صراع حتي الموت بين محمد الفايد وأشرف مروان في لندن
توحيد مجدى
روزاليوسف اليومية : 26 - 08 - 2011
شيء ما وقف بين "أشرف مروان" و"محمد الفايد" منعهما من تقبل أحدهما الآخر وفي لندن القصص الغامضة وأسرار الصراع الذي دار بينهما وهو ما حققته سكوتلانديارد عدة مرات وحاليا الفايد ما زال حيا تسعي وراء أخباره كل وسائل الإعلام العالمية ومروان تحقق في حياته ومقتله عشرات الأجهزة الأمنية ولا تزال حول حياته العديد من التساؤلات المفتوحة التي بدأت تحسم بالوثائق خاصة بعد إفراج مجلس العموم البريطاني عن وثيقة بتاريخ 13 فبراير 1997 ذكرت "أن مروان عندما يتحول لرجل أعمال يصبح غير مأمون الجانب" وقد تآمر علي الفايد
فما هي الحقيقة في الصراع بين الفايد ومروان؟
بين هذا وذاك قصة مشتركة فكلاهما تاجرا في السلاح ومعا شاركا أعتي أنظمة العالم ديكتاتورية وتورط مروان مع القذافي ومبارك وروبرت موجابي الرئيس الزيمبابوي وآخرين في صفقات سلاح وكلاهما لا يعرف أحد حقيقة مصدر أموالهما وعلي هذا السبب رفضت الحكومة البريطانية طلباتهما عبر السنين من أجل الحصول علي الجنسية الإنجليزية التي يتمتع بها كل أبنائهم أما الفايد ومروان فلم يحصلا عليها أبدا والسبب كما هو مسجل في وزارة الخارجية الإنجليزية ومجلس العموم البريطاني مشترك بينهما وهو: "عدم معرفة أي مصادر موثقة لثروة المذكور وعليه لا يمكن منحه الجنسية البريطانية".
الفايد أوصي في مارس 2006 بتحنيط جثته عقب وفاته وصبها في قالب هندسي لتستخدم المومياء بعدها كأحد عقارب الساعة العملاقة التي تزين قمة المتجر الرئيسي لسلسلة محلات "هارولدز" الشهيرة بلندن وفي 8 مايو 2010 غير الفايد رأيه في التصرف في جثته عقب موته وفي خلال مقابلة تليفزيونية أعلن أنه لن يعود لمصر إلا جثة بعد وفاته.
أما مروان فقد عاد جثمانه بالفعل من لندن في صباح الأحد 1 يوليو عام 2007 ودفن بالقاهرة بعد أن قتل في ظروف ما زالت سكوتلانديارد ومعها أجهزة أخري عديدة بالعالم تحقق فيها.
الفايد رفع عشرات القضايا والدعاوي القضائية ضد الحكومة البريطانية علي مدي الأعوام الطويلة التي أمضاها في لندن وأشرف مروان أيضا لم تخل نشاطاته من رفع العديد من الدعاوي القانونية ضد السلطات البريطانية وقد قلب عداؤهما لبعض أركان محاكم لندن حتي إن قتل أشرف مروان تسبب في التحقيق المباشر مع محمد الفايد كمتهم بين المشتبه فيهم الأساسيين وحققت معه السلطات الإنجليزية خشية أن يكون قد وقف وراء مقتل مروان وهي التهمة التي سقطت عن الفايد بعد تحقيقات مطولة وإدعاء أسرة مروان في 11 يوليو 2010 علي صفحات الجارديان اللندنية نقلا عن تصريحاتهم خارج محكمة "ويست منستر كورنر مورت" التي حكمت بأن مقتل مروان لا يزال غامضاً بأن من قتل مروان هو جهاز الموساد الإسرائيلي الغريب أن نفس السلطات حققت من قبلها مع أشرف مروان في سبتمبر 1997 للاشتباه في ضلوعه في قتل عماد الفايد "دودي" مع الأميرة ديانا في باريس وقد برئ منها أيضا.
الفايد أرصدته طائلة لا حدود ولا مصدر معروف لها ويعد من أغني500 شخصية في العالم مع عدد من الطائرات الخاصة وقصر قرب لندن وقلعة خاصة من العصر الثامن عشر في اسكتلندا وقصر في منتجع جشتاد السويسري وآخر في سانت تروبيز وتتوزع مئات الأملاك الأخري بين مصر ودبي وباريس وسويسرا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخري أولاده 4 أشهرهم الراحل عماد الفايد الشهير ب"دودي" وأخته "كاميليا الفايد" و"أحمد الفايد" الذي عوض أباه عن فقد عماد وقد تزوج الفايد بعد قصة حب علي شاطئ الإسكندرية عام 1954 من "سميرة خاشقجي" أخت عملاق المال السعودي "عدنان خاشقجي" التي توفيت في 1986 وهي أم ابنه "دودي الفايد". أما أشرف مروان فيمتلك المليارات من الأسهم والأرصدة موزعة علي نجليه أحمد وجمال مروان منها طائرة خاصة وشراكات ومشروعات لا حدود لها من سلطنة بروناي حتي الولايات المتحدة الأمريكية مرورا بمصر ولا مصدر محدد لأمواله.
في عدد صحيفة النيويورك تايمز الصادر صباح الجمعة الموافق 13 يوليو 2007 أشارت الصحيفة في تحقيق بارز لها بعنوان: "من قتل أشرف مروان" أن مروان أو العميل "بابل" أو "الصهر" أو حتي "الملاك" كما أطلقت عليه إسرائيل كان يحصل منذ تطوعه للعمل لحساب الموساد الإسرائيلي في صيف عام 1969 علي مبلغ وقدره 50 ألف جنيه إسترليني مقابل كل جلسة تقابل فيها مع ضباط تشغيله بالموساد ليمدهم بالمعلومات وذكرت الصحيفة أن الجلسات كانت متعددة في شقة استأجرها الموساد بالقرب من فندق "دورشيستر" اللندني الشهير وأن مروان في تلك السنوات وخلال 4 أعوام من بداية نشاطة كان الموساد قد أنفق علي عمليته مبلغاً ذكر في مستندات عملية مروان ب20 مليون جنيه استرليني المفترض أنها كانت النواة التي شكلت ثروته فيما بعد.
مروان الشاب الذي كان يبلغ من العمر 25 عاما ويعمل موظفًا في المعامل العسكرية حيث إنه خريج كلية العلوم وبعد زواجه من مني عبد الناصر يصبح مساعد "سامي شرف" سكرتير ناصر حين أجري أول اتصال له بالسفارة الإسرائيلية في لندن عارضا خدماته وطالبا لقاء شخص مسئول كاشفا عن قرابته للرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم يكن لديه أي رصيد في البنوك الإنجليزية وكان حماه الرئيس قد دبر له راتباً شهرياً علي أساس أنه يدرس الكيمياء في إحدي جامعات لندن في بعثة مصرية تعليمية وفي الوثائق الخاصة به نجده ابنا لأب كان ضابطا عاديا بالجيش المصري ومن تلك المعلومات شعر الفايد بخطورة مروان كخصم في مجالات عدة بداية من حربهما علي عمادة الجالية المصرية في لندن نهاية بالصراع علي امتلاك سلسلة محلات هارولدز.
الفايد المولود في الإسكندرية في 27 يناير 1933 في منطقة رأس التين كان له شكل صعود مختلف فقد سافر للعمل في إمارة دبي أيام دبي الصحراء والبحر وكان هو صاحب فكرة إنشاء مرسي السفن بدبي وعقب إنشائه للمرسي تدفقت السفن علي دبي ومعها الخير وبسبب إتقانه لملكات عديدة طلب منه الشيخ راشد الأب أن يساعد دبي ويبحث عن شركات بترول لتستخرج البترول من الإمارات فيساعد الفايد ويكون بسبب تعاقد خاص مع راشد يحصل بموجبه علي 20% من أرباح البترول الإماراتية ثروات طائلة ويظل يدير ميناء دبي لمدة 25 عاما تالية حتي تتضخم ثرواته فيسافر ليستقر في بريطانيا منذ عام 1974 وفيها يشتري فندق "دورشستر" الذي كان مروان يلاقي ضباط الموساد بالقرب منه ثم يشتري في 1979 فندق "ريتز" الشهير في باريس ولا يتركه إلا بعد بيعه في بداية الثمانينيات ل"منير صالح ثابت" شقيق سوزان مبارك الذي عقد الصفقة كواجهة شراء كان يقف وراءها الرئيس المخلوع مالك فندق ريتز الحقيقي.
الغريب أن الفايد لم يبع ريتز فقط لعائلة مبارك إذ باع أيضا لجمال مبارك العقار رقم 28 ويلتون بالاس المكون من ست شقق كبيرة والموجود في شارع سلوان التابع لمنطقة نايتس بريدج والمعروف باسم منزل (بلجرافيا) تيمنا باسم المنطقة التي يقع فيها التي يبعد عدة أمتار فقط عن حديقة الهايد بارك الشهيرة وكذلك المقر الرئيسي لسلسلة محلات هارولدز التي ملكها أيضا الفايد.
في عام 1974 كانت إسرائيل قد هزمت وقل نشاط "أشرف مروان" في العمل لحسابهم وتغيرت الظروف في الموساد وخرج من الخدمة كل الضباط الذين كانوا علي صلة مباشرة وغير مباشرة بأشرف مروان وأصبح دوره في مصر رسمياً فقد تولي رئاسة الهيئة العربية للتصنيع الحربي ثم عين سفيرا بالخارجية لكنه كان دائما تاجر سلاح في لندن يبدأ الفايد ومروان صراعاً رهيباً علي السيطرة ويتنقل مروان بين لندن والقاهرة حيث كان لا يزال مسيطرا ليعود ليستقر بشكل نهائي في لندن عام 1981 عندما اغتيل الرئيس السادات ولم يجد في إمكانيته العمل مع الرئيس الجديد مبارك.
في لندن بدأ الفايد ومروان وكلاهما تعود علي السيطرة علي من حوله في التمكن من شراء أشهر المشروعات الإنجليزية فقد كانت متعة لديهم أن تذكر نشرات الأخبار أنباء ثرائهم أولا بأول ففاز الفايد بصفقة "هاوس أوف فريرز" المالكة لمحلات "هارولدز" الشهيرة التي تشبه محلات عمر أفندي في مصر وتقع في منطقة "نايتس بريدج" الراقية وكان ينافسه فيها رجل أعمال بريطاني شهير يدعي "تيني رولاند" صاحب مجموعة رولاند الإنجليزية العملاقة ولأن رولاند كان يمتلك أيضا عدداً من وسائل الإعلام البريطانية ومنها صحيفة "الأوبزرفر" اللندنية فقد شن رولاند حملات شعواء علي الفايد اتضح أن من كان يخطط لها أشرف مروان وعندما حاول الفايد الرد بسعيه لشراء صحيفة "توداي" البريطانية عام 1995 وجد نفوذ رئيس الوزراء "جون ميجور" ضده فحرم الفايد من فرصة استخدام الصحافة البريطانية لحسابه وبسبب قضايا رفعها في ذلك الشأن استقال عدة مسئولين في الحكومة ومجلس العموم البريطاني.
ووراء الكواليس كان مروان يحرك أفكاره لنزع محلات هارولدز من الفايد من أجل القضاء عليه معنويا حيث كانت تشكل بالنسبة للفايد الاسم والتاريخ فعاند الاثنان ووصل حد عنادهما لإقلاق راحة بريطانيا كلها.
مروان كشف مرة أن هارولدز لم تكن بداية الصراع بينه وبين الفايد لأن الحقيقة كانت في صفقة طائرات جامبو عقدها الفايد نيابة عن صديقه سلطان بروناي مع رجل أعمال سويسري كان بالمصادفة صديقا لأشرف مروان وفي الأثناء تعثرت الصفقة فقام الفايد بإلغائها وحرم السويسري من الأرباح فوقف مروان بجانب السويسري صديقه وحصل علي توكيل منه لمقاضاة الفايد في بريطانيا ومن هنا بدأ العداء الشخصي الفعلي بينهما.
مروان في أثناء نظر القضية التي استهلكت من الاثنين الكثير طلب من الفايد أن يعتذر لصديقه السويسري حتي يوقف القضية لكن الفايد المعاند رفض ثم تأتي قضية محلات هارولدز فقد أراد "تيني رولاند" صديق مروان شراءها حيث كان يمتلك أصلا حوالي 30% من أسهمها وكان في مجلس إدارتها غير أن مروان يخطط للدخول شريكا مع رولاند ضد الفايد وتزعم معظم وسائل الإعلام أن مروان كان وراء الحملات الصحفية الشعواء التي فضحت صورة بطاقة محمد الفايد وعليها اتهم الفايد في لندن بالتزوير في أوراق رسمية بريطانية حيث أن اسم عائلته هو "فايد" وليس الفايد كما أن البطاقة كشفت أن والد الفايد كان موظفا في التربية والتعليم ومن هنا تأكدت الشكوك الإنجليزية في حقيقة مصادر ثروة الفايد ومن يومها وهو يعاني من ذلك الشك الذي تعود عليه تقريبا.
الفايد وقع في فخ قانوني آخر عندما اتهم مروان بأنه هو الذي كشف حقيقة أن محمد الفايد غير مسجل بالاسم لسبب خطأ ما في سجل العائلة المصرية بين أخوته محمد وعلي وصلاح وأنه في لندن وقع مع الحكومة البريطانية عقد هارولدز باسم الأخوة الفايد مما يعني أنه وقع عن كيان يوجد عليه شك ومن ثم طبقا للقانون البريطاني تصبح الصفقة باطلة.
في الواقع كان تفكير مروان لو صحت الاتهامات التي ذكرها الجميع خطيرا جدا بل كان عندما يفكر في مواجهة أي إنسان فقد كان يفكر في تدميره وليس مواجهته وفي 24 ديسمبر 1984 تقف المحكمة البريطانية بجانب الفايد الذي يتعرض لتدمير ممنهج من مروان وتحكم المحكمة وتقضي بتحذير أشرف مروان في مواصلة استهدافه للفايد.
الفايد تمكن بعدها من السيطرة هو وأخوته علي 65% من أسهم هارولدز بموافقة السلطات البريطانية مقابل 615 مليون جنيه إسترليني.
محاولة أخري حاول فيها مروان شراء مليوني سهم تملكها في هارولدز شركة ألمانية في فرانكفورت تدعي "ريتشارد دوس" وكان هو قد تشارك معها من أجل ضرب مصالح الفايد ونجح فعلا في الدخول في شراكة معهم بشرائه 4 ملايين سهم في مشروعاتهم الأخري غير أن الفايد رفع قضية فصل بينه وبين مروان فقضت المحكمة الإسكتلندية بذلك حيث يحمل الفايد جنسيتها.
ويظل الصراع المشتعل بين الفايد ومروان وكانت وسائل الإعلام البريطانية تحكي أن الاثنين يبدآن يومهما بأن يبحث كل منهما فيما هو ممكن علي جدول الأعمال اليوم للضرر بالطرف الآخر ويقتل مروان في ظروف غامضة تنسبها المحكمة الإسرائيلية حاليا للرئيس المخلوع محمد حسني مبارك وبعد مقتله يشعر الفايد أن اللعبة انتهت فيقرر أن يلقي بها للبحث عن أخري فيبيع أسهم الفايد في هارولدز في 8 مايو 2010 مقابل مبلغ 1.3 مليار جنيه إسترليني أي ما يعادل 2.5 مليار دولار أمريكي لشركة "قطر القابضة للاستثمار" المملوكة للحكومة القطرية ويعود الفايد لمقر إقامته الحالي في إمارة موناكو السويسرية أما أشرف مروان فيعود هو الآخر لتتصدر أخبار التحقيق في مقتله أخبار العالم كله.