
عصام عبد الجواد
حرقوها
من يشعل الحرائق فى مصر فجراً وفى توقيتات واحدة ومحددة وفى أماكن مختلفة؟ فلو حدثت هذه الحرائق نهارا لقلنا بفعل ارتفاع درجات الحرارة أو بفعل الماس الكهربائى لأجهزة التكييف لكن أغلب الحرائق التى تشتعل فى مصر أصبح لها توقيت واحد يبدأ مساء وذروتها فى الفجر، والذى يملك الإجابة عن هذا السؤال هو المعمل الجنائى وتحريات المباحث والتى استبعدت تقاريرها الأولية الشبهة الجنائية واتهمت كالعادة الماس الكهربائى، فقد بلغت حوادث الحرائق فى مصر خلال ثلاثة أيام فى الاسبوع الماضى 70 حريقا فى القاهرة والجيزة وباقى محافظات مصر، وهو ما يعنى أن مصر تشهد حريقا كل ساعة تقريبا وقدرت الخسائر من وراء هذه الحرائق بمئات الملايين وكان أهمها على الإطلاق حريق الرويعى والغورية وحريق دمياط الذى نشب فى أحد مصانع الأثاث، ولكن يبدو أن هذه الحرائق لفتت الانتباه وبشدة لأنها كانت فى منطقة الرويعى والغورية، هى منطقة وسط القاهرة، وهى أكبر سوق تجارى عشوائى لاتوجد فيه حماية مدنية ولا توجد فيه قوانين أو تنظيم لعمليات البيع والشراء من قبل الأجهزة المحلية وتحكم هذه المناطق السطوة والقوة لكل بياع أو تاجر، وأغلبهم قبائل وعائلات لا يستطيع أحد أن يبتاع بينهم إلا إذا كان من طرف أحدهم، وأجهزة الأمن تتعامل مع هذه المناطق عن طريق كبير البائعين، لدرجة أن سطوة هؤلاء أكبر وبكثير من تخيل البعض وهذا ليس موضوعنا الآن، المهم أن البائعين فى هذه المناطق قد خربت بيوتهم وأصبحوا على باب الكريم ونحن على أبواب شهر رمضان، فمن يمسح دموعهم بعد أن تركناهم يفعلون ما يحلو لهم فى منطقة وسط البلد حتى وقعوا ضحية النيران التى التهمت كل ما يملكون من رأس المال.
هذه الحرائق لا يمكن أبدا أن تكون مصادفة، وعلينا محاسبة أنفسنا أولًا قبل البحث فى شماعة أن الحرائق بفعل الجماعات الإرهابية التى يمكن أن تكون استغلت الموقف وانتبهت له وبدأت تخطط له وتشعل حرائقها بالشائعات المغرضة من وراء هذه الحرائق، فمنطقة وسط البلد يعشش فيها الإهمال وكل مكان احترق لا يوجد فيه وسائل أمان ضد الحريق فالبضاعة فى الطرقات مكدسة ولا تستطيع أن تمشى فى الشارع إلا بصعوبة بالغة، ولايوجد تنظيم لعمليات البيع والشراء ولاتوجد أماكن محددة لمن يطلق عليهم السريحة، وكل المواد التى تباع قابلة للاشتعال السريع، والمحافظة غائبة والحماية المدنية لا وجود لها، وشرطة البلدية لا تستطيع أن تصل إليهم، وهنا الكل شركاء المحافظة مسئولة لأن الحى ترك هؤلاء دون تنظيم، الحماية المدنية مسئولة لأنها لم تطالب باشتراطات الحماية المدنية السليمة، وشرطة البلدية مسئولة لأنها لم تحرر مخالفات لهؤلاء ولم ترشدهم إلى الطريق الصحيح، وعلينا أن نضع كل شىء فى مكانه الصحيح، فبدلًا من اتهام اللهو الخفى الذى يسمى الإرهاب وحده فى هذه الحرائق علينا أن نواجه أنفسنا: هل قمنا بعمل الاشتراطات اللازمة لمنع وقوع الحرائق وهل قام كل مسئول بواجبه على أكمل وجه؟ وهل تم تطبيق للقانون أم لا؟ فنجد أن هذه الأماكن لا يطبق فيها القانون ولا أى اشتراطات ضد الحريق وأما حكاية أن الحرائق تتم فجراً أو ليلا فهى بالتأكيد ستتم فى هذه التوقيتات لأن أغلب الباعة أو العاملين تعودوا على الإهمال وتعودوا أن يناموا ويتركوا كل شىء حتى إن كان ذلك سوف يؤدى إلى تدمير المكان بمن فيه.
علينا أن نحاسب أنفسنا أولا وتحكاموا المسئولين ثانيا قبل أن تحرقنا النيران جميعا وتقضى على الأخضر واليابس بدلا من تعليق الإهمال على شماعة الإرهاب وحده الذى انحسر، وحتى لا تشوهوا صورة مصر فى الخارج أكثر من ذلك، وإذا كانت عمليات إرهابية كما يدعى البعض فنحن مسئولون أيضا لأننا لا نترك حراسة ليلية على هذه الأماكن، ولا نؤمنها ضد الحرائق، وعندها لا يستطيع أى إرهابى مجرم أن يفعل ذلك.. أفيقوا وارحموا مصر التى أصبحت تأن من كل شىء، من الإرهاب والإهمال ومن الحرائق، مصر تحتاج كل نقطة عرق وتحتاج إلى سواعد أبنائها يعمرونها ويبنونها ويحافظون عليها مما يحاك بها من الداخل والخارج.. علينا أن نفيق جميعا من غفلتنا من أجل مصر ومن أجل مستقبل أولادنا.