الأحد 27 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

التحليل النفسى لقيادات جماعة الإخوان المسلمين أسعد شيخة (الحلقة 14)




إعداد د/ على الشامى
الأوديبى

يقول نيكوس كازانتاكيس: ما أن نولد حتى تبدأ محاولاتنا فى أن نخلق ونبتكر أى أن نجعل للمادة حياة، أى نولد فى كل لحظة، لذا جاهر البعض ولا أبالغ إن قلت الكثيرين إن هدف هذه الحياة هو الخلود، فى الأجسام الحية الفانية يتصارع هذان التياران، الصاعد نحو التركيب، نحو الحياة، نحو الخلود، الهابط نحوالتحلل، نحو المادة ويقول أيضا فى وصف هذين التيارين «إن هذين التيارين كليهما مقدس» انتهى كلام كازانتاكيس ويقول فرويد سابقا كازانتاكيس زمنيا «ان الإنسان يحمل داخله – أى فى النفس اللاوعاية – رغبتين إحداهما هى رغبة البناء ودعاها بالأيروس والأخرى رغبة الهدم وسماها الثانتوس وففى بدء مشروعه العلمى أكد سيجموند فرويد على أن الإنسان تحركه الدوافع طبقا لغرائزه الجنسية فقط تعرض بعدها لانتقادات شديدة ورفض أشد فى الأوساط العلمية والطبية أجبرته على تعديل آرائه فى نهاية حياته إلى مفهوم أقل حدة وهو أن الجنس هنا المقصود به كل صور البناء والحياة والعدوان هنا والتدمير المقصود كل الصور السلبية والهدم والرذائل حتى المعنوية منها بل خصوصا المعنوية منها والتى يمكن أن تندرج تحت هذا اللواء.
 
فى الفترة الأخيرة أبتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها أما الطوفان فهو جماعة إرهابية هى الإخوان أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية فيما عرف إعلاميا بمشروع الأخونة وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظتهم مصر شعبيا، هذا الكيان الإرهابى الغريب النبت نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم وبعض الديناميات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات التى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو.
حديثنا هذه المرة عن شخصية مهمة جدا فى صفوف جماعة الإخوان الأولى والذى استطاع – على صغر سنه 41 سنة – أن يصل لمكانة مهمة فى عالم الإخوان الظاهر والخفى حديثنا هذه المرة عن أسعد الشيخة.. أذن الرئيس المخلوع مرسى كما كانوا يلقبونه دوما بشكل سرى حينا وعلنى احيانا.

قبل أن نبدأ ثمة ملاحظة جديرة بالذكر وهى لماذا الاستفاضة فى الحلقات السابقة عن شخصية سيد قطب أقول هنا ما قلته وأكدت عليه أثناء الحلقات وهو أن سيد قطب ليس مجرد شخصية محورية أو حتى مفصلية ولكنها شخصية مؤسسة ربما تستطيع أن تقول إن قطب هو عازر الإخوان – إن جاز التعبير – الرجل الذى أعاد إحياء الأفكار الإرهابية فى مقابل عازر الحقيقى الذى ألهم المعانى النبيلة فى التوراة بعد أن نسيها القوم – بنى إسرائيل – الفارق هنا فى طبيعة المعانى الملهمة وطبعا فى مصدرها وسيد قطب ليس فقط شخصية مؤسسة للأفكار الإرهابية وإنما ترجع أهميته الشديدة إلى أن من يسيطر على مكتب الإرشاد الآن هم أشد أبناؤه إخلاصا الشاطر وبديع ومهدى عاكف حتى المختلفين معهم مثل أبوالفتوح هم من أخلص ابنائه فكريا وإن كان الاختلاف هنا على منصب فقط وليس اختلافا عقديا أو منهجيا اذن فقطب كان شخصية مهمة ستفتح مجاهيل الأمور لشخصيات قادمة من الجيل الأول من معتنقى أفكاره مثل بديع وعاكف إلى الجيل الثانى مثل اسعد الشيخة – موضوع هذه الحلقة - وأسامة ياسين وأحمد عبدالعاطى وحتى الجيل الثالث والذى سيرد ذكره قريبا.

نعود إلى شخصية الحلقة وهو أسعد الشيخة مهندس شاب التصق اسمه بعدد كبير من قيادات الجماعة مثل خيرت الشاطر ومحمد مرسى وهو شخصية تكاد تكون مثالية للبحث عن سماتها النفسية وملامح الشخصية الخفية.

الشيخة من مواليد إحدى القرى بالشرقية وهو «بلديات» الرئيس المخلوع مرسى وتربطه به صلة حميمة كما ذكرنا انفا، وهنا دلالة قوية فقد نوهت فى حلقات سابقة عن طبيعة نظريات التحليل النفسى والقائلة بمجموعة من الأفكار والقائمة على أساسها ومن أهمها عقدة اوديب تجد أن الإنسان - طبقا لأوديب - يميل للجنس الآخر أى للأم ويسعى ويتمنى امتلاكها ويخشى بطش الأب القوى المسيطر فيظهر إجلاله واحترامه خوفا من ان يخصيه /يؤذيه نفسيا.

تجد أن عمق العلاقة الأبوية فى القرية اكثر وضوحا من مثيله فى مجتمع المدينة ومفهوم الأب – من الناحية النفسية – متجلى جدا فى تصرفات الاشخاص أى أن القرية هنا نموذج محاكاة اقرب جدا إلى النموذج النفسى من المدينة الذى يأخذ النموذج الأبوى فيها شكل معنوى رمزى اكثر من شكل القرية البدائى الفج، اسعد الشيخة ابن هذا النموذج بشكل مباشر ولا نتعجب من أننا نتجه احيانا إلى النماذج المكانية الأكثر راحة لنا ولا يمكننا الفصل بين الإنسان والمكان الذى يعيش فيه فالإنسان ابن بيئته على المستوى الاجتماعى والنفسى أيضا.

التصاق أسعد الشيخة القدرى بخيرت الشاطر إلى الحد الذى ورطه فى قضية شهيرة هى قضية ميليشيات الأزهر وكان المتهم الرئيسى فيها هو خيرت الشاطر لم يكن تورطا تنظيميا او فكريا بحكم ان الشاطر البدائى العنيف أحد أقطاب الإخوان لم يكن تمسحا اقتصاديا فقط – رغم صحة ذلك بشكل أدى إلى تكوين صفقات وشركات تحت اشراف الشاطر وقيادته وبالتعاون مع شخصيات إخوانية أخرى بارزة وانما كان تورط نفسى ايضا الرجل – الشيخة – كان فى رحلة البحث الأوديبية عن أب – من الناحية النفسية – وككل افراد الجماعة تنظيما كان قطب هو الأب الفكرى وكان الشاطر هو أول الآباء تنظيما وبعد القبض على الشاطر والحكم علية بسبع سنوات، نفاجئ هنا بهروب الشيخة إلى بلد ليس مصادفة انه تركيا عصب الإخوان والراعى الرسمى للتنظيم الدولى ثم يعود إلى مصر بعد أحداث 25 يناير ويصدر عفوا عن الحكم من القضاء العسكرى ليصبح الشيخة فى عقده الرابع باحثا عن أب نفسى جديد وتصدر مرسى المشهد ويتوارى الشاطر من نفس الشيخة، يصبح أسعد الشيخة نائبا لرئيس ديوان الرئيس السابق محمد مرسى القروى مثله الإخوانجى مثله المهندس مثله وحلقة الوصل بينه وبين مكتب إرشاده وهو الرئيس وتجب الطاعة وهو مبدأ إخوانجى مريح جدا للأنا أى يخفف من حدة الصراع الأوديبى ويغطيه قدر الإمكان حتى إنك تجد الشيخة متعصبا فى الرد على الصحفيين وتعديل صيغ الخطاب للرئيس من قبل الصحفيين والتى يراها غير لائقة!

الشيخة هو اذن الريس او الرجل المسيطر على اذن الرئيس - متقربا ومتدللا له خشية الإخصاء / الأذى - كما وصف من الجميع قاطبة كان يحب أن ينادى الرئيس بـ«يا خال» الشيخة القروى يعلم - على مستوى اللاشعور - أنه فى القرية البعيدة جدا فى ريف الشرقية مستقر فى وجدان الجميع بشكل غير واع أن «الخال والد» بغض النظرعن صلة القرابة مع مرسى - وأنه من العيب مناداة غريب نسبا بالأب ضف إلى ذلك احتياج من الشيخة للأبوة من مرسى – كرئيس – تكتمل لديك الصورة بان الخال والد / رئيس / أب نفسى فكان محمد مرسى الخال هو الأب فعليا، الأب النفسى أعنى.

الشيخة الباحث عن الأب من أول أفكار سيد قطب ومرورا بخيرت الشاطر وتركيا كوطن له علاقة ما بالجماعة وليس انتهاء بمرسى يحاول عبر تاريخ ليس طويلا جدا – اربعين سنة تقريبا – أن يجد الأب النفسى ويصنع ابا جديدا كلما أوشك ان تحل العقدة -عقدة اوديب ويكاد يملك الأم / الجماعة خشية الأب يدور فى فلك الجماعة ويقوى يصنع شركات ومقاولات ونفوذ –تضخم جدا فترة حكم الإخوان – ويكاد يكسر الحلقة المفرغة ويستولى على الأم ويملك زمام أمره إلا أنه يعود ليصنع له أبا جديدا خشية من عقدة الإخصاء أو الأذى النفسى الذى اسلفنا الحديث عنه وحتى اللحظات الأخيرة فى العمر السياسى للجماعة تجد الشيخة وان كان داخل قفص الاتهام موجها إليه أشد التهم يكاد يكون غير عابىء بما يحدث ومنتبه فقط – على الاقل من الناحية النفسية – إلى شىء واحد فقط وهو ماذا بعد انهيار الأم / الجماعة كيف سيأتى أب جديد وقد انهارت كل الحلقات ولم يعد للأمر معنى.. لا تعجب إذن أن تجد الشيخة منكرا لانهيار الجماعة ولا تعجب أيضا لتمسكه الإرهابى بأب سابق كمحمد مرسى واستماتته فى الدفاع عنه ونكوصا إلى الأب الأول سيد قطب.