«الياس زغيب» أمين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين: النّاشر المثقّف أصبح عملـة نـادرة

خاص لـروزاليوسف من لبنان: حوار ــــ إيهاب القسطاوى
يعتبر اتحاد الكتاب اللبنانيين مؤسّسة وطنية جامعة ينضوى تحت لوائها كتاب وشعراء لبنان؛ وهو جزء من الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، وللاتحاد اللبنانى مواقف وطنية داعية للتقارب واللحمة بين اللبنانيين فى مختلف الظروف التى مر بها لبنان، ومازال إلى اليوم يحمل لواء الثقافة والإبداع والموقف الحرّ.. ومن هذا الألق والرونق الجميل يدور الحديث مع ضيفنا الشاعر الياس زغيب أمين عام اتحاد الكتاب اللبنانيين الذى يفتح صدره ويتحدث عن مشكلات النشر والإبداع فى لبنان والعالم العربى.
■ حدثنا عن بداياتك فى عالم الادب؟
ـ أنا ابن بلدة حراجل الكسروانية فى أعالى جبل لبنان، هذه البلدة التى ارضعتنى الشعر يوم فتحت عينيّ على الدنيا فتنفّسته مع الهواء وشربته من ينابيعها الرّقراقة. فى حراجل عدد كبير من الشّعراء خصوصًا الشعبيّين منهم، بالتالى فإنّ البيئة تحبّ الكلمة وتستسيغها.
فى هذه البيئة ولدت وترعرعت، ولا أذكر يوم بدأت كتابة الشعر، كلّ ما أعرفه أنّنى منذ سنواتى التسع الأولى وفى يدى قلم وامانى ورقة أدون عليها ما كنت اعتبره شعرًا. ويومًا بعد يوم اكتشفت موهبتى وطورتها خصوصًا بعد دخولى كليّة الأداب ودراسة الأدب العربى.
■ ما الشعر بالنسبة إليك؟
ـ الشعر بالنّسبة إليّ هو حياتى بأدقّ تفاصيلها، لذلك اعتقد أن الشعر يعيش معى وفيّ. اشعر انّنى بتكوينى الجينيّ شاعر. ولا خلاص للإنسانية من أزمتها الوجوديّة ومن التحدّيات الماديّة التى تواجه الإنسان إلا بالشعر.
■ لماذا تجمع ما بين اللّبنانيّة المحكيّة، والعربيّة الفصحى فى كتابة الشعر.. وإلى أيهما تميل؟
ـ نشأت وتربّيت على المحكيّة اللبنانيّة، امّا العربيّة الفصحى فقد كنت أتقنها منذ نعومة اظفارى وزاد اهتمامى بها بعد دراستها ونيل شهادة الدكتوراه باللغة العربية وآدابها. ويبقى أن نشير إلى أن المحكيات هى لغات القلب والعفويّة والانفعال الصادق، وقد ظهرت بعض الأصوات فى مصر ولبنان المنادية بإحلال المحكية مكان اللغة العربية واعتمادها لغةً رسميّة للدولة.
أنا أقارب الموضوع من جهة مختلفة، إذ اعتبر أن أى لغة هى كائن اجتماعى ينمو ويكبر ويثبت نفسه. وبالتالى فإنّ اللغة القادرة على إثبات نفسها هى التى ستفرض حضورها على معاملات الدولة الرسميّة. ومن يراقب الوسط الثقافى والحضارى يجد انّ اللغة العربيّة ما زالت فتيّة لها حضورها وهى تؤدّى المطلوب فى أكثر من ميدان.
على المستوى الشّخصى افضّل المحكيّة فى الشعر وفى الفن بشكل عام لكونها أقرب إلى نبض الناس وتحمل كثيرًا من الانفعالات الإنسانيّة الصادقة. لذلك نشرت الشعر بالمحكية اللبنانيّة والدراسات النقدية وبعض المقالات فى العربية الفصحى. باختصار أحبّهما وأنا متصالح مع كلتيهما.
■ ما أوجه التعاون ما بين اتحاد الكتاب اللبنانيين والمصريين والعرب؟
ـ نحن فى اتّحاد الكتّاب اللبنانيّين جزء من الاتّحاد العام للكتّاب والأدباء العرب الذى ترأسه حاليًّا مصر بشخص سعادة الدكتور الصديق علاء عبد الهادى رئيس نقابة اتّحاد الكتّاب المصريّين.
ومن خلال الاتحاد العام نحن على علاقة تعاون وتنسيق مع الاتحادات العربية عمومًا ونقابة اتحاد الكتاب فى مصر العزيزة خصوصًا، ويظهر ذلك جليًّا من خلال بياناتنا التى نحدّد فيها مواقفنا الموحّدة من القضايا العربيّة المشتركة.
على أمل ان تسمح لنا الظروف فى القريب العاجل ان ننجز بعض الثقافية المشتركة. ■ ما أبرز التحديات التى يواجهها الاتحاد؟
إنّ أبرز التحدّيات التى يواجهها اتحاد الكتّاب اللبنانيّين هى تحدّيات مادّيّة. لقد وضعنا خططًا تطويريّة للمستقبل بغية مواكبة العصر والحداثة، ونحاول إنجاز ما استطعنا منها. لكنّ المادّة تحول فى كثير من الاحيان دون تحقيق ما نصبو إليه، لذلك نستعيض عنها بالمبادرة والإرادة الصلبة محاولين دائمًا بما تيسّر أن نكون إلى جانب الكاتب اللبنانيّ وان نلبّى شيئا من طموحاته ومن توقعاته من اتّحاد الكتّاب اللبنانيّين.
■ كيف تواجهون ظاهرة تزوير الكتب؟
ـ هذه الظاهرة ليست منتشرة فى لبنان، مع العلم أنّنا حاضرون دائمًا لنصرة الحقوق لاسيّما حقوق الملكيّة الفكرية، والوقوف مع الكاتب المضاّر جنبًا إلى جنب معنويًّا وقضائيًّا وإعلاميًّا.
لقد أصبحنا فى زمن مفتوح حيث لا حدود ولا ضوابط، وربّما بتعاوننا مع الجهات الرسميّة فى لبنان وفى العالم العربيّ يمكننا ان نحدّ من بعض مظاهر التفلّت الثقافى والفلّت الاخلاقى.
■ ما أزمات الناشرين فى لبنان والعالم العربى؟
ـ للأسف إنّ العالم العربيّ باسره يغرق شيئا فشيئا فى مستنقع الاستهلاك، أصبحنا نستهلك حتى الأفكار، ومن المعروف أن من ينتج هو من يفرض لغته وعملته وثقافته على المستهلك.
من هنا تأتى أزمة النّشر، خصوصًا إذا أخذنا بالاعتبار تدنّى المستوى الثقافى فى العالم العربى الناتج عن تقلّص عدد القرّاء. أضف إلى ذلك انّ النشر فى لبنان أصبح مكلفًا على اللبنانيّين بعد الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار الهستيرى أمام الليرة اللبنانيّة، ومعظم الكتاب والأدباء هم من ذوى الدّخل المحدود.
بالإضافة إلى ذلك لا يخفى على احدٍ انّ النّاشر المثقّف الرسول اصبح عملة نادرة، وقد حلّ مكانه اصحاب الرّساميل الذين لا يرون فى النشر سوى توظيف اموالهم بغية الربح المادّي، ما يؤثّر سلبًا على نوعيّة المواد المنشورة.
■ أسست مع الدكتور ديزيره سقال جمعية تجاوز. ما أهداف هذه الجمعية وما مشاريعها المستقبلية؟
لقد أسس الدكتور ديزيره سقّال عام ٢٠٠٤ جمعيّة تجاوز الثقافية، وكنت إلى جانبه ومجموعة من الزملاء والأصدقاء فى التأسيس، ونشأت جمعية تجاوز كجمعية نخبويّة تشجّع الادب الطليعيّ عند الشباب.
لقد كان لجمعيّة تجاوز الثقافيّة بصمتها الثقافيّة المؤثّرة فى الوسط الثقافى اللبناني، وساهمت فى تشجيع وتظهير عدد كبير من المواهب الأدبية والفنيّة الحقيقيّة.
حاليًّا، ابعدت نفسى قليلاً عن موقع القرار فى تجاوز لأتفرّغ للعمل فى اتّحاد الكتّاب اللبنانيّين ولأكون على مسافة واحدة من الجمعيات والمنتديات جميعًا. لكنّ تجاوز هى الجمعيّة الامّ التى طبعت شخصيّتى الأدبية وارى مستقبلها كما ماضيها مضييًا، وهى ستستمرّ فى اكتشاف المواهب وتقديمها للساحة الثقافيّة اللبنانيّة وللساحة العربيّة.
■ كيف ترى موقع الكتاب والنشر العربى بالنسبة إلى حركة النشر العالمية؟
ـ بالواقع لا املك المعلومات الكافية لاحكم على حركة النشر العالميّة، لكن ما اعرفه من خلال متابعتى وقراءاتى انّ حركة النشر فى العالم اليوم ليست بأفضل حالاتها، طبعًا إذا استثنينا حركة النشر العلمي، حيث تزدهر الأبحاث العلميّة ويتمّ نشرها فى المجلات العلمية المحكّمة.
على كلّ حال، فإنّ موقع الكتاب بشكلٍ عام يتراجع لكنّه يبقى فى الغرب افضل حالاً من موقعه عند العرب فى الأونة الأخيرة حيث الصراعات والمشاكل السياسيّة والاقتصادية والطائفيّة لا تسمح كثيرًا بالاهتمام بالثقافة والادب.
■ كيف ترى مستقبل النشر فى لبنان والعالم العربي؟
ـ النّشر فى لبنان وفى ايّ مكان فى العالم بحاجة إلى ظروف مساعدة؛ فى العصر العبّاسيّ ساهم تشجيع الخلفاء فى ازدهار الثقافة وخلق حضارة عربيّة عظيمة.
اصحاب القرار اليوم لا يأبهون كثيرًا للثقافة، ربّما عن عمدٍ او عن عدم معرفة أهمية الثقافة فى تطوّر الشّعوب وتقدّمها وفى بناء حضارة عظيمة.
ومع ذلك يبقى الامل موجودًا فى ان يستعيد لبنان دوره كمطبعة ودار نشر للعالم العربى مستفيدًا من انفتاحه ومن أجواء الحرّيّة فيه، بالإضافة إلى المواهب الحقيقيّة التى يمتلكها؛ كما أمل أن تستعيد الدول العربيّة نشاطها الثقافى مستفيدةً من العدد الكبير من الطاقات الإبداعيّة الشابّة القادرة على إعادة إنتاج هويّة ثقافيّة حقيقيّة تطلّ من خلالها على العالم.
■ هل أثرت التكنولوجيا الحديثة على حركة النشر فى العالم العربى سلبيا أم ايجابيا؟
ـ حركة التكنولوجيا الحديثة أثّرت سلبًا على الكتاب من دون ان توثّر على الكتابة، لقد تحوّل النشر من عالم الورق إلى العالم الرّقمي، واصبح لكلّ كاتب صفحته ومنصّته الخاصّة التى يظهر نتاجه من خلالها. هذا ما أدّى إلى شىء من الفوضى على مستوى النشر كتابةً ونقدًا بالإضافة إلى حلول الكتاب الإلكترونى مكان الكتاب الورقي.
كلّ هذا وغيره انعكس على واقع النشر فى لبنان وفى العالم العربيّ، ولا اعرف إذا كان هذا الواقع سلبيًّا او هو مجرّد تاقلم ومواكبة للحداثة وللتطوّر التكنولوجيّ. لكنّ ما أخشاه أن يكون هذا التّطوّر مطيّة للمتحكّمين بوسائل التواصل وللمسيطرين على التكنولوجيا فى العالم ليحكموا قبضتهم على الشّعوب، ما يودّى إلى طمس ثقافات المجتمعات الضعيفة ومحوها على حساب نشر ثقافة العولمة مستفيدين من انهيار الحواجز والحدود ومن قوّتهم التكنولوجيّة.
■ هل أثر تفجير مرفأ لبنان على حركة النشر اللبنانى؟
ـ تفجير مرفأ بيروت هو جريمة كبرى كان لها أثرها السلبيّ الكبير على اللبنانيّين جميعًا وقد أودى بحياة المئات ناهيك عن آلاف الجرحى، بالإضافة إلى التفجير المشئوم هناك الانهيار الاقتصادى وجائحة كورونا، كلّها عوامل ادّت إلى تجميد الحياة فى لبنان وأثّرت ليس فقط فى النشر والطباعة. لكنّ اللبنانيّ قادر دائمًا على النهوض والانبعاث من رماد الواقع كطائر الفينيق، وكلّنا امل بان يكون لبنان الغد أفضل حالاً ممّا نشهده فى الواقع. إنّها حرب طويلة، نحن فى خواتيمها وصمودنا ووحدتنا هما طريقنا إلى الانتصار.