السبت 18 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مؤتمر شرم الشيخ للسلام.. المقدمات والثمار

مؤتمر شرم الشيخ للسلام.. المقدمات والثمار

أطفأ الله نيران الحرب والدمار لتشرق شمس السلام من أرض مصر الحضارة، باعثة من مدينة السلام شرم الشيخ دفء الأمل فى بلوغ غد أفضل، تضمد فيه الجراح، وتُخفف الآلام ويُزال الركام ليبدأ الإعمار.



 

لم يكن الإنجاز التاريخى، مؤتمر شرم الشيخ للسلام، الاثنين 13 أكتوبر الجارى، إلا ثمرة سنوات من تنامى القدرة الشاملة للدولة المصرية.

 

القدرة الشاملة للدولة محصلة مجموع قواها المتنوعة: السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والحضارية والبشرية، التى تنتج القدرة على الفعل والتأثير بما يحفظ محددات أمنها القومى ويحقق أهدافها واستقرار محيطها الإقليمى.

 

شهدت تلك القدرة الشاملة للدولة نموًا متزايدًا منذ تحمل الرئيس عبدالفتاح السيسى مسئولية قيادة الوطن فى 2014، لمواجهة حجم التحديات المتنامية داخليًا وخارجيًا.

 

بدأ ذلك بتعظيم استثمار المكانة الجغرافية لمصر، عبر مشروع قناة السويس الجديدة، والتنمية على محوريها، مرورًا بمضاعفة الرقعة التنموية.. زراعية وعمرانية وصناعية، وبنية تحتية تعزز من قدرة مصر الاقتصادية، وعسكريًا.. تنويع مصادر السلاح بما يحقق مستهدفات تعظيم قدرة الردع وحماية مقدرات الوطن، ودبلوماسيا.. واجهت مصر محاولا تزييف الصورة الذهنية عن حقيقة ثورة 30 يونيو، وصولًا لتوسيع الشراكات الاستراتيجية المتوازنة مع كل القوى الدولية.

 

شهدت مصر نهضة تنموية، وتنامى منسوب الوعى العام، وتلاحمًا شعبيا خلف القيادة، أخذت مصر بالأسباب وبذلت ما تستطيع من الإعداد لبناء القوة، ليحفظها الله ويكمل برعايته ما تعجز عنه الأسباب.

 

انطلقت مصر فى مواجهتها مخاطر الحرب الأخيرة على غزة عبر الثبات على الموقف التاريخى الثابت الذى لا يسمح بالمساس بالأمن القومى المصرى والتراب الوطنى، والداعم بشكل كامل للأشقاء فى فلسطين وحقوقهم المشروعة فى دولة مستقلة، لم يتوقف يومًا العمل على وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات لدعم الشعب فى الصمود على أرضه. 

 

تصدت مصر، لمحاولات الابتزاز السياسى والضغوط الاقتصادية، والتلويح باستخدام ملفات مثل المياه وغيرها لكن مصر وقفت بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بصلابة وحسم عبر أربعة أعمدة لإحباط مخطط التهجير وإيقاف الحرب:

 

الأول: خطاب سياسى واضح وقاطع

 

فمنذ البيان الأول للخارجية المصرية، فى أعقاب أحداث السابع من أكتوبر 2023، وما أعقبها من عدوان جيش الاحتلال، كان موقف مصر شديد الوضوح والحسم، محذرة من اجتزاء القضية من سياقها التاريخى، فالسابع من أكتوبر وما تلاه حلقة فى سلسلة صراع ممتد يتطلب حلولًا جذرية لا تكون إلا على أساس العدل والشرعية الدولية التى أقرت حل الدولتين.

 

وهذا الخطاب الحاسم الرافض للتهجير وتصفية القضية، الداعى إلى سلام عادل وشامل ودائم، نطق به الرئيس عبدالفتاح السيسى بلسان مصرى عربى إسلامى مُبين فى مختلف اللقاءات والمؤتمرات والفعاليات، وصدر فى بيانات رسمية.

 

وعندما تمادى الاحتلال فى جرائم الإبادة الجماعية، موسعًا دوائر الصراع وهو ما حذرت منه مصر مرارًا وتكرارًا ليصل بعدوانه إلى استهداف الدوحة محاولًا اغتيال وفد حركة حماس المفاوض، منتهكًا سيادة قطر، وصف الرئيس السيسى الاحتلال بالعدو فى القمة العربية الطارئة محذرًا من ممارسات الاحتلال التى تهدد اتفاقية السلام والأمن الإقليمى.

 

وفى قمة شرم الشيخ مع الوصول لاتفاق إنهاء الحرب، أكد الرئيس السيسى أن السلام خيار مصر الاستراتيجى، متمنيًا أن تكون حرب غزة آخر حروب الشرق الأوسط، مؤكدًا بكل وضوح أن التجربة أثبتت أن خيار السلام لا يمكن أن يتأسس إلا على العدالة، والحقوق المتساوية مشددًا على حق الشعب الفلسطينى فى دولة مستقلة تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل.

 

والمدقق فى خطاب الرئيس السيسى يلاحظ أنه خاطب الشعب الإسرائيلى فى القمة العربية الإسلامية، وفى قمة شرم الشيخ للسلام برسائل مُباشرة كونه من يدفع أيضًا ثمن الحروب قائلًا: «لنجعل هذه اللحظة التاريخية بداية جديدة لحياة تسودها العدالة والتعايش السلمى، دعونا نتطلع لمستقبل أفضل لأبنائنا معًا، مدوا أيديكم بالسلام». 

 

فالرئيس عبدالفتاح السيسى يؤكد: «السلام لا تصنعه الحكومات وحدها بل الشعوب عندما تتيقن أن خصوم الأمس يمكن أن يكونوا شركاء اليوم». 

 

موجهًا رسالة للرئيس الأمريكى: «أثبتم فخامة الرئيس ترامب أن القيادة الحقيقية ليست فى شن الحروب ولكن بالقدرة على إنهائها».

 

وهنا خطاب سياسى واضح يشيد بالمبادرة الأمريكية التى دعمتها مصر وقطر وتركيا عبر مفاوضات شاقة لوقف إنهاء الحرب، لكن فى الوقت ذاته يؤكد تمسك مصر بحل شامل وعادل ودائم للقضية، بدولة فلسطينية مستقلة، وأن سلام الشعوب مرهون بالشعور بالمصداقية.

الثانى: جاهزية واستعداد عسكرى رادع 

 

تنامى القدرة العسكرية المصرية الرادعة، والكشف عن تمام جاهزيتها فى الدفاع عن تراب الوطن، والتحذير من أن الشروع فى التهجير يهدد اتفاقية السلام ويشعل صراعات عسكرية جديدة كل ذلك مثل ردعًا لأى محاولات تهجير باتجاه مصر.

 

الثالث: دبلوماسية نشطة 

 

اعتمدت مصر على الدبلوماسية النشطة من خلال دعم القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية، وبناء رأى عام دولى داعم لوقف إطلاق النار والضغط لنفاذ المساعدات ورفض التهجير.

 

تلك الدبلوماسية النشطة، أسهمت فى تعزيز الموقف العربى الإسلامى الموحد الرافض للتهجير، والفاضح لجرائم الإبادة التى ترتكب بحق الشعب الفلسطينى.

 

كان لمصر الدور الأعظم فى حماية القضية الفلسطينية من مخطط التصفية، كونها دولة الجوار مع قطاع غزة، والتى بادرت بكشف مخطط التهجير ورفضه بشكل قاطع والتصدى لكل المحاولات والضغوط.

 

محاولات ابتزاز مصر وصلت إلى حد تنظيم حملات تشويه الدور المصرى والاعتداء على مقرات السفارات بعدد من الدول الأوربية حتى تظاهر عناصر التنظيم الدولى للإخوان فى الأرض الفلسطينية المحتلة أمام السفارة المصرية تحت حماية جنود الاحتلال زاعمين أن مصر هى من تحول دون دخول المساعدات عبر معبر رفح!!!

 

تصدت مصر وتعاملت بدبلوماسية نشطة، أثمرت نجاح وقف الحرب وإحباط مخطط التهجير، وحضور 30 قائدا حول العالم فى مقدمتهم الرئيس ترامب إلى مصر لمدينة شرم الشيخ مدينة السلام.

 

الرابع: استثمار الشراكات الاستراتيجية فى حشد رأى عام دولى مناصر للقضية 

 

تصدت مصر للتهجير وجعلته خطًا أحمر لا تسمح بتجاوزه، دعمت صمود الشعب الفلسطينى الأسطورى على أرضه فى مواجهة حرب الإبادة، تلاقت إرادة مصر مع إرادة شعب فلسطين فصمد، وواصل الاحتلال جرائمه بحق الإنسانية، فتحرك ضمير العالم شعوبًا وحكومات مع نشاط مصرى عربى إسلامى فى الحشد العالمى لوقف حرب الإبادة، وصل الكيان الإسرائيلى إلى عزلة عالمية وبات استمرار الحرب يكبد الحليف الأمريكى خسائر سياسية، وهنا بدأ الموقف يشهد تحولًا لصالح السلام.

 

وهنا ظهرت الشراكات المصرية الاستراتيجية بنجاحها فى تنظيم مؤتمر توقيع وثيقة وقف إطلاق النار، وهو ما خلق مظلة دولية للاتفاق يحد من محاولات نتنياهو للتراجع عنه أو خرقه، فالاتفاق بضمانة أمريكية مصرية قطرية تركية وبشهادة نحو 30 دولة ومنظمة أممية وإقليمية.

 

ربما لكل هذا ردد الرئيس ترامب كثيرًا: 

 

«جنرال قوى.. رئيس عظيم»، واصفًا الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومشيدًا بدور مصر فى التوصل إلى اتفاق السلام، وعلى طائرة الرئاسة الأمريكية فى طريق العودة من شرم الشيخ إلى واشنطن قال لصحفية أمريكية عن مصر: «نعم إنهم أقوياء جدًا، لا تتصورين مدى قوتهم.. إنهم أقوياء». 

 

وهنا يبقى السؤال: هل السلام قناعة من الاحتلال أم ضرورة فرضتها أمريكا والواقع والضغط الدولى؟ 

 

الإجابة: الاحتلال أجُبر على الموافقة على مبادرة الرئيس ترامب المدعومة مصريًا وعربيًا للأسباب التالية:

 

1 - الاحتلال بقيادة الحكومة اليمينية المتطرفة كان يسعى لمواصلة مخطط الإبادة والتهجير، وتحقيق مكاسب سياسية لنتنياهو من مواصلة الحرب.

 

2 - جرائم الإبادة وحرب التجويع لمدة عامين تسببت فى انكشاف حقيقة الاحتلال وخلقت رأيًا عامًا عالميًا داعمًا للشعب الفلسطينى وحقه فى دولة مستقلة، تنامى ذلك فى الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة، وظهرت مطالبات فى بلدان عدة كانت داعمة للاحتلال تطالب بمقاطعته وفرض عقوبات، ومن ثم تنامت عزلة إسرائيل.

 

3 - عزلة إسرائيل الدولية ظهرت فى مجلس الأمن الذى لم يحل دون اتخاذه قرارات وقف الحرب إلا الفيتو الأمريكى، ومن ثم بدأت مكانة أمريكا وصورتها تهتز وتتكبد خسائر سياسية لدعمها لإسرائيل، وتنامت مخاطر الخسائر مع العدوان الإسرائيلى على السيادة القطرية، وفقد حلفاء بالخليج الثقة فى جدوى التحالف مع أمريكا، كل تلك التحولات مع فشل إسرائيل فى تحقيق هدف التهجير دفع ترامب إلى الانتقال إلى مربع دعم السلام، وتبنى مبادرة وقف الحرب وما بعدها.

 

4 - تبنى ترامب لمبادرة وقف الحرب وهو الحليف الأقوى والداعم المتبقى لإسرائيل فى تلك الحرب، جعل نتنياهو مجبرًا على الموافقة مع تضمين الاتفاق مكاسب فى مقدمتها إطلاق سراح الرهائن، للخلاص من الضغط الداخلى وتجنب مزيد من العزلة عالميًا، وفى الوقت ذاته فرصة للخروج الآمن من حرب لم يتحقق هدفها الرئيسى وهو التهجير ووقف نزيف الخسائر البشرية فى الجيش، وربما التقاط الأنفاس لاختلاق ذرائع جديدة لخرق الاتفاق لاحقًا.

 

ثمار إنهاء الحرب:

 

1 - إحباط مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية إذ لا دولة بدون شعب وهو مكسب لفلسطين ومصر والعرب والمسلمين.

 

2 - وقف نزيف الدماء وبدء نفاذ المساعدات الإنسانية والعلاجية لأهل غزة رغم مماطلة الاحتلال فى الالتزام بعدد الشاحنات المنصوص عليه بالاتفاق.

 

3 - تهيئة الأجواء للبدء فى إعداد مصر لمؤتمر التعافى السريع وإعادة الإعمار وحشد الدعم الدولى.

 

4 - تحقيق الأمن والاستقرار بالإقليم وتجنب إشعال بؤر صراع جديدة، تهدد بحرب عالمية.

 

5 - خفض التوتر فى البحر الأحمر وعودة الملاحة الدولية إلى طبيعتها.

 

ثمار وقف إطلاق النار على الداخل المصرى. 

 

1 - تحقيق هدف دعم الأشقاء ووقف نزيف الدماء.

 

2 - حماية الأمن القومى بإحباط مخطط التهجير بطرق سلمية، ومن ثم تجنب احتمالات المواجهة العسكرية.

 

3 - الاتفاق يلزم الاحتلال بفتح المعبر من الجانب الفلسطينى، ومن ثم تمكين مصر من إدخال المساعدات لدعم الأشقاء، وبالتبعيّة انكشاف الحملات الكاذبة التى كانت تحاول تحميل مصر وليس الاحتلال مسئولية منع دخول المساعدات.

 

4 - نجاح مؤتمر شرم الشيخ للسلام والتوقيع على وثيقة وقف الحرب، خلق ضمانة دولية تجعل المجتمع الدولى يتصدى إلى جانب مصر لأى محاولات خرق للاتفاق، ومن ثم عدم قدرة الاحتلال على تكرار محاولة تنفيذ مخطط التهجير.

 

5 - النجاح الباهر وإشادة ترامب بالأمن فى شرم الشيخ ومصر والإشادات الدولية وحجم التغطية الإعلامية 88 وسيلة إعلام دولية تعزز فرص النمو السياحى فى شرم الشيخ ومصر، وكذلك فرص نمو الاستثمارات.

 

الشرق الأوسط: 

 

من أهم ما أسفر عنه وقف الحرب فى غزة، إعاقة مخطط الشرق الأوسط الجديد، بالمفهوم المعادى للدولة الوطنية العربية، فشل مخطط التهجير، فشل طموح الاحتلال فى التوسع بالتهام المزيد من الأرض الفلسطينية.

 

وترسيخ مفهوم الشرق الأوسط بالرؤية المصرية التى انتصرت فى وقف جرائم الإبادة وإحباط مخطط التهجير، والداعمة لاستعادة الدول العربية التى شهدت تصدعات لاستعادة قوة مؤسساتها محافظة على وحدة أراضيها.

 

المخطط المعادى بدأ جولته الأولى فى تفتيت الدول الوطنية من الداخل عام 2011 وما تلاها، وسعى للمحاولة الثانية عبر الميليشيات الإرهابية فى العديد من البلدان، لتأتى المحاولة الثالثة بمخطط تصفية القضية الفلسطينية فى غزة والضفة والتى فشلت هى الأخرى.

 

وفى كلمته عبّر الرئيس عبدالفتاح السيسى عن الرؤية المصرية للشرق الأوسط الذى نريده لا الذين يريدونه.

 

يحدد الرئيس السيسى المواصفات المصرية للشرق الأوسط الذى نريده: «تبنى مدنه بالأمل بدلا من أن تدفن ذكريات أصحابه تحت الأنقاض، أن يكون خاليًا من كل ما يهدد استقراره وتقدمه.. شرق أوسط تنعم كل شعوبه بالسلام بين حدود آمنة وحقوق مصانة، منيع ضد الإرهاب والتطرف خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، هذا هو الشرق الأوسط الجديد الذى تتطلع مصر لتجسيده». 

عاشت مصر محافظة على أمنها داعمة لأشقائها