
محمد صلاح
فك شفرة حيتان الفساد
مع شروق يوم جديد، يسقط عرش من عروش الفساد، وتهتز الأرض من تحت ممالك حيتان المال الحرام، بعدما تحول استحلال «قوت الشعب» إلى أسلوب حياة بين المنحرفين من صغار «الأفندية» وكبار «البهوات».
هيئة الرقابة الإدارية برئاسة اللواء محمد عرفان، لم تتوان لحظة واحدة عن دك حصون الفساد، وتطهير البلاد من المتلاعبين بالمال العام، دون النظر إلى أسمائهم أو مناصبهم، فالجميع أمام القانون سواء، إيمانا منها بأن الفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب، ويحتاج إلى وقت طويل لاجتثاث هذه الخلايا السرطانية التى تمكنت من مفاصل الهيئات الحكومية، وأصابتها بالجمود، بعدما تجاوز الفساد مرحلة «الركب» إلى «الرقاب»، وأزكم الأنوف وأعمى ظلامه الأبصار، حتى أصبحت مؤسسات الدولة جثة هامدة غير قادرة على التطور والتنمية.
سقوط وزراء ومحافظين وكبار مسئولين فى قبضة رجال الرقابة الإدارية لم يكن رادعا للمفسدين، ولم يجعل المنحرفين من صغار « الأفندية» وكبار « البهوات» يفكرون ملايين المرات، قبل أن يسيطر الشياطين على عقولهم ويعمى المال الحرام أبصارهم، ويسقطون فى براثن جريمة مخلة بالشرف، تجلب العار الاجتماعى لهم ولأولادهم، ويظل العار يطاردهم جيلا بعد جيل.
«لا كرامة لفاسد بين أهله.. ولا أحد فوق القانون، ولا يوجد كبير على المساءلة..مهما كان اسمه أو منصبه»، فقد انتهت مقولة «خدوا البساريا وسابوا الحيتان الكبار»، بعدما نجحت الرقابة الإدارية فى فك شفرة كبار «البهوات» فى طريقة طلبهم للرشوة، وتوثيق ذلك بالصوت والصورة، حتى لا يفلت الفاسد من عقابه.
رئيس مصلحة الجمارك الذى سقط قبل ساعات فى قبضة الرقابة الإدارية بعد 60 يوما بالتمام والكمال من توليه منصبه، لم يتعظ من العار الذى لاحق عددا كبيرا من مرؤوسية فى المنافذ الجمركية المختلفة التى تحولت إلى أوكار للفساد، أو الوزراء والمحافظين وكبار المسئولين الذين سقطوا فى قبضة الرقابة الإدارية.
ومن المفارقات العجيبة، أن المتهم الجديد يعد خبيرا فى مكافحة التهرب الجمركى،حاصل على الدكتوراة فى اقتصاديات التهريب الجمركى وأثره على عجز الموازنة، وهو نفسه الذى أمر مرؤوسيه بتهريب حاويات من البضائع محظور استيرادها دون الحصول على رسوم جمركية، مقابل الحصول على رشوة قدرها مليون جنيه، كما وجه بإعداد تقارير مخالفة للواقع لتخفيض الغرامات المالية المستحقة عن بضائع سبق ضبطها فى عدة قضايا تخص المهربين.
ومن المثير للدهشة أن رئيس مصلحة الجمارك الذى جاء من فرع بورسعيد، بدأ مهام منصبه مرتديا ثياب الناصحين بـ» قال الله وقال الرسول» و « وادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» مطالبا الجميع بتذليل الصعوبات فى إطار من النزاهة والشفافية.
قطعا، هذا المتهم سينال عقابه العادل وفقا للقانون، ولكن قبل كل ذلك يجب أن يحاسب المسئول الذى رشحه واختاره إلى المنصب القيادى، فالانحراف لا يأتى فجأة.
ميراث الفساد طويل وممتد، ويجب على المجتمع ألا يقف عاجزا أو صامتا أمام كل فاسد، فالفساد ينتشر ويتوغل كلما آثر الشرفاء السلامة وتركوا الميدان للفاسدين.
ومجلس النواب ليس أمامه بديل للقضاء على حنفية الفساد إلا بإصدار تشريعات جديدة، تغلظ العقوبات لكل من تسول له نفسه الاستيلاء على المال العام، فنحن الآن بحاجة إلى السير على درب الفراعنة بإعدام الفاسد والمرتشى، وقطع أذنيه وأنفه ليكون عبرة لمن لا يعتبر.