعد تحول النظام التركى للرئاسى سيزداد القمع وتقييد الحريات، حيث ستخرج تركيا من حكم الحزب الواحد إلى حكم الشخص الواحد.

السياسة الخارجية

مع استقالة داود اوغلو، السياسى المتزن فى تركيا، ستشهد السياسة الخارجية تغييرًا قويًا، خاصة حول اتفاقية الاتحاد الأوروبى التى تعتبر جوهر الخلاف بين أردوغان وأوغلو، فمع تزايد أعمال القمع وتقييد الحريات ورفض أردوغان وضع تعريف لقانون «الإرهاب» الذى يدعى أنه الأمثل لحصانة البلاد فى هذه الفترة الحرجة من حربها ضد حزب «العمال الكردستانى» فى الداخل وتنظيم «داعش» على حدودها، وهو الأمر الذى يرفضه الاتحاد الأوروبى معتبرا أن هذا القانون القمعى ضد مبادئ دولة.
ومن المنتظر أن يزداد الأمر سوءًا بعد تولى بن على يلدريم، إذ هددت أنقرة بتعليق اتفاقية بروكسل حول اللاجئين، لأن الاتحاد ينتهج سياسة «ازدواجية المعايير»، كما ترى الدول الأوروبية أن انضمام تركيا إلى الاتحاد أمر غاية فى الصعوبة، ويشار إلى تصريحات ديفيد كاميرون، رئيس  وزراء بريطانيا، بأن تركيا أمامها 3000 سنة حتى تستطيع دخول الاتحاد.
وفى هذا الصدد قال صلاح لبيب، إن أردوغان يستغل «اللاجئين» كورقة ضغط على الدول الأوروبية، ومن المنتظر أن تستمر سياسته فيما يتعلق بالقضية السورية ومصر، اما فيما يتعلق بالعلاقات مع باقى الدول العربية فمن المرجح أن تتوطد العلاقات مع السعودية ودول الخليج خاصة قطر، أما على الصعيد الدولى فستشهد الفترة المقبلة زيادة العلاقات مع إسرائيل، خاصة من الناحية التجارية، فقد تضاعف التبادل التجارى بين البلدين إلى ثلاثة أضعاف، كما سيزداد التعاون الاقتصادى مع إيران المصدرة الأولى للغاز إلى تركيا، فلا نستطيع أن ننسى قضية «النفط مقابل الغاز» التى اتبعتها تركيا لاستيراد الغاز الإيرانى قبل رفع العقوبات عنها.