
عصام عبد الجواد
مصر وروسيا صداقة وندّية.. لا تباعية
تخطو القاهرة الآن مرحلة جديدة فى إطار تطوير وبناء علاقاتها الخارجية مع دول العالم بعد ثورة 30 يونيو، تتمثل تلك الخطوة فى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى موسكو الأسبوع الماضى، التى أبرزت كثيراً من النقاط الايجابية المهمة فى العلاقات (المصرية - الروسية) حيث أكدت عمق علاقتهما النابعة من امتداد جذور التعاون التاريخى بينهما.
لقد لفتت هذه الزيارة نظر العالم اجمع، وتابعت وسائل الإعلام فى كل مشارق الأرض ومغاربها فعاليات هذه الزيارة وثمارها، فمغزى لقاء «السيسى - بوتين» ليس عابرا بالنسبة لكثير من الدول، خصوصا الولايات المتحدة الامريكية، التى ترى مصر قد خرجت عن طوعها منذ سقوط نظامى حكم مبارك والاخوان، فمصر لم تعد تابعا لها ولا لغيرها، بل تتعامل فى كل سياساتها الخارجية بندية قوية، مع أعدائها وأصدقائها، كلا على طريقته.
ذلك هو المكسب الذى تجنيه مصر، ولابد أن يفخر به كل مصرى، أن تصبح مصر حرة ومستقلة، هذا ما يسعى إليه الرئيس السيسى فى خططه للسياسة الخارجية المصرية، إنه يعمل على أكثر من محور فى هذا الاتجاه يمكن ايجازها فى التالى:
حرص «السيسى» منذ قدومه إلى الرئاسة على تدعيم المحور الاقتصادى فى مصر، وكان للعلاقات الروسية.. المصرية جانب كبير فى هذا الاتجاه، فلروسيا 400 شركة تعمل فى مصر، إضافة إلى أن لها 3.5 مليون سائح يأتون إلى مصر سنويا، ورفعت روسيا معدل تبادلها التجارى مع مصر بمقدار 86% عن العام السابق، فيما يعمل كلا الجانبين على تدعيم الاستثمار بينهما.
المحور الثانى الذى أعطى له «السيسى» أولوية فى سياسته الخارجية، خصوصا مع روسيا، هو تنويع مصادر السلاح للجيش المصرى، فبعد ثورة 30 يونيو تعرضت مصر لضغوط أمريكية جبارة تمثلت فى إيقاف توريد قطع غيار السلاح إلى الجيش المصرى، عقابًا على انحيازه للشعب وتنفيذ مطلبه بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، وهو ما لم تنصع له القيادة المصرية وتماسكت أمام هذه الضغوط، وقررت منذ ذلك الوقت الخروج من عباءة السلاح الأمريكى، والاتجاه إلى تنويع مصادر سلاحها، لتملك سيادتها بشكل مطلق، وقد كانت روسيا أول المرحبين بالتعاون العسكرى مع مصر، وهو ما قدرته القاهرة جيدا، ووضعت على أثره خططا لتعضيد هذا التعاون بشكل منظم وبصفقات مدروسة تتم على مراحل متفاوتة.
وقد علق السيسى على موقف روسيا الداعم لمصر خلال العامين الماضيين قائلا خلال لقائه «بوتين»: «نسعى لترسيخ شراكتنا فى المستقبل، خاصة فى ظل المواقف الشجاعة التى اتخذتها روسيا لدعم خيارات الشعب المصرى فى الوقت الذى واجهت فيه مصر تحديات جسيمة وغير مسبوقة».
المحور الاخير فى السياسة الخارجية المصرية هو استجلاب الخبرات الرائدة فى المجالات التكنولوجية من أجل ترقية انتاج الطاقة فى مصر، فكان أبرز الاتجاهات هو إنشاء مزارع للطاقة الشمسية، وإنتاج الطاقة من خلال المفاعلات النووية، ولقد وقعت مصر بروتوكولا مع الجانب الروسى لبناء محطة الضبعة النووية.
كل ما سبق هو أمور محمودة، لكن التطور الجديد فى هذه الزيارة أن العلاقات بين مصر ورسيا أخذت منحى جديداً وأفقا أرحب، فلم تعد اللقاءات بين رئيسى البلدين يناقش خلالها علاقاتهما فقط، بل، أخذ الرئيسان فى رسم سياسات تعاونية حول الوضع فى المنطقة وحلول ازمات العالم ومواجهة العثرات التى تهدد استقرار البلدان فى الشرق الاوسط.
لقد بحث الرئيسان فى زيارة الاسبوع الماضى الوضع فى العراق واليمن، وآخر التطورات على الساحة الليبية، وكذلك تطرقا إلى القضية الفلسطينية ووجوب حلها، بالإضافة إلى سبل مواجهة ظاهرة الإرهاب التى تهدد الجميع، إذ اتفق الطرفان على ارتباط هذه الظاهرة باستمرار البؤر المتوترة فى منطقة الشرق الأوسط. وقال الرئيس السيسى: «وهذا ما يملى علينا تكثيف التشاور والتعاون فيما بيننا لإيجاد حلول جذرية للأزمات فى المنطقة بشكل يضمن وحدة وسلامة أراضى دولها واستعادة أمنها واستقرارها».
إذا فبكل المقاييس تتجلى أهمية زيارة الرئيس لموسكو ومردودها على سائر الأصعدة المصرية، سواء داخليًا أو خارجيًا، الأمر الذى لابد أن يفخر به كل مصرى.
فرجل الشارع عمومًا قد لا يجد مردود هذه الزيارة فى دخله الشهرى، لكنه سوف يشعر بها فى كرامته عندما تصبح مصر عالية الرأس تستعيد أرضيتها فى المنطقة وفى العالم بأسره بسياسات ثابتة، واثقة، وفاعلة.
لكن ما يقفز إلى ذهنى هو كيفية استثمار حكومة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء لزيارة الرئيس لروسيا، ومدى قدرتها على استغلالها بشكل ناجح، وتعظيم عائداتها على سائر المستويات، العاجل منها والمتوسط، والبعيد الأمد.
لكن حقيقى ما أخشاه أن تهمل الحكومة جنى ثمار هذه الزيارة، ولا تتعامل معها بإيجابية وتضع لها خطة جادة للاستفادة منها، وألا تكتفى بما يقوم به الرئيس من توقيع اتفاقيات وجذب استثمارات للبلاد، بل عليها أن تنفذ بنود تلك الاتفاقيات بدقة شديدة، ولا تترك شيئًا للظروف، وعليها أن تحطم الروتين وتعطى موظفيها حبوب اليقظة، للاستفادة الكاملة من هذه الزيارات التى لفتت انتباه العالم.
فمصر تسير الآن فى طريق تكوين تحالف دولى بعيدًا عن الغطرسة الأمريكية، سوف يخلص العالم من الأشرار الذين زرعوا لنا داعش فى المنطقة، وسيحبط كل المخططات الخبيثة، وسوف يعيد للأمة العربية فى القريب العاجل قوتها ووحدتها بإرادة الله.