السبت 11 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رسالة.. «الرحلة السعيدة ليست بالقطار ولكن بالمركب»

رسالة.. «الرحلة السعيدة ليست بالقطار ولكن بالمركب»

بين الميلاد والموت، تولد «الحياة» ونولد نحن فى أحشائها، يعتقد البعض أن الحياه عبارة عن خط مستقيم بين نقطتين، وأنه لا داعى من فعل أى شىء جديد، فالنهاية محسومة، وللأسف كنت أنا من مؤيدى هذه النظرية!... إلى أن جلست ألاحظ بدقة حياة من حولى، وخاصةً أولئك الأشخاص الذين كانت المعاناة المرضية تأسر حياتهم وتلازم أدق تفاصيلها... تعجبت حين رأيت فى وجوههم الأمل يرسم بتلك المعاناة خيوط الشغف للغد، وأدركت حينها أن الحياة حتى وإن كانت حقيقتها_ التى لا مفر منها_ بين نقطتين، فرحلة الوصول ليست «بالقطار» فى خط مستقيم، ولكن «بالمركب»؛ كأمواج البحر تكون الحياة وما تحمله من سعادة ومعاناة كى تصنع المعنى الحقيقى للوجود... ومن هنا وجدت «معنى للحياة». 



من حكمة الخالق وعدله ورحمته بالإنسان، أن أعطى للإنسان عقلًا قادرًا على تغيير معانى الأشياء وطريقة إدراكه لها حتى وإن كان من خلال التخيل و تزييف الأشياء، وجعل السعادة شعورًا ذاتيًا لا يرتبط بأشياء وجودية، وجعل الرضا والقبول والتسليم آية نتذكرها فى كل ما حولنا من عبر الحياة وتقلبات الزمن، فنجد أن السعادة لا تُشتَرى بالمال، فهى قائمة فى حياة كل فرد يستطيع أن يستمدها من المواقف المبهجة والمحزنة، تتحقق فى كل شىء، لأنها قائمة بذاتها تستمد قوتها من الذات الإنسانية، فهى ليست قاصرة على من يملكون الرفاهية أو الصحة أو من تُمهَد لهم الحياة. 

من الغريب أن المرء قد يجد السعادة وسط مجموعة من الأمور المسببة للانزعاج، فتعتبر السعادة مزاجًا عامًا نخلقه أو موقفًا نصنعه بأنفسنا لمواجهة المواقف المختلفة، فالسعادة ليست فى حقيقتها إلا مجموعة من الصفات العقلية والمشاعر الوجدانية التى نؤولها ونواجه بها المواقف الحياتية، حيث يتم تعزيز السعادة بالذات «ذات المعنى»، فتقدير الإنسان لذاته هو ما يخلق بداخله دافعًا للحصول على السعادة كقيمة من قيم «احترام الذات»، فتعد السعادة قيمة مهمة فى حد ذاتها، لذلك تشكل السعادة عنصرًا من عناصر الحياة الكريمة، حيث تمتزج مع القيم الأخرى وتتشارك فى خلق الشعور والمتعة بمعنى الحياة.

يوجد معنيان شائعان للسعادة على الرغم من وجود معان متعددة، المعنى الأول هو «السعادة اللحظية» التى نشعر فيها بشىء من المتعة والبهجة واللذة نتيجة لموقف أو حدث ما، والمعنى الثانى هو «السعادة الشاملة» وهى تعنى الحياة السعيدة بمجملها من أحداث ومواقف، ولأن رحلة الإنسان فى الحياة بالمركب قد تصطدم بأمواج هائجة من «المعاناة» التى  تعكر صفو السعادة اللحظية بكل تأكيد، فكيف تؤثر هذه «المعاناة» على «السعادة الشاملة» أو حياتنا السعيدة ككل؟ 

لا نستطيع أن نقول إن «المعاناة» فى الحياة شيء جميل وممتع، ولكن لأن حقيقة الحياة تؤكد على حتمية مقابلة «المعاناة» فى مختلف صورها، حتى وإن كانت فى أبسط صورة، مما يسبب شعور الضيق والألم والحزن، فيجب على الإنسان أن يعرف كيف يتعامل معها من خلال خلق «معنى جديد للمعاناة» يضمن إفساح المجال لتكاملها مع حياتنا السعيدة، فالإنسان السعيد لم تكن حياته خالية من المعاناة بكل تأكيد، ولكنه قد يستطيع خلال رحلته للبحث عن السعادة أن يتعامل بذكاء مع  «المعاناة القدرية»، إما بتجنبها أو بمحاولة الاستسلام الشافى لها وقبولها، فنحن فى البداية نحاول تجنبها والهروب منها أولًا، وعندما نفشل فى ذلك  نستسلم لفكرة أنها جزء أساسى من استكمال رحلة البحث عن السعادة، هذا الاستسلام الشافى يأتى بمفهوم «الرضا» الذى من خلاله نشعر بالسعادة وقت المعاناة.  أكدت دراسات نفسية على أن لا علاقة للصحة الجسدية والعقلية بالسعادة الذاتية، ولكن هناك علاقة بالتأكيد بين الصحة النفسية والسعادة الذاتية، والدليل على ذلك هو تعايش الكثير من المرضى بأمراض عضال مع مرضهم و القدرة على التخطى لمباهج الحياة والشعور بالسعادة بعد فترة من التأقلم على المرض، فهم لم يقبلوا على الانتحار، بعكس مريض الاكتئاب «مرضى الصحة النفسية» الذى يفقد قيمة السعادة والحزن بالخوف والقلق المرضى، فهو فاقد للشغف، وبالتالى هم الفئة الأكثر عرضة للانتحار، إن «إدراك المعاناة» فى حد ذاته هو ما يضع العراقيل أمام تحقيق سعادتنا، وليست المعاناة نفسها، لأن ما يتحكم فى الشعور بالسعادة تصوراتنا عن الأشياء من حولنا... لذا اعتبر فترة المعاناة جزءًا من الحياة السعيدة.