الأزهر والكنيسة المصرية.. تاريخ عريق للتقارب المصرى مع الشعوب الإفريقية
دبلوماسية «المؤسسات الدينية» فى إفريقيا

تقرير - أحمد إمبابى
تمثل المؤسسات الدينية فى مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، واحدة من أدوات القوى الناعمة المصرية فى توطيد أواصر الصلة مع الشعوب الإفريقية، وتتجلى أهمية الدور الذى تلعبه المؤسسات الدينية المصرية، على ضوء الانتشار الكبير للإسلام والمسيحية داخل القارة، حيث تشير التقديرات إلى أن نسبة المسلمين فى القارة تصل إلى % 41 من إجمالى سكانها، كما باتت القارة منذ عام 2018 تحتل المرتبة الأولى عالميًا من حيث عدد المسيحيين داخلها بعد أن تفوقت على أمريكا اللاتينية وأوروبا، ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن يصل عدد المسيحيين فى إفريقيا إلى 1.25 مليار نسمة.
ولازالت تلك المؤسسات تحتفظ، بتواجدها وصلاتها الدينية والروحية وأيضًا التعليمية مع شعوب القارة الإفريقية على مدى عقود طويلة، سواء من حيث المنح التعليمية المقدمة من الأزهر للطلاب الأفارقة، والبعثات الدينية لدول القارة، أو من خلال صلات عديد من الكنائس بإفريقيا مع الكنيسة المصرية، صاحبة التاريخ العريق إفريقيا.
وفى هذا الإطار كانت هناك مجموعة من الفعاليات الخاصة بالمؤسسات الدينية على الساحة الإفريقية، والتى تؤكد هذا الامتداد التاريخى من العلاقات مع الشعوب الإفريقية.
افتتاح أول كنيسة أرثوذكسية مصرية فى بوروندى
بطريرك الإسكندرية وسائر إفريقيا للروم الأرثوذكس يزور مدغشقر
افتتحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كنيسة «مارمرقس والأنبا موسى» فى بوجمبورا عاصمة دولة بوروندى، كأول كنيسة أرثوذكسية مصرية هناك، وذلك بحضور السفير ياسر العطوى، والأنبا مارك، أسقف باريس وشمال فرنسا، ممثلاً عن قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والقمص داود لمعى ولفيف من الكهنة.
كما شاركت السفارة المصرية فى افتتاح المدرسة المصرية الفنية التى أقامتها مؤسسة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مقاطعة «رويجي» التى تبعد حوالى 100 كم عن العاصمة بوجمبورا، وذلك بحضور قيادات المقاطعة وممثلى الحكومة البوروندية، وتقدم هذه المدرسة ثلاثة تخصصات فنية هى تكنولوجيا المعلومات، وحوسبة الاتصالات، وصيانة الحاسبات.
وفد كنسى إثيوبى
سبق افتتاح الكنيسة المصرية فى بوروندى، استقبال البابا تواضروس الثانى، الأب يوسف مطران مدينة بالى للكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية، برفقته بعض رؤساء الأديرة الإثيوبية وبعض الشمامسة، وعدد من الرهبان والراهبات الذين زاروا مصر فى بداية شهر سبتمبر الماضى فى جولة سياحية لمعالمها التاريخية والدينية.
ورحب البابا تواضروس الثانى بالوفد الكنسى الإثيوبى، مشيراً إلى العلاقة القوية التى تربط بين الكنيستين القبطية والإثيوبية والتاريخ المشترك الذى يجمعهما، حيث تستخدمان تقويماً كنسياً واحداً، مشيرًا فى نفس الوقت إلى العلاقات المصرية الإثيوبية وما يجمع البلدين من روابط كثيرة أهمها نهر النيل.
يذكر أن الكنيسة المصرية كانت أول مركز للمسيحية فى إفريقيا، على مدار عقود طويلة لعبت الكنيسة دورًا مهمًا فى القارة السمراء، حيث كانت الكنيسة الإثيوبية تابعة للكنيسة المصرية منذ أوائل القرن الرابع الميلادى حتى نهايات الخمسينيات من القرن الماضى، وعلى مدار هذه الفترة الطويلة التى جاوزت الستة عشر قرنًا، تعاقب على رئاسة الكنيسة الإثيوبية 111 مطرانًا جميعهم مصريين بلا استثناء.
وتعمل الكنيسة القبطية فى إفريقيا من خلال ستة من الآباءالمطارنة والأساقفة، هم: مطران البحيرة ومطروح وشمال إفريقيا، ومطران جنوب إفريقيا، وأسقف عطبرة وأم درمان وشمال السودان، وأسقف الخرطوم وجنوب السودان، والأسقف العام للكرازة بإفريقيا، والأسقف المنسق للعلاقات مع الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية، كما يتبع الكنيسة القبطية عدة مؤسسات تعليمية وثقافية يمتد نشاطها ليس فقط للطلاب المصريين وإنما للأفارقة أيضًا.
جولة بطريرك الروم الأرثوذكس
وفى جولة له لعدة دول، زار البطريرك «ثيودورس الثانى» بطريرك الإسكندرية وسائر إفريقيا للروم الأرثوذكس، دولة مدغشقر، لمدة أسبوع خلال شهر سبتمبر، ضمن عدة زيارات كنسية له.
والتقى خلال زيارته برئيس مدغشقر، «أندريه راجولينا»، واستعرض البطريرك تاريخ الكاتدرائية والكرسى البابوى فى الإسكندرية، وأنشطة الكاتدرائية فى الدول الإفريقية، كإنشاء المستشفيات والمدارس، حيث قام نيافته بافتتاح أربع مدارس مؤخراً أثناء زيارته لجنوب مدغشقر، كما أشار إلى دور مصر التاريخى فى رعاية الكرسى البابوى فى الإسكندرية.
منح تعليمية من الأزهر لطلاب 35 دولة إفريقية
فى إطار رسالة مؤسسة الأزهر الشريف فى دعم التواصل الدينى والعلمى مع القارة الإفريقية، وتأكيدًا لدوره التاريخى فى مواجهة الأفكار المتطرفة، تواصل مشيخة الأزهر تقديم المنح التعليمية لطلاب وأبناء الدول الإفريقية، لنشر وترسيخ المنهج الأزهرى الوسطى المعتدل.
ومنذ رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى فى عام 2019، قام الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بتشكيل لجنة، مختصة بالشئون الإفريقية بالأزهر، وكان من بين جهود تلك اللجنة زيادة عدد المنح التعليمية للطلاب الأفارقة فى جامعة الأزهر.
ووصل عدد الطلاب الأفارقة فى جامعة الأزهر إلى 5500 طالب، يدرسون العلوم الشرعية والعملية وغيرها، من حوالى 35 دولة إفريقية، هى: أوغندا، النيجر، السنغال، الكاميرون، الكونغو الديمقراطية، الكونغو، برازفيل، الجابون، إفريقيا الوسطى، أنجولا، إثيوبيا، بوروندى، إريتريا، بنين، بوركينا فاسو، تشاد، تنزانيا، توجو، جنوب إفريقيا، رواندا، زامبيا، زيمباوى، سيراليون، غامبيا، غانا، غينيا، بيساو، غينيا كوناكرى، كوت ديفوار، كينيا، ليبيريا، مالى، مدغشقر، موزمبيق، نيجيريا، مالاوى.
كما أن الأزهر الشريف لديه 562 مبعوثًا موزعين على أكثر من 30 دولة إفريقية لتلبية احتياجات القارة من حيث تخصصات العلوم الشرعية واللغة العربية، كما أنشأ الأزهر الشريف، فى قارة إفريقيا 16 معهدًا أزهريًا فى عدد من الدول الإفريقية، وهي: نيجيريا، تشاد، النيجر، الصومال، جنوب إفريقيا، أوغندا»، وذلك من أجل تعليم المنهج الأزهرى.
وضاعف الأزهر المنح الدراسية لطلاب عدد من الدول، خصوصًا الدول التى ينتشر فيها التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، مثل الصومال والكونغو، وبوروندى، والسودان، كما قام الأزهر بإرسال العديد من البعثات الطبية والاغاثية، وتوفير بعض الأدوية والمواد الغذائية للمحتاجين فى بعض الدول الإفريقية ومنها: (النيجر، الصومال، السودان، تشاد، إفريقيا الوسطى، نيجيريا، بوركينا فاسو).
تواجد تاريخى
الأزهر الشريف من أكثر المؤسسات التى لها عمق تاريخى وتواجد دائم فى إفريقيا، وكانت ملامح هذا الدور المهم للأزهر منذ عقود طويلة، عندما تعددت أروقة الأفارقة فى الجامع الأزهر كما ذكر «على مبارك» فى الخطط التوفيقية منها أروقة «السنارية والدارفورية والبربر والمغاربة والجبرتية والدكارنة والفلاتة» (أهل إفريقيا الوسطى) والبرنية (غرب إفريقيا)، وساهمت المعاملة الكريمة التى حظى بها الأفارقة فى الأزهر فى توثيق العلاقات وإذابة الفوارق بين المصريين والشعوب الإفريقية.
وسعت حركات إصلاحية فى إفريقيا خلال القرن التاسع عشر ـ كان زعماؤها من المتصلين بالأزهر والمتأثرين بتعاليمه مثل «المهدية» فى السودان، و«السنوسية» فى ليبيا، و«حركة عثمان بن فودى» فى غرب إفريقيا، و«حركة الشيخ أحمدو لوبو»، و«حركة الحاج عمر التكرورى»، وتأثر هؤلاء الرجال بمصر تأثرًا شديدًا، والمتتبع للعلاقات المصرية الإفريقية يتضح له أن دور الأزهر فى إفريقيا امتد إلى مؤازرة الأفارقة فى كفاحهم الوطنى من أجل الحصول على حريتهم واستقلالهم، وحل أزماتهم السياسية.
دراسات: 50 مليار دولار خسائر إفريقيا من التغيرات المناخية
حذرت دراسات حديثة، صادرة من منظمات دولية وباحثين فى المناخ، من مخاطر التغيرات المناخية على القارة الإفريقية، وارتفاع تكلفة التكيف مع آثار التغيرات المناخية فى القارة الإفريقية.
وفى هذا الإطار أشار تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، من تضاعف تأثير التغير المناخى على القارة الإفريقية، من حيث زيادة مخاطر الفيضانات الساحلية بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار بأسرع من المتوسط العالمى، بمقدار مليمتر واحد سنويًا، وأيضًا تعرض القارة لأسوأ موجة جفاف فى القرن الإفريقى منذ أكثر من 40 عامًا.
ودعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية فى تقرير لها، توفير المزيد من التمويل لمساعدة البلدان فى إفريقيا على التكيف ومواجهة تداعيات التغير المناخى، وقالت المنظمة إن الحاجة إلى مزيد من الاستثمار فى التكيف مع المناخ أمر بالغ الأهمية، وإن التأثيرات المناخية يمكن أن تكلف الدول الإفريقية 50 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030، ويأتى الجفاف والفيضانات فى مقدمة بواعث القلق.
تضاعف نسب الجفاف
فى نفس الوقت حذرت دراسة حديثة، أعدها باحثون فى علوم المناخ، بجامعة إيست أنجيلا الإنجليزية، من موجة جفاف حاد قد تضرب بلدان العالم، حال ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار 3 درجات مئوية، ووجد الباحثون فى تغير المناخ، أنه مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، يتوقع أن تصبح موجات الجفاف أكثر حدة ومتكررة فى عدد من البلدان التى درسوها، وهى البرازيل والصين وإثيوبيا وغانا والهند ومصر.
وتوقعت الدراسة التى تم نشرها، فى مجلة «فوربس» الأمريكية، أنه فى حال ارتفاع حرارة الكوكب بمقدار درجتين مئويتين، فإن خطر الجفاف سيتضاعف 4 مرات فى البرازيل والصين، مقابل مرتين فى إثيوبيا وغانا، فى حين أن ارتفاع درجات حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، سيضاعف احتمال حدوث الجفاف فى الصين والبرازيل 3 مرات، وفقًا للدراسة.
وقال ريتشل وارن المؤلف المشارك بالدراسة، وأستاذ المناخ بجامعة إيست أنجيلا الإنجليزية، إن الاحترار العالمى يرفع مساحة الأراضى المعرضة للجفاف، مع ارتفاع بالطقس، متوقعًا أن تؤدى زيادة الحرارة بمقدار 1.5 درجة، إلى موجات جفاف تستمر، لأكثر من عامين فى البرازيل والصين وإثيوبيا وغانا.
فيما أكد زميله المشاركة بالدراسة الأستاذ جيف برايس، أن الحد من الاحترار العالمى، والحفاظ على حرارة الأرض عند عتبة 1.5 درجة مئوية، سينقذ بشكل كبير جميع البلدان من التعرض للجفاف الشديد.
وشددت الدراسة على ضرورة التكاتف الدولى والعمل من أجل قف إزالة الغابات، وإزالة الكربون من نظام الطاقة خلال هذا العقد، بهدف الوصول إلى صافى الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.