الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فضائيات وبرامج «السخط»!

فضائيات وبرامج «السخط»!






السخط من كل شىء وعلى أى شىء أصبح ظاهرة شائعة فى معظم برامج «التوك شو» سواء كانت تناقش سياسة أو اقتصادا أو فكرا أو فنا وأدبا وقلة أدب!
لا يخلو برنامج من مذيع ساخط أو مذيعة ساخطة، كل شىء عندهم أسود سواد الليل البهيم، أسهل كلمة تجىء على لسانهم «الفساد.. الفساد».
ساخطون على الحكومة ورئيسها ووزرائها، ساخطون على المعارضة الورقية، ساخطون على الفن الهابط، والعرى والسفالة وانحدار الذوق وبدعوى الموضوعية والحيدة والرأى والرأى الآخر تزيد جرعة السخط، السخط على الحياة والحكومة والناس.
ويبدو أن البعض من زعماء السخط فى الفضائيات يتصور أن الشهرة والنجومية والملايين والإعلانات لن تأتى إلى بحشو برامجهم ببضاعة السخط، اسخط على كل شىء واملأ ساعات برنامجك بكل أشكال السخط الذى سرعان ما يتحول إلى نحيب ودموع وولولة ولطم على الخدود!
وحكاية السخط هنا بدأت منذ سنوات طويلة على صفحات الجرائد وتسللت على استحياء وخجل إلى تليفزيون الدولة، صحيح أنه كان سخطا محدواد، لكنه مع زمن الفضائيات والسماوات المفتوحة والبحث عن بطولة ودور وزعامة أصبح سخطا عاما.
عند بداية هذه الظاهرة توقف أمامها أستاذنا «أحمد بهاء الدين» وكتب مقاله البديع بعنوان «حكاية مدرسة السخط» (الأهرام 21 فبراير 1975) وكأنه يناقش ويفسر ما يحدث هذه الأيام وكتب يقول:
«كل شعب وكل جيل لابد له أن يسخط على شىء ما فى حياته حتى يكون لديه حافز لتطوير حياته والتقدم إلى الأمام، لكن حين ينقلب الأمر إلى السخط الأسود على كل شىء فى ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، فهنا يجب أن نقف أمام هذه الظاهرة المرضية وقفة وأن نحاول فهمها!
فمن يسمع لبعض المتكلمين ويقرأ لبعض الكاتبين يظن أن الشعب المصرى صار فى الدرك الأسفل بين شعوب الأرض وأنه الوحيد الذى يشكو أزمة المواصلات وأزمة التعليم وأزمة المستشفيات وأزمة الأسعار وأزمة المساكن إلى آخر القائمة، ويجب ألا ننكر أن هناك فرقا بين نقد هذه النواقص كما يفعل خلق الله فى كل مكان، وبين تحولها إلى حالة مرضية ورؤية غير صحيحة لمكاننا بين الدول ومشاكلنا بين مشاكل العالم!»
وألفت نظرك إلى أن مقال الأستاذ «بهاء» عمره الآن حوالى أربعين سنة، الذى يضيف فى مقاله: « وقد تغذت هذه المدرسة أول ما تغذت على الدعوة القائلة بأننا قضينا عشرين سنة فى الظلام والفساد والتأخر! وأن هذه العشرين سنة كانت أكذوبة كبرى فى كل شىء، وإذا صدق فريق من الناس هذا الكلام فلابد أن ينتج عن ذلك عدم إيمان بأى شىء، بل وانعدام الأمل أيضا! لأن كوارث عشرين سنة وضياعها لا تختفى فى يوم، ولأنه إذا كان الذين كانوا يقولون ويفعلون ما زالوا يقولون ويفعلون، والذين كانوا يكتبون ما زالوا يكتبون فلماذا لا تكون الأكذوبة مستمرة؟!
وهكذا نزرع أولى بذور السخط الأسود المدمر، فإذا سقط الشباب فى هوة اليأس تعجبنا! وإذا هاجمتنا الصحف فى الخارج اعتمادا على أقوالنا نحن عن بلادنا غضبنا!»
ويمضى الأستاذ «بهاء» فى مقاله فيعرض عشرات الأمثلة والوقائع التى تؤكد أن الشعب المصرى ليس فى الدرك الأسفل بين شعوب الأرض ويضيف:
- إذن ما هى المشكلة؟! نحلل الأمور بالعقل ولا بالحقد، وبالاتزان لا بالتطرف!
هذه روشتة الأستاذ «بهاء» العقل والاتزان لا التطرف! هما الوسيلة لدراسة وفهم المشكلة ثم يتوفر الحل.
ولعل الأستاذ «بهاء» رحل عن عالمنا صيف عام 1996 لم يكن يتخيل أن مدرسة السخط أصبحت هى القاعدة فى الصحافة والفضائيات، أصبح «السخط» بضاعة مفضلة لديهم حتى إن البعض يفكر أن يطلق على نفسه الساخط وتطلق المذيعة على نفسها لقب الساخطة!
أما دكتوارة «السخط» تستحقها عن جدارة واستحقاق معظم برامج «التوك شو» بمذيعيها ومذيعاتها وضيوفهم مع الآسف الشديد!