البرلمان الليبى يحيل رئيس حكومة الوفاق ووزير خارجيته للنائب العام
الصفعة
كتب ـ داليا طه وشاهيناز عزام ومحمد عثمان وخلود عدنان
ليس هناك دخان من غير نار، ولذلك فإن ما يتوارد من رفض عالمى واسع للتدخل العسكرى التركى الوشيك فى ليبيا، والذى سبقته تهديدات وعقوبات سيفرضها الاتحاد الأوروبى على تركيا، إذا لم تتوقف عن التدخل فى الشأن الليبى وسحب ولجم ميلشياتها التابعة لحكومة الوفاق الوطني، فقد يكون لتلك الأصداء انعكاسات على أرض الواقع وضربات موجعة لتركيا نظير تلك المؤامرة الأردوغانية المشئومة. ولكن رد فعل الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لا يدل على أنه يدرك حقا حجم الخطر المحدق به، بل تمادى بطريقة وأسلوب يؤشر بشكل واضح على معاناته من مرض «جنون العظمة»، إذ تجاهل التهديدات العربية والعالمية، مستندا للدور الذى تلعبه مليشياته والجماعات الإسلامية فى ليبيا والتى تبالغ فى تقدير القوة التركية، ليصدر برلمانه قرارا التصديق على إرسال قوات تركية لطرابلس وفقا لمذكرة التفاهم البحرية العسكرية الأمنية بين فايز السراج رئيس حكومة الوفاق وأردوغان، إلا أن الرفض العالمى ينذر أردوغان من مغبة الغزو العسكرى لليبيا والذى سيكون بمثابة انتحار سياسى ودبلوماسى فى الشرق الأوسط سيحول حلم الرئيس التركى وأطماعه فى تحقيق نزواته العثمانية واستعادة إمبراطورية أجداده إلى كابوس مزعج.
إدانات عالمية.. محاولات الغزو التركى لليبيا لاقت العديد من الإدانات أهمها ما صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، من تحذيرات لتركيا من مغبة إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، معتبرا أن أى دعم أجنبى للأطراف المتحاربة هناك لن يؤدى إلا إلى تعميق الصراع. وأكد الأمين العام أن الانتهاكات المستمرة لحظر الأسلحة المفروض بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 1970 الصادر فى 2011 وتعديلاته فى القرارات اللاحقة تزيد الأمور سوءا. الاتحاد الأوروبى أيضا أعرب عن قلقه بشأن انعكاسات موافقة البرلمان التركى لنشر قوات عسكرية فى ليبيا، مشيرا إلى أن خطوات أنقرة ستزيد من عدم الاستقرار فى المنطقة، رافضا الحل العسكرى للأزمة فى ليبيا، مطالبا باحترام قرار حظر الأسلحة الذى فرضته الأمم المتحدة ودعم مؤتمر برلين، باعتباره السبيل الوحيد نحو الاستقرار الليبي، مشيرا إلى أن بروكسيل ستدعم جميع التدابير لوقف التصعيد واستئناف المفاوضات السياسية. الجانب الأمريكى أيضا كرر رفضه لمخططات تركيا فى ليبيا، إذ قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لنظيره التركى أى «تدخل أجنبى سيعقد الوضع فى ليبيا». وبدورها أشارت الخارجية الأمريكية، إلى أن واشنطن ترى أن التحركات التركية تزيد من وتيرة الصراع الليبى، وحثت جميع البلدان على الامتناع عن تأجيج الصراع ودعم العودة إلى الحل السياسى. وذكر موقع «نورديك مونيتور» النرويجى بأن الاتفاق الأمنى العسكرى الذى تم توقيعه بين حكومة الوفاق الوطنى وتركيا الشهر الماضى يتعارض مع المادة 9 و 10 من قرارات مجلس الأمن الدولية. وأكد أنه من المتوقع أن تفتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا بشأن مذكرة التفاهم لفرض عقوبات على كلا الطرفين، موضحا أنه بموجب المادة 9 يحظر على الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة البيع المباشر أو غير المباشر للأسلحة بجميع أنواعها بما فى ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار الخاصة بها، كما يحظر تقديم المساعدة التقنية، والتدريب، أو المساعدات المالية أو غيرها من المساعدات، المتعلقة بالأنشطة العسكرية أو توفير أو صيانة أو استخدام أى أسلحة أو معدات ذات صلة، بما فى ذلك توفير أفراد مرتزقة مسلحين. وأشار الموقع إلى أنه بموجب المادة 10، يحظر على ليبيا تصدير جميع الأسلحة والمعدات ويحظر على الدول الأعضاء شراؤها أو استخدام سفنهم أو طائراتهم التى تحمل العلم الليبى. وبالإضافة إلى القرار 1970 (2011)، فإن الاتفاقية الأمنية بين تركيا وليبيا، والتى تسمح للرئيس أردوغان بنقل وحدات شبه العسكرية وجهاديين فى إدلب إلى ليبيا، تنتهك أيضًا قرارات مجلس الأمن المختلفة بما فى ذلك 2174 (2014) و2213 (2015) والتى تؤكد على وجود جماعات إرهابية فى ليبيا تعلن ولاءها لتنظيم الدولة الاسلامية فى العراق (داعش). رفض عربى.. وكانت مصر أولى الدول العربية التى أعلنت رفضتها تلك التحركات الاستفزازية، إذ أدانت الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية الخطوة التركية باعتبارها انتهاكا لمقررات الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن حول ليبيا. كما أدانت دولة الإمارات العربية المتحدة القرار التركى، معتبرة إياه انتهاكا واضحا لمقررات الشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن حول ليبيا، مؤكدة رفضها لأى مسوغات قانونية واهية تستخدمها تركيا، وحذرت من الدور الخطير الذى تلعبه تركيا بدعمها للتنظيمات المتطرفة والإرهابية عبر نقل عناصر متطرفة إلى ليبيا. وأعلنت الجزائر رفضها لإرسال أية قوات تركية إلى الأراضى الليبية، معربة عن أن هذه الخطوة من شأنها أن تزيد من وتيرة الحرب فى البلاد، إذ أكد وزير الخارجية الجزائرى صبرى بوقادوم أن الجزائر ترفض وجود أى قوة أجنبية مهما كانت هويتها فى ليبيا. وبعد ما أثير فى الأيام الماضية عن تذبذب الموقف التونسى تجاه التدخل التركى فى ليبيا، حسمت الرئاسة التونسية موقفها بالرفض التام لمثل هذه التحركات، نافيا فى الوقت نفسه وجود أى حلف مع أحد أطراف النزاع فى ليبيا، رداً على ما ورد خلال لقاء أردوغان بالرئيس التونسى قيس السعيد. وأصدرت أحزاب تونسية بيانات منددة بزيارة الرئيس التركى وتصعيد الحرب فى ليبيا، ومن بينها «حركة الشعب» و«حركة مشروع تونس» و«حزب العمال» و«الحزب الدستورى الحر». وكعادتها خالفت الإجماع العربى والدولى بدعم عدوان تركيا على ليبيا، إذ انحازت قطر لحليفتها تركيا فى عدوانها الوشيك على دولة عربية شقيقة. وتعد هذه المرة الثانية خلال 4 شهور، التى تخالف فيها قطر الإجماع العربى والدولى وتدعم أنقرة، بعد أن سبق وأعلنت دعمها العدوان التركى على سوريا فى أكتوبر الماضى.
الليبيون ينتفضون.. فى سياق متصل، أحال البرلمان الليبي، أمس السبت، رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، ووزير خارجيته للنائب العام، ومنع صدور الاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق بالجريدة الرسمية، كما رفض البرلمان المصادقة على الاتفاقية بين تركيا وحكومة الوفاق. وطالب رئيس لجنة الدفاع فى البرلمان بتوجيه تهمة الخيانة العظمى لرئيس المجلس الرئاسى فايز السراج. وأعلن رئيس لجنة الخارجية بالبرلمان الليبى أن البرلمان سيطلب من مجلس الأمن عقد جلسة طارئة. كما أشار إلى تشكيل فريق قانونى لمحكمة العدل الدولية لإبطال اتفاقية السراج مع تركيا. وطالبت لجنة الخارجية بالبرلمان بتحرك دولى وعربى لصد التدخل التركى فى ليبيا. يأتى ذلك تزامنا مع دعوة قائد الجيش الوطنى الليبى خليفة حفتر، للنفير العام فى مواجهة العدوان التركى على حد وصفه. وقال خليفة حفتر إن معركة طرابلس أوشكت على نهايتها، واتهم الرئيس التركى أردوغان بالمغامرة لإحياء الإرث العثمانى فى ليبيا والمنطقة العربية. من جانبه قال المتحدث الرسمى باسم مجلس النواب عبد الله بليحق إن مجلس النواب صوت بالإجماع على إلغاء اتفاقية التعاون الأمنى والعسكرى وترسيم الحدود البحرية الموقعة بين حكومة الوفاق الغير شرعية والنظام التركى واعتبارها كأن لم يكن.