
محمد صلاح
ملايين الاعتذارات لا تكفى
فى مبنى عتيق، بوسط عاصمة الإمبراطورية التى كانت يوما لا يغيب عنها الشمس، يرجع تاريخه إلى القرن السابع عشر، وتحت أضواء الشموع الخافتة، فى غرفة متسعة بالطابق الثالث مطلى أثاثها وجدرانها وسقفها بماء الذهب، اُرتكتب أبشع مؤامرة فى تاريخ الإنسانية.
فقبل مائة عام، وفى الثانى من نوفمبر عام 1917، ومنح من لا يملك وعدا لمن لا يستحق بإقامة وطن على أرض فلسطين، مثل اللص الذى يسرق مال غيره ليعطيه لآخر، فها هو وزير الخارجية البريطانى آنذاك آرثر بلفور، أمسك بريشته المطلية بماء الذهب وكتب رسالة لا تزيد على مائة كلمة، إلى صديقه الملياردير اليهودى روتشيلد، نسجت خيوط المؤامرة وغرست البؤرة السرطانية فى قلب الأمة العربية والإسلامية، وكانت سببا فى نكبة الشعب الفلسطينى، وتشريده بين مخيمات اللاجئين، رغم أن عدد اليهود على تلك الأرض لم يزد على 5% من إجمالى عدد السكان.
وزير الخارجية البريطانى بلفور فى رسالته رضخ لضغوط الصهيونية العالمية، وحقق أهدافها بإعلانه أن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، واشترط عدم الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية التى تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة فى فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود فى البلدان الأخرى.
وعلى مدار قرن من الزمان، كانت بريطانيا وفية بعهدها، وداعمة بجميع السبل القذرة للصهيونية العالمية، ورغم انتظار العرب مائة عام، اعتذارا يشفى غليلهم عن نكبة الشعب الفلسطينى من هذا الوعد المشئوم، إلا أن الصدمة استفزت مشاعر أمة المليار ونصف المليار، فبدلا من الاعتذار سارت رئيس الوزراء البريطانية تريزا ماى على نفس نهج أسلافها، مؤكدة أن لندن تتفاخر وتتباهى بدورها فى إقامة دولة إسرائيل، بل وأعلنت عن إقامة احتفالية للذكرى المئوية لصدور وعد بلفور، دعت للمشاركة فيه رئيس وزراء إسرائيل، ورموز الصهيونية العالمية.
بريطانيا لا تزال هى مصدر المؤامرات، فتاريخها الأسود حافل بالجرائم الإنسانية فى حق الشعوب العربية والإسلامية، فهى مصدر النكبات والنزاعات والحروب التى حلت بدول العالم الثالث بسبب ترسيم الحدود، واحتضانها لجماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها، ودعمت إرهابها فكريا وماديا ولوجستيا، حتى تحولت الكرة الأرضية إلى كتلة من نار تحرق الأخضر واليابس.
بريطانيا التى تدعى الحرية والديمقراطية، لا يكفينا معها ملايين الاعتذارات، فهى دولة لا تعترف بمبادئ القانون الدولى، وترفض الإقرار بجريمتها فى حق الشعب الفلسطينى، ولم تعد تجدى معها عبارات الشجب والاستنكار.
العرب مطالبون، بفضح جرائمها، وتنظيم مظاهرات فى جميع دول العالم، وفى قلب لندن أثناء الاحتفال بمئوية وعد بلفور، وتقديم دعاوى أمام المحاكم الدولية، للمطالبة بتعويض الشعب الفلسطينى عن جرائم الاستيطان والتشريد.
بريطانيا أصبحت مطالبة الآن بالإعلان عن حماية وضمان حق الشعب الفلسطينى، والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقبلة كاملة السيادة على حدود 4 يونيو وعاصمتها القدس.