
عصام عبد الجواد
أبطال من ذهب يحاربون آفة «التوتر والقلق العام»
تعانى مصر من آفة خطيرة، تكسو زهوها ورونقها، تطفئ بريقها ولمعانها، مصر بلاد الله الطاهرة، التى حباها المولى بالخير أشكالا وألواناً، شعب طيب، ومعدن أصيل، وإرادة قوية، كل هذا يختبئ تحت آفة التوتر والقلق العام، الذى يعيشه المواطن جراء عنف الإصلاحات الاقتصادية، وشر الإرهاب، تلك القشرة تنسينا كل الأشياء التى تتميز بها مصر، ولا يبقى سوى الصورة القاتمة التى تتميز بها هذه القشرة الملعونة «قشرة الارهاب والضغوط الاقتصادية».
كلامى له شواهد عديدة، سوف أركز على روايتين، تعرفون الأولى لكننى سوف ألفت نظركم إليها مجددا، والثانية سوف أخبركم بها لتكتمل الصورة التى تؤكد أن مصر باقية بأبنائها.
لا خلاف على أن زيارة بابا الكاثوليك لمصر تعد من أهم الزيارات التى تمت فى السنوات القليلة الماضية، كونها تعكس قيمة وأهمية مصر، كبلد يدعو للسلام والمحبة، وتؤكد أيضا أن بلادنا واحة للأمن والأمان.
الغريب أن هذه المسلمات بدت فى عيون الإعلام كما لو أنها شىء جديد على مصر!
فبعد مغادرة البابا فرانسيس لمصر بسلام، تبارى الإعلام المصرى والعالمى فى الحديث عن أمن مصر وأمانها، وكيف استطاع رجال الشرطة والجيش تأمين هذه الزيارة بنجاح، وإخراجها بهذا الشكل المشرف، متناسين أن المولى قال عن مصر فى كتابه العزيز: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» سورة يوسف الآية 99.
هذا الكلام ذكرنى بأبطالنا فى سيناء الذين يدافعون عن الوطن، ويضحون بكل غالٍ ونفيس، ولا يعرف أحد عن بطولاتهم شيئا للأسف.
ففى العام الماضى - على سبيل المثال - فوجئت بصديق لى من إحدى المحافظات الحدودية النائية فى الصعيد، يتصل بى وهو يبكى بحرقة، وعندما سألته عن السبب، أجابنى أن ابنه ـ الذى تخرج فى الجامعة وحصل على تقدير «جيد جدًا» ـ تم تجنيده فى سلاح حرس الحدود، وبعد فترة تدريب 45 يومًا تم ترحيله إلى رفح، وبالتحديد على الحدود المصرية مع غزة، بمنطقة الأنفاق.
فبادرت صديقى بسؤال: أنت خايف على ابنك ليستشهد؟ فأجابنى: «حاشا لله». مؤكدًا أنه يؤمن بالله، وابنه أيضًا شديد الإيمان بالمولى، وأن الشهادة هى أسمى ما يتمناه الإنسان فى حياته. لكنه مشفق على ابنه من السفر لمسافات طويلة بهذه الطريقة.
وأوضح لى أن ابنه يسافر من المحافظة التى يقيمون فيها إلى أسيوط، ومنها يركب القطار إلى القاهرة، ومن القاهرة يتجه إلى الإسماعيلية، ومن الإسماعيلية يركب إلى العريش، ومن العريش إلى رفح. وهى رحلة شاقة جدًا تستغرق ما يقرب من 24 ساعة ذهابا ووقتا مماثلا عند العودة.
هدأت من قلقه، وأخبرته أننى سوف أتواصل مع أحد قادة القوات المسلحة لعل وعسى نستطيع نقله إلى مكان أقرب لمحل سكنه، أو على أقل تقدير يؤدى واجبه الوطنى فى القاهرة أو الإسماعيلية أو حتى السويس.
وفى اليوم التالى مباشرة، وجدت اتصالا يأتى من رقم غريب، وبالاجابة من الاتصال وجدت الطرف الثانى يقول لى: «أنا يا عم عصام ابن صديقك، أكلمك من على الحدود المصرية برفح». قالها بصوت رجولى ينبع من شخص شديد الأدب والأخلاق والإيمان.
قاطعته قائلا: «أهلا يا بطل، لقد أخبرنى والدك بقصتك، وسوف أكلم لك أحدًا فى القوات المسلحة لنقلك لأقرب مكان فى الصعيد». إلا أنه قاطعنى بسرعة وهو يستحلفنى بالله ألا أفعل ذلك، مؤكدًا أنه يؤمن بالله ويتمنى الشهادة والدفاع عن أرض مصر وعرضها، حتى لو كلفه ذلك حياته، فالشهادة هى أسمى ما يتمناه، وأن كل شىء يهون، حتى لو كان السفر من رفح إلى بلده فى الصعيد، التى تبعد ما يقرب من ألف ومائة كيلو، مؤكدا أنه لن يترك المكان إلا بعد انتهاء فترة تجنيده، مثله مثل باقى زملائه فى أرض سيناء، مشددا على عشقه لتراب سيناء، لأنها أرض الأنبياء والرسالات.
كلماته أصابتنى بالدهشة والفرح الشديد، لإيمان الشاب بالله وبالوطن لهذه الدرجة القوية، وكانت فرحتى أكبر بكثير عندما حكى لى أنه ليس الشاب الوحيد الذى يتمسك بهذه الأفكار الوطنية، بل أكد لى بعد ذلك ـ فى اتصالات تليفونية كثيرة، استمرت بيننا حتى أنهى فترة تجنيده ـ أن كل الأبطال من قواتنا فى سيناء، سواء من قوات الجيش أو الشرطة، لديهم نفس الإيمان بالله والوطن، بشكل أكبر بكثير مما يتصوره أى أحد ممن لم يعملوا فى سيناء، وأن الموت والحياة بيد الله والأهم ما يقدمه الإنسان فى حياته لدينه ووطنه.
وزادت فرحتى عندما حكى لى أن زملاءه فى المنطقة، مسلمين ومسيحيين، كلهم ليديهم نفس الإيمان، ونفس الروح، وأن كلًا منهم يقف فى ظهر الآخر ولا يتركه أبدًا.
هذه القصة البطولية ما هى إلا جزء من عشرات، بل مئات القصص لأبطال حقيقيين من أبناء مصر الوطنيين، الذين يعرفون قيمة الإيمان بالله والأرض والعرض. وهو ما جعلنى على يقين بأن مصر ستظل على مدى التاريخ بلد الأمن والأمان، وبلد السلام والمحبة.
إنها مصر جنة الله على الأرض، وطن السلام والمحبة، لذلك علينا أن نكون على يقين بأن مصر ستظل طوال عمرها فى أمن وأمان، طالما فيها أبطال مرابطون إلى يوم القيامة.
حفظ الله مصر، من آفة «التوتر والقلق العام» الذى يخلقه عنف الاصلاح الاقتصادى وشر الإرهاب، والذى يغطى على رونق مصر وجمالها، ومعدنها الأصيل، وعلى جهود أبنائها المخلصين، من رجال الجيش والشرطة، وكل من يدافع عنها وعن ترابها، وكل من يعمل على استقرارها.