الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«اللى مربهوش أبوه وأمه تربيه الأيام والليالى»

«اللى مربهوش أبوه وأمه تربيه الأيام والليالى»

بين أحضان منزل صغير تحكى جدرانه عن «ثقافة خاطئة فى تربية  الأطفال» تنشئهم على تجنب الخطأ وإلا العقاب!... ففى حين تعجز فطرة الطفل وعفويته عن إدراك «الأخطاء»، يعجز الآباء للأسف عن إدراك «القيمة الحقيقية لارتكاب الخطأ»، فالآباء لا يعرفون عن الخطأ «سوى أنه شيء سيئ يستحق العقاب»، فهم لم يدركوا أهمية إفساح المجال أمام أطفالهم ليتخذوا من بين أحضان آبائهم مكانا آمنا للخطأ والتعلم قبل  الخروج لخوض المباراة الحقيقة فى مدرسة الحياة... فالتربية فى الصغر ما هى إلا نموذج محاكاة لتربية الحياة لنا فى الكبر.



فبالرغم من أن أخطاء الأطفال صغيرة بصغر أناملهم، إلا أن عقاب الآباء كان كالمرصاد لها، يغرس فى نفوس الأطفال ما يكفى من مشاعر الرهبة والخوف من ارتكاب الخطأ، التى تثمر فيما بعد عن «شجرة من الأخطاء التى لا يعترف بها خوفا من العقاب»، وإن اعترف لا يعتذر خوفا من بشاعة الصورة الذهنية التى تم غرسها فى عقله عن المخطئ.. وهكذا نكتشف فى النهاية نشأة أجيال منهم من لا يعرف شيئا عن الحياة ومواجهاتها والتعامل معها، لأنه تربى على سياسة الخوف من خوض التجربة والمواجهة تجنبا للوقوع فى الخطأ، وآخر يخاف من الاعتراف بأخطائه خوفا من العقاب وحفاظا على صورته أمام الآخرين.

على الجانب الآخر تفتح شرفة المنزل لتجد أمامك هذا الطفل الذى تربى على عدم الخطأ، قد بلغ أشده واضطرته الحياة للخروج من بين أحضان أبويه لخوض سباق قد لا يعرف عنه شيئا، ولكنه مضطر لذلك، وإذا كان تجنب الخطأ فى هذا السباق يعنى السلامة المؤقتة، فالوقوع فى الخطأ يعنى التجربة الحقيقة للوصول للصواب واستمرار النجاة... فى الواقع لم يكن خطأ المرء منا أنه لم يأخذ نصيبه الكافى منذ الصغر فى مساحة كافية من الأمان للتعلم من الأخطاء والتجربة، بل كان خطأ «ثقافة التنشئة» التى جعلت من الآباء ومن كل شخص فى المجتمع قواما على أخطاء غيره من دون رحمة أو حكمة أو عدل.

إذا كنا نعانى اليوم من مجتمع يعانى من تكرار الأخطاء ليصل بتكرار الخطأ إلى حد الإيذاء النفسى والجسدى للآخرين ويصبح «جريمة مجتمعية»، أو نعانى من التعرض لأشخاص جعلوا من النقاء والطيبة «كبش فداء» للهرب من الاعتراف بأخطائه والهرب من الاعتذار ورد الحق لأهله، فاعلم أن الخطأ الصغير الذى ارتكبته أنامل الطفولة كان فشل الآباء فى حسن التعامل معه وإدراكه هو «الجريمة الفعلية» التى نعانى منها الآن فى المجتمع... فنحن تحولنا إلى «ضحايا» بسبب إناس لم ياخذوا قسطهم الكافى من التربية فى الصغر، ليتحولوا إلى مرضى من ضعاف النفوس والخوف من تحمل مسئولية أخطائهم.

إذا كان الآباء حريصين على ألا يرتكب أطفالهم الخطأ وهم صغار، و سلبوا «حقوق الطفولة» فى حق تجربة ارتكاب الخطأ والتعلم بين أحضان آمنه، وهم مطمئنون على أنفسهم، فلا تنتظروا «أيها الآباء» أن تكون الحياة رحيمة بهؤلاء الأطفال عندما يبلغون أشدهم، فالدروس ستكون أقسى والعقاب هنا لا يعرف الرحمة ولا يفرق ولا يعطى الفرصة مرتين للاستفادة والتعلم... فالحياة تعلم بالصفعات، والصفعة تميت كل الأشياء الجميلة التى تربينا عليها.... وعلى رأى المثل» اللى مربهوش أبوه وأمه تربيه الأيام والليالي... فربوا عيالكم صح.. أثابكم الله».