الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الضحية» خطوة على طريق تفكيك الفكر المتطرف

«الضحية» خطوة على طريق تفكيك الفكر المتطرف
«الضحية» خطوة على طريق تفكيك الفكر المتطرف




 

صدرت مؤخرا الرواية الأولى للكاتب نزار السيسى بعنوان «الضحية» عن مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر الفلسطينية وقد جاءت فيما يقرب من مائتى صفحة من القطع الصغير، وهى رواية مستقاة من أحداث حقيقية.. تتناول الرواية قصة حقيقية وقعت فى أرض الكنانة، وقد تكررت أحداثها فى أكثر من مكان نتيجة أفكار مغلوطة ومفاهيم خاطئة حول الإسلام والجهاد والإيمان والكفر والقتل والقتال، وفى الرواية جواب علمى شاف لكثير من الشبهات التى وقع بسببها الشباب فى براثن الغلو والتطرف وبيانا لعظمة هذا الدين الحنيف.
يشير المؤلف فى تقديم روايته قائلا: «أحداثها وقعت فى العام 2002 ومازالت مستمرة، وكانت البداية على أرض سيناء، وأحداث سبتمبر فى نيويورك المزلزلة، لكن الطبيب السيناوى أبو عبد الله يرى ما جرى من زاوية مختلفة، منذ الاحتلال الأمريكى لأفغانستان وحصار العراق وتدميرها، ودخول اليهود إلى سيناء يتطلب التمرد على الواقع المعاش، ولابد من البحث عن طرق جديدة للتغيير، وهو لا يملك مؤهلات علمية ولا فقهية، فانكب على الانترنت، وتابع مشايخ الجهاد وما يصدر عنهم من كتب ورسائل وفتاوى».

 

فى بداية الرواية يأخذنا الكاتب بأسلوب الفلاش باك الى العام 2002 ويرتحل بنا إلى عيادة الدكتور السيناوى أبو عبد الله فى حى المساعيد بمدينة العريش والذى يتحدث إلى صديقه أبو على وهما يفكران فى الأحداث من حولهما ويتبادلان الهواجس ومن خلال حوار قصير بين الاثنين اتفقا على عقد اجتماع فى جبل الحلال بعيدا عن أعين الأمن يحضره صديقاهما أبو على و أبو مصعب ومن هناك تبدأ أحداث التخطيط لنشاء جماعة وليدة اتفق أربعتهما على اختيار «التوحيد والجهاد» كاسم لها، وذهبوا بعدها لدعوة البدو وسكان الجبل للانضمام لها مستترين تحت شعار طرد اليهود من الجنوب ومن طابا وانضم لها المطاريد والجنائيين وتجار السلاح والمخدرات، ثم سعى مسئول التنظيم الوليد إلى استمالة أمراء ومسئولى الجماعات الأخرى مثل التنظيم القطبى، وبعد تنامى أعداد وأفكار الجماعة الوليدة كانت عناصر التوحيد والجهاد تخطط لتنفيذ عملية تحدث صدى تعلن معه عن ميلاد التنظيم باستخدام متفجرات من مخلفات الحرب.
يكشف المؤلف من خلال سياق روايته منهج الإخوان المعروف بعدم التصادم مع أى فريق خصوصا فى البدايات حتى يصلوا إلى غاياتهم كما يلفت إلى كثير من التفصيلات والتشكيلات التنظيمية المتواجدة فى المجتمع حين إذ، وأفكارهم وعقائدهم مثل جماعة التوقف والتبيين وأفكار الحاكمية.
يلفت المؤلف من خلال روايته إلى استغلال قيادات الجماعة الوليدة حاجة سكان العريش وسيناء وتصدير فكرة أن الحكومات المتعاقبة قد نسيتهم وأنها تهمل سيناء منذ زمن فأصبحت بيئة للأفكار الغريبة والعمالة والتجسس والخيانة.
ويلفت سياق الحوار إلى أن قيادات الجماعة قد تعلموا كبار مسائل الدين وجهلوا الأصول وصغار المسائل، وتكشف الرواية أفكار الدعوة السلفية وأسلوبهم فى الدعوة الجرح والقدح والنقد وإسقاط المخالف ويقدسون مشايخهم ولا يملكون علما مؤصلا، وأنهم يقولون إن العمل ليس من الإيمان، بل يدخل فى الواجب المستحب، والانحراف عندهم فى منزلة الأعمال، ويقولون بالسمع والطاعة ومع ذلك يخالون منهجهم فى السمع والطاعة ويعملون خلايا عنقودية فى السر ويسمونها السلفية التنظيمية، وهناك السلفية السعودية وسلفية الأردن وسلفية الكويت وسلفية القاهرة وهكذا، جميعا يقدحون فى بعضهم وبينهم معارك وخلافات، وأنها جميعا تستغل الإسلام، فيحصرون الإسلام الواسع الرحب فى جماعتهم ويوالون ويعادون عليها.

 

يتنقل الكاتب فى مهارة راصدا عملية التجهيز والإعداد من جانب الجماعة المتطرفة لتفجير فندق طابا المصرى والذى راح ضحيته مجموعة من السياح الأجانب وعدد من العاملين فى الفندق والتى جاءت مخالفة لتعاليم وأفكار «أبو رقية» وهو المنظر الشرعى السابق للتنظيم والتى عبر عنها قائلا:»لماذا يؤثرون غيرهم بهذا النعيم المقيم،وهم يعلمون أنه لا إيثار فى التقرب والطاعات؟!، أم هى حرب أشعلوها وقذفوا غيرهم فيها وفروا.. هل كان طلبه السفر للجهاد ليخدع المغفلين من الصغار بشعارات جوفاء وعندما يجد الجد يرجع ويتراجع، فلماذا لا يكون هؤلاء فى المقدمة إذا كانوا يؤمنون حقا بالجنة والحور العين؟!».
يغوص الكاتب فى شرح وتوضيح أفكار تلك الجماعة الوليدة من خلال سيناريوهات الحوار لأبطال روايته والتى يلعب دور البطولة فيها ضابط الأمن الوطنى شريف المصرى المسئول عن التحقيق مع المتهمين فى حادث طابا الإرهابى و«أبورقية» المنظر الشرعى السابق للتنظيم الرافض للعنف والمقبوض عليه على ذمة التحقيقات، وتكشف ملامح حواراتهما المتبادلة منهجهم المغلوط المبنى على اجترار تعاليم الدين وتفسيرها بشكل خاطئ وملتو يخدم أفكار قيادات الجماعة.
فى سياق الرواية ومن خلال الحوار والاختلاف بين قيادات التنظيم حول توصيف منفذ عملية طابا الإرهابية يلفت المؤلف إلى المفهوم الصحيح لوصف «الشهيد» ويلفت إلى كمية التناقض والاضطراب والهوى والفوضى التى تعترى مفهوم قيادات ذلك التنظيم الإرهابى مشيرا إلى ضلال وانحراف الجماعات التى قامت بقتل السادات «كانت تلقبه بالرئيس المؤمن، ثم أصبح الرئيس الكافر المرتد، ثم قتلوه، ثم تبين لهم أنهم كانوا على خطأ وضلال وأنهم تابوا وندموا على قتلهم الرئيس المسلم، وهكذا، ضلال وانحراف وجر الشباب إلى حرب هم وقودها».

ينتقل المؤلف فى روايته إلى أحداث تفجيرات دهب وكفر الشيخ والتى كان يروج لها قيادات التنظيم الارهابى باعتبارها انتصارا على الدولة وسرعان ما تلاشى هذا الوهم وتسرب سريعا لأنه من المستحيل أن تنتصر هذه المجموعة على الدولة، وتبدأ بعدها مرحلة الندوات والمراجعات الفكرية مابين المقبوض عليهم ومبادرة وقف العنف فى سيناء، وفى تلك الأثناء تتحول وتتطور العلاقة مابين شريف ضابط الشرطة و أبو رقية لتتحول الى صداقة واقتناع، ثم يتنقل المؤلف بين ثنايا روايته داخل إطار الزمن سريعا منتقلا إلى أحداث 25 يناير 2011 واضطرابات سجن العقرب وحكم الإخوان ثم تولى المجلس العسكرى وصولا تعاون أكبر مابين بطلى الرواية ظابط الأمن الوطنى شريف المصرى وأبو رقية المنظر الشرعى السابق للتنظيم والتى أدت إلى حقن الكثير من الدماء.