
عصام عبد الجواد
متى نعوض سنوات الغياب عن إفريقيا؟
تبقى العلاقات المصرية الخارجية هى حائط الصد الحقيقى لما يحدث لبلادنا، بعد أن استطاعت مصر ـ فى السنوات الأخيرة ـ أن تلفت مجددًا أنظار العالم إليها، وتعود لوضعها الطبيعى الفعّال، كأحد أهم المحاور للشرق الأوسط.
لكن ستظل إفريقيا هى المحور الأهم بالنسبة لمصر، كونها مازالت فناءها الخلفى فى مجالات التعاون السياسى والاقتصادى والثقافى. وتعود أهمية إفريقيا لمصر إلى الجذور التاريخية منذ القدم، وهى تكتسب كل يوم أهمية كبرى لتزايد ثرواتها الطبيعية الهائلة، بالإضافة إلى إمكاناتها المستقبلية الواعدة، سواء من حيث اتساع أسواقها أو الاحتياجات الهائلة لسكان القارة السمراء.
والدليل على أهمية إفريقيا بالنسبة لمصر، والمواطن الإفريقى أيضا، هو وجود أكثر من 25 وفداً إعلامياً وصحفياً من دول إفريقيا جاءوا لكونها الدولة المحورية، الأهم فى القارة السمراء التى أهملناها طويلاً.
فقد حكى لى أحد أصدقائى فى السلك الدبلوماسى قصة محزنة، هذا الدبلوماسى أخبرنى أنه كان فى مهمة عمل داخل الصومال مدة عامين، عاد منذ فترة قصيرة، وقال لى إن مهمته انصبت على إعادة الدور المحورى لمكتبة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، التى أنشأها فى الصومال فى فترة الستينيات، وهى على مساحة ما يقرب من خمسة أفدنة، فى منطقة جنوب مقديشو العاصمة، وكانت وقتها المكتبة مركزا تثقيفيا وتنويرا لهذه المنطقة، إلا أن الأزمات المتعاقبة، وارتفاع وتيرة الحرب الأهلية فى الصومال، جعلت إهمال المكتبة أمراً حتمياً، بل تحولت إلى ملجأ آمن لعدد كبير من الأسر التى هربت من وطيس الحرب.
صديقى الدبلوماسى أكد لى أنه استطاع خلال عامين أن يعيد بناء المكتبة، بعد أن أخرج منها جميع الأسر، وأعاد دورها الريادى والتنويرى والتثقيفى الذى كانت عليه فى الماضى، لكنه كشف لى أن هناك مَن سبقنا فى هذه المنطقة، تحديدًا إيران، التى استطاعت أن تنشئ أكثر من مركز فى مثل هذه المناطق شديدة الفقر، واستطاعت، فى فترة وجيزة، أن تنشر المذهب الشيعى بين عدد كبير من أهل المنطقة، بعد أن سبقتها بعض الدول الأخرى لتنشر الفكر الداعشى بين شباب نفس المنطقة، وقد تمثلت فى حركة شباب المجاهدين التى مزقت المجتمع الصومالى.
صديقى أكد لى أنه يوجد فى الصومال عملاء لأكثر من عشرين دولة، إذ يعتبرها البعض مستقبل إفريقيا، لما تمتلكه من ثروات طبيعية، وشواطئ ساحلية هائلة، وهذه الدول تحاول بكل الطرق السيطرة على عقول أهالى الصومال.
لذلك لا بد أن نشعر فى مصر بأن علينا الإسراع فى التعامل مع إفريقيا لتعويض سنوات الغياب، خاصة أن دول إفريقيا تشجع مصر على الانخراط بصورة أكبر فى قضاياها، والدفاع عن المصالح الإفريقية فى المحافل الدولية، علاوة على الاستفادة من الخبرات المصرية فى مجال التصدى للإرهاب، وتحقيق التنمية الشاملة، فالجميع يعرف الآن أن مصر عادت لتلعب دورها الرائد فى القارة السمراء، وهو حق لنا فى إفريقيا، وحق علينا لأشقائنا فى القارة السمراء.