
رشدي أباظة
الاحتلال السلفى (٢-٤)
ذات يوم. وقف داعية سلفى شهير يدعى محمد حسان. قال فينا قولا عظيما. كان يتحدث بين جموع سلفية هادرة. قال: لاحت فى الأفق تباشير الإسلام. وقع الكلمة مروع وقاس. كان الرجل يحشد متحدثا إلى طوفان سلفى ملأ ميدان النهضة بدعوة من خيرت الشاطر لدعم مرسى قبيل عزله. نطق الرجل بما فى دواخل السلف. وما تخفى صدورهم أكبر.
الشيخ حسان نموذج حى يمشى بين المصريين لدعوة السلفية المستترة خلف الكراهية وادعاء الاعتدال. يجهرون لنا بالإيمان وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا نحن كافرون.
تباشير الإسلام تلوح فى أفق مصر. توفقت طويلا أمام هذه الجملة. خطورة السلفيين تتمثل فى تكريس حالة اغتراب دينى دائم فى المجتمع. يرون أن مصر بعيدة عن صحيح الإسلام. دون أن يقدموا نموذجا عمليا عن كيفية تعاملهم الدينى مع الحياه من تطور وحداثة. يرون أن الشعب المصرى مقصر دينيا أحيانا ولا يعرف شيئا عن الإسلام أحيانا كثيرة. يمنحون أنفسهم صكا استعلائيا دينيا باعتبارهم المسلمين ونحن من دونهم. يرون فى أنفسهم الأكثر إسلاما وإيمانا عقيدة وسلوكا. استعلاء قاتل. يشاركون الله الحكم على البشر والحجر. يقدمون لنا جرعات دينية بالكم والكيف الذى يرونه مناسبا لحالتنا المتأخرة.
حالة الاغتراب الدينى تظهر نوعا من الازدواجية فى شخصية الفكر السلفى. ففى الوقت الذى يدعون أنهم أصحاب الدعوة التى تتطلب انفتاحا على المجتمع من أجل دعوتهم نجدهم وقد تقوقعوا داخل حالة سلفية انعزالية عن هذا المجتمع. يرتدون زيا لكشف تميزهم وهويتهم. يتعمدون استخدام الفصحى من اللغة العريية معنا فى المعاملات والشوارع.
يصرون على العبث فى الهوية الوطنية المصرية باستخدام الدين وتوظيفه. يقولون فى أنفسهم بأنهم يمثلون صحيح الدين الواجب فرضه على المجتمع. دعوة السلف حتما هى دعوة لا وجود لها فى حقيقة المجتمع. يتجاهلون عاداته وتقاليده وموروثاته وتراكماته العتيقة الضاربة فى عمق التاريخ والدين. لذلك كله يتضح موقفهم الإقصائى من كل شىء حتى المؤسسات الدينية المصرية. يبلغ الإقصاء مداه ضد الفنون والاداب والثقافة المصرية. يصرون على ربطها ذهنيا بأنها تمثل حالة انفلات أخلاقى لإحداث نفور عام يستطيعون من خلالها تنفيذ عملية الإخلاء الوجدانى الفكري. إخلاء بهدف أن يحلوا محله حتى يختل العقل الجمعى المصرى.
الأحد نكمل