الأحد 21 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الانتخابات الافتراضية 2022

الانتخابات الافتراضية 2022






تحت عنوان «انسداد الأفق السياسى»  تدعو جماعات وتيارات وتنظيمات إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، ورغم استخدامهم لأسباب ومبررات مختلفة ترتكن إلى حالة من عدم بذل أى مجهود أو تحمل أى ضريبة رافعين شعار «النضال السلبى» أفضل جدا، لكنهم جميعا يشتركون فى فرض نظرية جديدة وهى أن ممارسة السياسة لا تكون إلا بمنحة من الدولة، ولا تكون إلا باستجداء النظام!
 تخيل أن أطياف المعارضة فى مصر اتفقت على التحول من حالة النضال إلى حالة «التسول السياسى»، وهنا يدفعنا المشهد إلى استعراض ظروف وأسباب الانفتاح السياسى الذى شهدته الدولة منذ عام ٢٠١١ ويمكن إيجاز تفاصيله فيما يلى:

- حل الحزب الوطنى ورحيل رموزه منذ عام ٢٠١١ وهو الذى كان مبررا لاحتكار العمل السياسى.
- رحيل نظام الإخوان بفعل ثورة ٣٠ يونيو.
- إتاحة الفرصة كاملة لجميع التيارات خلال سنة حكم فيها المستشار الجليل عدلى منصور.
- إصرار السيسى على عدم تأسيس حزب سياسى حتى الآن.
أى أن جميع الظروف الممكنة كانت متاحة لو أن هناك مشروعًا بديلًا يقف على نفس أرضية الدولة الوطنية، لكن نفس المعارضة ونفس النخبة مازالت تفعل ما تفعل وتقول ما تقول ثم تندهش أن الدولة والمواطن لم يعودا يقيمين لهما أى وزن سياسى!
ولما كانت آفة دولتنا نخبتها التى لا تجاوز شعاراتها حناجرها، فإن الواجب يقتضينا أن نذكر لعل الذكرى تنفع المصريين.
عام ٢٠١١ ظهرت جماعة الإخوان واستولت على المشهد بوضوح وراحت تتلاعب بمن يصفون أنفسهم بالنخبة أو بالمعارضة المدنية أو حتى بشباب الثورة، راحت تستخدمهم طوعًا وكراهية كيفما تشاء وقتما تشاء وأينما تشاء، راحت تستخدمهم جملة وتفصيلًا من بين أيديهم ومن خلفهم، ولما وصلت إلى حكم البلاد اتفقت هذه المجموعات على عنوان جديد يعفون به أنفسهم من المسئولية الوطنية وانطلقوا تحت شعار «الثورة سرقت»، وإذا افترضنا صحة ذلك فإننا بصدد حالات محددة من السرقة السياسية نوجزها فيما يلى:
- سرقة بالإكراه فنكون أمام نخبة ضعيفة لا تقوى على حماية مستحقاتها السياسية بل لا تستطيع حمايتها.
- سرقة بأسلوب الغفلة فنكون أمام نخبة مغفلة سياسيًا.
- استيلاء بطريق النصب السياسى فنكون أمام نخبة بددت ما آل إليها بفعل ثورى مزعوم.
- وحالة رابعة وهى أن تكون تلك النخبة غير مدركة لما استحوذت عليه ففرطت فيه فنكون أمام حالة من السفه السياسى تستوجب الحجر الشعبى.
فى جميع الحالات فنحن أمام نخبة صحيفة الحالة السياسية لها مليئة بالجنح السياسية التى تجعلها ليست أهلاً للثقة أو للمسئولية.
دعونا نتجاوز الزمن ونقفز إلى عام ٢٠٢٢ لنتخيل أننا أمام انتخابات افتراضية حيث لن يكون السيسى متاحًا كمرشح وفقًا للقيد الدستورى القائم حتى الآن، ما الذى ستفعله تلك المعارضة حينها كيف ستمارس دورها؟ هل ستدعو للمقاطعة ومن ستقاطع؟ هل ستكون قد جهزت مرشحا مدنيًا صالحًا للمنافسة ومن سينافس؟ وإذا كان هذا المرشح موجودًا بالفعل هل يمكن الكشف عنه الآن قائدا لمشروع المعارضة الساعية للوصول للحكم؟ أم أنه مرشح سرى؟ وإذا كان موجودًا بالفعل فمن منافسه المطلوب لاستكمال الشكل الانتخابى كما يعاب الآن على المرشح موسى مصطفى موسى الذى لم يفعل شيئًا سوى أنه تقدم الصف الوطنى؟
حاول أن تجمع إجابات هذه الأسئلة فى ذهنك ثم اترك عالمك الافتراضى وعد فورا إلى الواقع  حيث عام ٢٠١٨ ستجد ما يلى:
- نحن أمام معارضة الهواة التى لا تملك أى مشروع حقيقى سوى الحركة البهلوانية فى المساحة التى تتحقق نتيجة تجارب حقيقية لرجال دولة حاولوا بذل مجهود فأخطأوا وأصابوا.
- نحن أمام معارضة لم يسبق لها أى تجربة عملية يمكن من خلالها تقييمها بشكل علمى حقيقى.
- نحن أمام معارضة عاجزة عن التوحد رغم توافر كل عوامل توحدها لو أن لها مشروعا حقيقيا لإدارة دولة فى مواجهة أنظمة  تروج لفشلها.
- نحن أمام رغبة حقيقية لمعارضة بلا نهاية تجنبًا لتحمل أى مسئولية حقيقية أو أى اختبار عملى.
- نحن أمام معارضة عجزت عن إقناع أى كتل جماهيرية للالتفاف حولها رغم أنها تزايد على آلام هذه الجماهير طوال الوقت.
- نحن أمام معارضة أدمنت حالة المازوخية السياسية وتصر على تصديرها للأجيال الناشئة.
- نحن أمام معارضة تخشى نجاح أى مشروع معارضة بديل حتى لا ينكشف أمرها .
- نحن أمام معارضة لا تستطيع التمييز بين الدولة والنظام الذى يدير هذه الدولة .
- نحن أمام حالة بطالة سياسية مقنعة يتم التعتيم عليها بالشعارات والمزايدات.
- نحن أمام معارضة لا تدرك ولا تريد أن تدرك ما الخطوة التالية للمقاطعة.
استجمع كل ذلك ستجد أنك أمام دعوة لمقاطعة الوطن وليس الانتخابات.
والآن فلنتعامل مع الدعوة للمقاطعة باعتبارها مشروعًا تحت التأسيس، فإن الاحتمالات التى يمكن أن تؤدى لها لن تخرج عن الآتى:
- فشل الدعوة ونجاح أحد المنافسين بالنسبة القانونية المنصوص عليها دستوريًا، وفِى هذه الحالة فإن أصحاب هذا المشروع الانسحابى عليهم التزام الصمت السياسى التام طوال السنوات الأربع المقبلة.
- نجاح الدعوة وبالتالى يكون أصحاب هذا المشروع مطالبين على الفور بالدفع بمرشحهم الذين يَرَوْنة قادرًا على تغيير قواعد اللعبة السياسية، والذى من المفترض أن يكون حاليا هو قائد المقاطعة التى نجحت فى جذب الجماهير حولها.
- استجابة كتلة جماهيرية لها وزن سياسى مؤثر لتلك المقاطعة، وهنا يكون على أصحاب دعوات المقاطعة حشد طاقاتهم لإقناع هذه الكتلة بالبدء فى مشروع فورى لبناء دولة وهو ما يتطلب أن يقوم هذا المشروع مبدئيًا على برنامج واضح لكيفية تغيير العوامل التى دفعتهم للمقاطعة.
- ظهور دور حيوى لتنظيم الإخوان الإرهابى فى نجاح المقاطعة، وهنا يكون على أصحاب المشروع إثبات حقوق الملكية السياسية لفكرة المقاطعة حتى لا يستولى عليها التنظيم الإخوانى ويعيد بناء ذاته عليها.
- الاعتراف الصريح من جانب أصحاب هذا المشروع أنهم على اتفاق سرى منذ البداية مع التنظيم الإخوانى لإعادته للمشهد، أو لأنهم لم يعودوا قادرين على العيش السياسى إلا تحت وطأة حالة استخدام سياسى تضمن لهم مساحة كافية لممارسة العبث السياسى على حساب المشروع الحقيقى للدولة.
نحن أمام حالة محددة الاحتمالات والمسارات، وعلى المقاطعين أن يعلنوا فورا عن أهداف مشروعهم التكتيكية والاستراتيجية حتى يكون المواطن الناخب على بينة من أمره، وحتى يعلم مصيره من خلال إجابة صريحة للسؤال ماذا بعد المقاطعة؟
بعد ذلك ننتقل إلى المرشحين المحتملين المزعوم إقصاؤهم كأحد دلائل ما يسمى بوهم انسداد الأفق السياسى، ونستعرض حالة كل مرشح على النحو الآتى:
- أحمد شفيق وقد قيل إنه تعرض لضغوط فإذا كان هذا صحيحًا فهو إذن قابل للانضغاط ما يخشى أن يضغط به عليه، وهو الذى كان بإمكانه تسجيل مقطع فيديو يستعرض فيه تفاصيل تلك الضغوط كما فعل وقت أن كان مقيمًا فى الإمارات حيث نجحت مناوراته وعاد إلى بلده وعينت له حراسة مشددة.
- سامى عنان وهو من يحاكم بقانون هو أحد المشاركين فى صياغته وإقراره، وقد اعترف  نائبه الموعود حازم حسنى أن الفريق مستدعى بالفعل.
- خالد على وهو من عجز عن جمع التوكيلات بينما كانت فضيحة التحرش داخل حزبه تختمر وانفجرت فى وجهه ودفعته إلى الاستقالة المخزية.
- حمدين صباحى الذى أعلن أنه لن يخوض الانتخابات كما لو كانت لديه فرصة محتملة، وهو أكثرهم وضوحًا بعدما آثر السلامة واكتفى بلقب أيقونة الباطلة وأيقونة الفشل عندما تفوقت عليه الأصوات الباطلة عام ٢٠١٤.
- محمد أنور السادات الذى أعلن انسحابه قبل أن يحصل على توكيل واحد، وأعلن فى مؤتمر صحفى متاح أنه قرر عدم الترشح نزولًا على رأى أعضاء الحملة ليكون بذلك صاحب أول حملة انسحابية لا أدرى ماذا كان الداعى لها، وهى التى لم تتخذ سوى قرار وحيد هو انسحاب مرشحها.
هؤلاء هم أبرز من قيل عنهم إنهم مرشحون محتملون.
والآن نذهب إلى افتراض جديد ماذا لو أن دعاة المقاطعة- والفرصة مازالت متاحة- اتفقوا على دعم المرشح موسى مصطفى موسى وهى تجربة متاحة لو لم تحقق أى استفادة فلن تحقق أى ضرر، لأن فشل المرشح المذكور لن ينسب إلا لنفسه، كما أن التجربة ستتيح تمرينًا سياسيًا مجانيًا يمكن البناء عليه لتجربة ٢٠٢٢.
لو أن دعاة المقاطعة لديهم النية لمشروع وطنى فإن أمامهم فرصة متاحة مأمونة الجانب تماما وبلا أى خسائر.
لكن الحقيقة تقول: إنهم عقدوا النية على عدم بذل أى مجهود الآن أو حتى بعد مائة عام، الواقع يؤكد أن دعوتهم للمقاطعة ما هى إلا عنوان لانعدام المشروع وانعدام الهوية السياسية وانعدام الرغبة للبذل من أجل الوطن أو حتى من أجل الذات.
وإلى افتراض ثالث نذهب، ماذا لو أن كل من هو محسوب على الدولة، وكل من هو صاحب خلفية عسكرية اتفقوا جميعا على عدم الدفع بمرشح فى انتخابات ٢٠٢٢؟ ما موقف دعاة المقاطعة ساعتها؟ عن أى انسداد سياسى سيتحدثون وقتها؟
ساعتها من سيكون مرشحهم القادر على أن يتفوق على الأصوات الباطلة؟ هل ستتحمل الدولة أنواع التسالى السياسية التى أدمنها من لا يملكون إلا الدعوة للانسحاب واللاعمل؟
ساعتها سينكشف المقاطعون، ساعتها ربما يندفعون إلى الشوارع والشاشات رافعين شعار «انزل يا سيسى»، وربما يقودون حملات تعديل الدستور.
عزيزى الناخب، بعد هذا العرض ما عليك إلا أن تحتمى بعقلك وضميرك، ما عليك إلا أن تتصرف من منطلق حبك لوطنك وخوفك عليه، بل كن أكثر واقعية وحدد سلوكك الانتخابى من واقع حبك لذاتك وخوفك على أبنائك، فإذا وجدت أن تلك المقاطعة هى مشروع أو حتى شبه مشروع يأخذك فى الطريق إلى حياة أفضل فتمسك بها، ولكن من حقك أن تعرف نهاية هذا الطريق قبل أن تخطو أولى خطواتك.
أما إذا قادك عقلك وضميرك إلى غير ذلك فأنت أمام اختيارات حرة من بينها إبطال صوتك كتعبير عن موقف سياسى يمكن أن يكون نواة لمشروع مستقبلى، إما أن تسلم نفسك بنفسك إلى حالة من المجهول فهو ليس قرارًا بالتخلى عن وطنك بل بالتخلى عن عقلك وإحساسك وضميرك والدخول بإرادتك لحالة من الغيبوبة السياسية.