الخميس 27 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بإجماع الفقهاء.. القصاص من البلطجية بالسحل والقتل حرام شرعاً





 
انتشرت فى اكثر من قرية مصرية ظاهرة قتل البلطجية والسارقين وتعذيبهم ووصل الحد الى تشويههم بعد موتهم بحجة انهم يستحقون ذلك لانهم مفسدون فى الارض وكان آخرها بقرية السدود بالمنوفية حيث قام الاهالى بتجريد 5 لصوص من ملابسهم و سحلهم حتى الموت وهو الأمر الذى سبقه فى الشرقية والغربية.. ما شجع على انتشار ذلك الامر فى أكثر من مكان فى مختلف أنحاء الجمهورية ومن المتوقع ان يصبح شيئًا عاديًا فى دولة القانون.
 
القضية خطيرة. ومؤشر مؤسف على مستقبل الدولة، خطيرة من البعد السياسى وكذلك الدينى والشرعى الذى حدد الحدود لمثل هذه الجرائم وحدد طرق تطبيقها حتى لا تنتهك ولخطورة القضية عرضناها على علماء الشريعة.فمن جانبه يقول الشيخ عبدالحميد الاطرش  رئيس لجنة الفتوى بالأزهر السابق يجب ان نتفق أولا على أننا فى دولة بها قانون ومؤسسات والمنوط به تحديد الجريمة. وإقرار العقوبة هى أجهزة الدولة.. الاجهزة الأمنية والقضاء.
 
وشدد على  ان  الافراد والجماعات لا يحق لهم شرعاً تطبيق الحدود والعقوبات على من أجرم فالحدود فى الشرع هى عقوبات شديدة قاسية شرعت من أجل الزجر، ولما كانت الحدود شديدة قاسية كان لابد من الاستيثاق من الجريمة. فلا تثبت إلا بالإقرار الصحيح أو الشهادة وإذا وجدت شبهة فلا يقام الحد ويمكن ان تتحول العقوبة إلى التعزير.ولفت إلى انه لأهمية الحدود فى الاستقرار الأمنى وجب على ولى الأمر أن يتولى هو تنفيذها. فلا يقيم الحد إلا الحاكم بمقتضى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم او من ينوب عنه فقط لا غيرهم من عامة الناس أو الجماعات حتى لا تكون فى البلد فوضى فى تنفيذ العقوبات.

 

وأكد الأطرش أن قضاء الدولة هو الذى يحقق فى القضية ويتأكد من حيثياتها ثم يصدر الحكم طبقاً لما يثبت لديه من الادلة القاطعة على تورط المجرم فى جريمته فيقيم الحد عليه بنفسه أو يأمر أحداً من خواصه بإقامته. وأضاف أن  سحل الجثث والطواف بها فى الشوارع عمل منهى عنه شرعاً.كما يقول احمد ترك إمام مسجد النور مضيفاً أن ذلك ليس من الاسلام  حتى اذا كان الميت مجرمًا وذلك احتراماً لجسد الانسان الذى كرمه الله سبحانه وتعالى سواء كانت هذه الجثة لكافر، أو بلطجي. أو سارق. أو قاتل. فللميت حرمته كما تعارف العلماء على ذلك، ووصف ترك تلك المسألة بأنها تعد على هيبة الدولة وتخليص الدولة من مهامها واسنادها للأفراد وهو منهى عنه شرعاً.

 

ويقول محمود عاشور وكيل الازهر السابق: إن تلك الظاهرة من أبشع الجرائم وأشنعها، ومن أسوأ الظواهر وأخطرها، إذا تفشَّت فى مجتمع أو انتشرت فى بيئة أدت بأهلها الى الهلاك، وإنها تفتح أبواب الشر، وتحوّل حياة الناس إلى صراعات لا تنتهى، وتحويل الحياة إلى سلسلة من الاغتيالات على مذابح الأضغان ، فيظهر فى كل يوم دم من هنا ودم من هناك· وشدد على أن هناك فرقاً بين القصاص والانتقام، فالأول بيد الحاكم أو ولى الأمر وليس بيد أفراد المجتمع صيانة للحرمات وحقنا للدماء، وتطبيقا للعدالة.

 

 

ويقول عاشور ان من اسباب انتشار تلك الظاهرة رواسب الحقد والضغائن وحب التشفى والانتقام من الآخر التى ظهرت فى الفترة الأخيرة، وقد نهى الإسلام عن هذه الرذائل التى تشعل نار البغضاء والانتقام. د.مبروك عطية الاستاذ بجامعة الأزهر قال إن  هؤلاء البلطجية كان من الواجب تطبيق الدولة حد الحرابة عليهم شرعاً. مضيفا ان هؤلاء يستندون على مفهوم « الحرابة « و هى خروج طائفة مسلحة أو فرد مسلح فى بلاد المسلمين لإحداث القتل والفوضى وسفك الدماء. وسلب الاموال. وهتك الأعراض. وإهلاك الحرث والنسل فى تحد سافر للقانون والنظام العام.

 

ولفت إلى أنه يدخل فى مفهوم الحرابة بالمعنى المعاصر عصابات القتل. وخطف الأطفال. ولصوص السطو على البيوت والمؤسسات، ولذلك يقول الله تعالي: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم».. وعقوبات المحارب أربع وهى إذا كانت الحرابة مقصورة على قطع الطريق دون القتل والسلب فالعقوبة النفى أى السجن أما إذا كانت الحرابة قطع الطريق مع السلب فالعقوبة قطع الايدى والأرجل من خلاف وأما إذا كان هناك قتل فقط فوجب القتل وإذا كان هناك قتل وأخذ مال فالعقوبة القتل والصلب، ولكن العقاب  تنفذه  الدولة بما يتناسب مع جرم هؤلاء المجرمين.
 
وتتفق معه د. سعاد صالح أستاذ الدراسات الإسلامية بالازهر على ان تلك الظاهرة  تكشف عن خلط ربما يكون غير متعمد بين حق الفرد وحق الدولة والمجتمع فى تغيير المنكر أو حماية أمن المجتمع والحفاظ على حقوق مواطنيه حيث يعكس فهمًا خاطئًا لمقاصد الشريعة وأحكامها ومبادئها باعتقادهم أنهم ينفذون شريعة الله ويقيمون عدله، وهو ما يستوجب تسجيل ملاحظتين مهمتين لإجلاء حقيقة الشريعة الاسلامية وضوابط تطبيقها، ومن المهم قبل تطبيق الحدود نسأل  من له الحق فى تنفيذ القانون وإقامة العدالة هو الدولة والقضاء وليس عوام الناس فالتهم لا تؤخذ بالشبهات والاتهامات المرسلة بل بالأدلة القاطعة والعادلة حتى لا يقتل برئ أو يسحل مظلوم أو تقطع الرقاب بالوشاية الكاذبة.
 

 
و يؤكد د . محمد الشحات الجندى: إن الفهم الخاطئ لأحكام الشريعة الإسلامية هو ما يؤدى الى الخروج عن ضوابط تطبيقها فتغيير المنكر كما ورد فى الحديث النبوى الشريف: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان لا يعنى تغيير الناس للمنكر بأيديهم وقيامهم بتطبيق الحدود أنه افتئات على حق المجتمع والدولة، ويؤدى إلى فوضى وترويع للمجتمع وتطبيقا لشريعة الغاب بعيدا عن شرعية القانون المستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها، وحتى لا يقع بإنكاره باليد ما هو أنكر من المنكر الذى أنكره، وإنما التغيير باليد هى مهمة الحاكم وأجهزة الدولة من القضاء والشرطة منفردا، فى حين أن التغيير باللسان مهمة مشتركة للحاكم وأجهزة الدولة والفرد معا بشرط الالتزام أيضا بالضوابط الشرعية فى تقديم النصح والإرشاد ليظل التغيير بالقلب مهمة كل إنسان بألا يقع فى الخطأ.