الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
تجارة الآثار..  وخيانة الأوطان

تجارة الآثار.. وخيانة الأوطان

قبل افتتاح متحف كهف القائد الألمانى «روميل» الملقب بـ«ثعلب الصحراء» بمدينة مرسى مطروح، يوم 25 أغسطس 2017، دار حديث مطول اتسم بالودية مع وزير الآثار المتميز الدكتور خالد العنانى، بحضور نخبة من الزملاء بعدد من المؤسسات الصحفية، حول جرائم سرقة وتجارة الآثار التى لا تقل خطورتها عن خيانة الأوطان، وحالة الهوس الشديد التى انتابت بعض المصريين، للتنقيب عن الآثار سواء فى مسقط رأس الوزير بمحافظة الشرقية، أو بمحافظات الصعيد، بعدما راود هؤلاء اللصوص «معدومى الإنسانية والوطنية» أحلام الثراء، للحاق بقطار بعض الأغنياء الذين كونوا ثرواتهم من «التجارة الحرام».



فالأراضى المصرية لم تبح بعد بكل أسرارها، وأنها عائمة على كنوز أثرية هائلة، وما تم اكتشافه يمثل نحو 30% من كنوزها، وما يتم ضبطه من « آثار ولصوص» لا يمثل سوى نسبة ضئيلة حيث يتكالب اللصوص على عمليات التنقيب والاتجار فى الآثار، استنادا إلى فتاوى سلفية وإخوانية مضللة تبيح عمليات التنقيب بالمنازل والأراضى ذات الملكية الخاصة، باعتبار أن «الركاز» الذى يوجد فى باطن الأرض ملك صاحبها، وهو ما تصدت له دار الافتاء بالتأكيد على أن الأرض ملك صاحبها، أما ما فى باطنها من كنوز ومعادن فهو ملك للوطن.

الحديث امتد إلى الأساليب التى يتبعها اللصوص للتنقيب على الآثار، ويشارك فيها عدة أطراف، حيث يلجأ صاحب المنزل إلى «الوسيط» الذى يستعين بالدجالين من المشايخ والمشعوذين، الذين يدعون قدرتهم على استخراج الكنوز المدفونة فى باطن الأرض، والسيطرة على «الجن» المكلف بحماية المقبرة، بتلاوة نصوص غير مفهومة أو ما يعرف بـ»التعزيم» وإشعال «البخور المغربى»، وباستخدام أجهزة الكشف عما فى باطن الأرض، تبدأ أعمال الحفر العميقة التى يمولها بعض « السذج» الذين يسقطون فى فخ عمليات النصب، وحتى تكتمل الحبكة الدرامية يتم الاستعانة بأشخاص ينتحلون صفة «مفتش آثار»، لإقناع المشترى أن القطع الأثرية أصيلة، وليست تقليدية.

وزير الآثار المجتهد، احتفظ بهدوئه المعهود ولم يبد أى انزعاج مما وصل إلى مسامعه، ورد فى هدوء شديد قائلا:» عمليات سرقة المقابر قديمة قدم الحضارة المصرية، ويتم التصدى لها بكل حزم وحسم منذ عهد ملوك الفراعنة، وقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، وتعديلاته يجرم عمليات الاتجار فى الآثار، وجرائم التنقيب أسفل المنازل والأراضى الخاصة تتطلب تضافر جميع المواطنين للإبلاغ عنها، مشيرا إلى أن كثيرا منها لا يعدو كونها عمليات نصب واحتيال من الدجالين والمشعوذين والطامعين الطامحين للانتقال إلى عالم الثراء السريع.

تذكرت الحديث الذى دار مع الوزير خالد العنانى، عندما تلقيت خلال الأيام القليلة الماضية رسالة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تقول :» أخويا وخالى معاهم مقبرة لأسرة فرعونية بالشرقية وعايزين مشترى وليك نسبة»، اعتقدت فى البداية أنها مداعبة على طريقة «أبوك لاقى أثار إنزل البلد بسرعة»، ولكن فوجعت من هول الصدمة عندما تكرر مضمون تلك الرسائل من حسابات مختلفة، ولكن المقابر هذه المرة لأسرة فرعونية كاملة بالأقصر، بما يعنى أن مواقع «السوشيال ميديا» تحولت إلى مأوى لـ»مافيا الآثار» وأن عمليات الاتجار تتم على الملأ، ومن خلال «جروبات» تنشر إعلانات لبيع قطع أثرية، وبيوت أسفلها أثار، وزئبق أحمر، وإعلانات أخرى تبحث عن شيخ سودانى للمساعدة فى التنقيب على الآثار.

إذا كنا نتفق على أن التنقيب والاتجار فى الآثار جريمة لا تقل خطورتها عن خيانة الأوطان، فى العقوبة المنصوص عليها فى قانون العقوبات، أو تعديلات قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، والتى تقضى بالحبس والغرامة لا تكفى لردع اللصوص الذين ينهبون تاريخ الوطن، ولكى نحافظ على هوية وذاكرة الوطن يجب أن تصل العقوبة إلى الإعدام.