الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اليد الخفيفة.. واليد الخفية

اليد الخفيفة.. واليد الخفية
اليد الخفيفة.. واليد الخفية




صبحى مقار يكتب:
 تكرس حوادث الفساد، فى بعض الدول، لمبدأ جديد يسمى باليد الخفيفة، ليحل محل مبدأ اليد الخفية لآدم سميث، فبدلاً من تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ككل، نتيجة لسعى كل فرد لتحقيق مصلحته الشخصية (وفقاً لمفهوم اليد الخفية)، ساد مبدأ «اليد الخفيفة» بمعنى عدم تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ككل نتيجة لسعى الفاسدين إلى تحقيق مصلحتهم الشخصية بطرق غير مشروعة على حساب تضرر مصالح باقى أفراد المجتمع، وذلك نتيجة لتعدد الأيادى الخفيفة التى تحترف سرقة ونهب ثروات الوطن والمواطنين.
وللأسف، كان آدم سميث حسن النية، لأنه لم يتوقع تصاعد الفساد ليصل إلى الحالة التى نشاهدها اليوم، وهى تعارض أغلب المصالح الشخصية للأفراد مع المصلحة العامة للمجتمع. ونتيجة لذلك، تهدف منظمة الشفافية الدولية، وهى منظمة مجتمع مدنى عالمية رائدة فى مجال مكافحة الفساد مقرها الرئيس فى برلين، ولها أكثر من 90 فرعاً فى جميع دول العالم، إلى التوعية بالآثار الضارة للفساد، والتعاون مع الشركاء فى الحكومات وقطاع الأعمال والمجتمع المدنى فى وضع وتنفيذ تدابير فعالة للتصدى لتلك الآثار الضارة وتحجيمها وعدم انتشارها.
وتصدر المنظمة منذ عام 1995 تقريراً سنوياً عن مؤشر مدركات الفساد، ليعكس درجة التحسن فى ممارسات الإدارات الحكومية والشركات العالمية الهادفة إلى تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، حيث يقيس المؤشر مدى تفشى الفساد فى دول العالم، ودرجة تأثيره فى مناخ الاستثمار كأحد المعوقات الأساسية، التى تواجهها هذه الدول فى جذب الاستثمارات الأجنبية.
ويعتبر مؤشر مدركات الفساد بمثابة تذكير بأن إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة تستمر فى نهب وتخريب المجتمعات فى كل دول العالم، حيث يعرف على أنه ذلك المؤشر الذى يقيم دول العالم ويرتبها وفقاً لدرجة وجود الفساد بين المسئولين والسياسيين، بناءً على إدراك رجال الأعمال والمحللين من جميع دول العالم بما فى ذلك المتخصصين والخبراء من نفس الدولة التى يتم تقييمها.
ويركز المؤشر بشكل أساسى على الفساد فى القطاع العام، ويعرفه بأنه «سوء استغلال الوظيفة العامة من أجل تحقيق مصالح خاصة». وتتراوح قيمة مؤشر مدركات الفساد ما بين صفر (وجود تصور بدرجة عالية من الفساد) إلى 100 (وجود تصور بأن الدولة نظيفة للغاية أو وجود درجة شفافية عالية).
وقد بلغت نسبة الدول التى أحرزت قيمًا أقل من 50 نحو 69% من الـ 176 دولة، التى تضمنها مؤشر عام 2016 مما يشير إلى وجود حالة من عدم المساواة تؤدى إلى حرمان الفئات الفقيرة من الاحتياجات الأساسية للحياة الكريمة نتيجة للتوزيع غير العادل للثروة وعدم محاسبة الفاسدين فى هذه الدول، والتى لا تزال تواجه تهديد الفساد على جميع المستويات الحكومية بداية من إصدار التراخيص المحلية وحتى تنفيذ القوانين واللوائح مما يمثل أحد أهم المعوقات أمام الجهود المبذولة لمكافحة الفقر وتعافى الاقتصاد العالمى.
لذلك، تعتقد منظمة الشفافية الدولية بأن الإصلاح الإدارى ضرورى لأى دولة لم تسجل 70 على مقياس مدركات الفساد، حيث يعتمد المستثمرون الدوليون بصفة أساسية على تقرير منظمة الشفافية الدولية عند اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بتفضيل دولة على أخرى.
ونخلص مما سبق إلى أن مؤشر مدركات الفساد يفسر النمو الاقتصادى لدول العالم، فالدول التى تتراجع اقتصادياً تحتل مراكز متأخرة فى قائمة مكافحة الفساد.
وعلى الرغم من تقدم مصر 24 مركزاً لتصل إلى المركز 88 (من بين 168 دولة) عام 2015 مقارنة بالمركز 112 (من بين 183 دولة) عام 2011، إلا أن قيمة مؤشر مدركات الفساد فى مصر قد انخفضت درجتين مقارنة بعام 2015 لتصل إلى 34 والمركز 108 (من بين 176 دولة) عام 2016. وذلك لربط تقرير هذا العام بين حصول مصر على هذه الدرجة وإقالة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات السابق وإدانته ومحاكمته قضائياً عندما كشف عن حجم الفساد فى مصر.
وعلى الرغم من أن مصر لا تزال ضمن ثلثى دول العالم (أقل من 50)، إلا أنه يتوقع تحسن ترتيبها خلال الأعوام المقبلة فى حالة استمرار الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد، وملاحقة الفاسدين فى كل مكان وعلى جميع المستويات، مستغلة فى ذلك تحسن الحالة الأمنية وحالة الاستقرار السياسى الحالية، مما يضمن عملية السير فى الطريق الصحيح نحو تعزيز الجاذبية الاستثمارية، وزيادة ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية فى الاقتصاد المصري، وقدرته على استيعاب الاستثمارات الجديدة.
وهذا يتطلب التطبيق الكامل والفورى لمعايير العمل المؤسسى ومعايير الحوكمة والشفافية فى جميع القطاعات، وزيادة درجة تمكين واستقلالية الأجهزة الرقابية والضبطية، وإعطائها جميع الصلاحيات حتى يمكنها متابعة جميع الملفات المتعلقة بهذا الشأن، مدعومة بتعاون صادق من جميع الجهات الحكومية المعنية بتوفير المعلومات المطلوبة، ونشرها وتزويد المنظمات المختصة بها لتعطى صورة حقيقية عن سلامة البنيان الاقتصادى المصرى، استقلال السلطة القضائية والهيئات الرقابية، والتزام الدولة بضمان كشف الفاسدين ومحاكمتهم وإرجاع جميع الأصول التى تم الاستيلاء عليها، بدون وجه حق. وبالتالى، مكافحة الفساد على الوجه الأمثل الذى يضمن استمرارية تحسن قيمة مؤشر مدركات الفساد فى مصر.