متلازمة الاحتراق النفسى.. اللامبالاة والسخرية من المشاعر وفقدان الهدف
احمى أولادك من ضغوط الحياة

مروة فتحى
يصل كثير من الأشخاص لمرحلة من الإرهاق الشديد تحت وطأة ضغوط الحياة، ولكن مع استمرار هذا الإرهاق وهذه الضغوط لفترات طويلة وبشكل متكرر، قد تظهر حالة من الإجهاد النفسى والجسمى وظهور بعض المشكلات الصحية على الفرد، فضلًا عن الشعور باللامبالاة والسخرية تجاه مشاعر الآخرين وفقدان الدافعية للعمل والشعور بتدنى الإنجاز الشخصى وتدنى النظرة للذات، وهذا ما يسمى بمتلازمة الاحتراق النفسى.
محمد محمود أحمد، أخصائى علاقات إنسانية واجتماعية، أوضح أنه ليس كل مَن يتعرّض للإرهاق، يصاب بالضرورة بالاحتراق النفسي، ولكن إذا استمر هذا الإرهاق لفترة طويلة، فمن الممكن أن يتحوّل إلى استنزاف جسمى وانفعالى ويصل إلى الاحتراق النفسي، حيث إن الفرد ضحية الاحتراق النفسى قد ينكر هذه الحقيقة ويستمر على إنكارها طويلًا، حتى إذا أحاطت به، يبدأ يحس بالخطر. ولفت إلى أن ضحايا الاحتراق النفسى هم من الأشخاص الذين يبذلون قُصارى جهدهم ولديهم شعور متميّز بالمسؤولية ويطالبون أنفسهم والمحيطين بهم بالكثير وبصورة مُفرطة، ولكن قد يتضاءل هذا المخزون العاطفى تدريجيًا، وتدهور الحالة النفسية والجسمية، حتى يُصاب صاحبها بالإحباط والعجْز عن أداء مهامه الدراسية أو الوظيفية، ويفقد الشعور بمُتعة الحياة، فيعزف عن النوم وينحدر من سلبية إلى أخرى. وأكد أخصائى العلاقات الإنسانية أن الأسباب المؤدية إلى الاحتراق النفسى تنتج عن تراكم المشكلات الشخصية والأسرية والمهنية واضطراب الحياة الزوجية وزيادة توقعات الفرد وآماله،وضغط العمل المستمر، حيث يشعر الفرد بأن عليه أعباء كثيرة ولابد من تحقيقها فى وقت قصير وبإمكانات محدودة، وعدم الانصاف والعدل فى الحوافز، الترقيات، المكافأت وغير ذلك. وحذر محمود من أن الاحتراق النفسى ينجم عنه العديد من الآثار تتمثل فى المشكلات الصحية ومنها أمراض القلب، ضغط الدم، الصداع، آلام الظهر، سكر بالدم، قرحة المعدة، بالإضافة إلى الاستنزاف العاطفى والانفعالي، وتبلد المشاعر، والتقييم السلبى للذات، الكآبة، الشك، العصبية، الملل، التوتر، القلق، التغيير فى الحالة المزاجية، الاكتئاب، أما من حيث الآثار السلوكية، اضطرابات الأكل، اضطرابات النوم، اللجوء إلى التدخين، تناول الكحول، العدوانية، عدم الاهتمام بالمظهر الشخصي، وغيرها. وأوضح أن هناك آثار معرفية، تتمثل فى تدهور الانتباه، ضعف التركيز، ارتفاع نسبة الخطأ، تهويل الأحداث، ضعف القدرة على حل المشكلات، اتخاذ القرارات بشكل غير سليم، وغيرها، فيما تتمثل الآثار الاجتماعية، فى الشعور بالاغتراب عن مجال العمل، فقدان الرغبة فى العمل، ضعف علاقات الفرد الأسرية والعائلية، الانسحاب والعزلة من العلاقات وأضاف أن مّا يثير الاستغراب، هو تسلّل متلازمة الاحتراق النفسى إلى الأمهات فى المنزل، فكثرة المهام مع عدم التقدير قد يؤدى إلى الاحتراق النفسي، ذلك لأن الأم تقوم بأدوار متعددة فى الحياة اليومية، حيث تأخذ على عاتقها العناية والاهتمام بمتطلبات زوجها وأطفالها كما أن متلازمة الاحتراق النفسى يمكن أن تصيب الأطفال والمراهقين أيضًا، لاسيما الذين يقعون فريسة لضغط تحقيق أفضل الدرجات والوصول للمثالية فى الدراسة. وأكد أنه يمكن للآباء والأمهات الاستدلال على إصابة طفلهم بمتلازمة الاحتراق النفسى من خلال ملاحظة بعض العلامات التحذيرية، مثل الإرهاق أو فقدان الدافعية المستمر وضعف التركيز وتراجع معدلات الإنجاز أو عدم قدرة الطلاب على إدارة أوقاتهم، وهذا غالبًا ما يحدث فى الأسر التى يسود بها الضغط الناجم عن الطموح الزائد وقلة التفاعل وضعف الإتصال الأسرى وقلة التواصل البصرى وعدم تقدير الطفل، بالإضافة إلى عدم وجود الاحتواء والمساندة الاجتماعية داخل الأسرة. وعند ملاحظة هذه الأعراض، ينبغى على الآباء والأمهات أولًا التحدث مع الطفل لمعرفة سبب ذلك، ولابد من مراعاة إبداء الاهتمام وسؤاله عما يتمناه وعدم توبيخه أو السخرية منه، ثم محاولة بعث المرح لديه من خلال استثمار أوقات الفراغ فى ممارسة الأنشطة والهوايات، لأن أوقات الفراغ هى العدو الأول للطفل، فيجب استثمارها بطريقة إيجابية هادفة حتى تعود بالنفع على الطفل والأسرة، ولكن ينبغى على الآباء مكافأة الطفل وتشجيعه عندما يفعل شيئًا إيجابيًا. وأوضح أن وعى الفرد بأن لقدراته حدود، أمر فى غاية الأهمية، بالإضافة إلى أنه يوجد كثير من الطلاب الذين يجِدون صعوبة فى تحمّل أعباء المسئولية وإدارتها، من أنهم أكثر استعدادًا وطموحًا ويُـدركون هدفهم جيدًا، لكن لديهم فى الوقت نفسه صعوبة فى مواجهة المشكلات، لذلك فأنه لابد أن يتم عمل دورات تدريبية فى إدارة الوقت، والتى تُمكن الطلاب من تعلم كيفية إدارة وحُـسن استغلال الوقت الاستغلال الأمثل، ولا شكّ بأن حضور الطلاب لمثل هذه الدورات، هو السبيل لإدراك الأحوال الحرجة قبل أن تضغط أكثر فأكثر وقبل أن يفوت الأوان (الوقاية خير من العلاج).