الأحد 18 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رد اعتبار «بسملة»

رد اعتبار «بسملة»






مشهدان مأساويان.. فى فترة زمنية وجيزة، توقفت أمامهما كثيرا،  كشفا أخطر الآفات التى تعانى منها مجتمعاتنا.. «العنصرية.. التمييز.. التنمر»..  وهى مصطلحات أطلت برأسها من جديد، ما يستدعى منا «حكومة ومواطنين» تكثيف الجهود على جميع المستويات للتوعية من مخاطرها الجسيمة على وحدة وتماسك النسيج الوطنى.
المشهد الأول.. فى مدينة الإسكندرية، وراح ضحيته إيمان التى رحلت قبل أن تحقق أحلامها وأحلام أسرتها بالانضمام إلى  طابور» ملائكة الرحمة» .. التحقت بالمعهد الفنى للتمريض إلا أنها انتحرت بإلقاء نفسها من الطابق الرابع للمعهد بسبب عنصرية مشرفات  دأبن على السخرية منها بعبارة :» إنتى سودة.. دخلتى تمريض إزاى.. إنتى عار على الصحة».
فى مدينة دمياط.. كان المشهد الثانى..  لا يقل قسوة.. بطلته  فتاة جميلة فى عمر الزهور تدعى « بسملة» عبد الحميد الطالبة بالصف الثانى الإعدادى،  بمدرسة الشهيد محمد جمال صابر، تحمل بداخلها أمنيات كبيرة لمستقبل أفضل، فهى طالبة متفوقة، أثنى عليها موجه اللغة العربية، إلا أن ذلك لم يلق قبول مدرس اللغة العربية سامى دياب، الذى كان يشرح درس « النعت» فى مادة النحو، إذ كيف لطالبة لا تأخذ عنده درسًا خصوصيًا أن تحظى بثناء موجه مادة اللغة العربية، فسألها عن اسمها، فوقفت وردت بكل أدب قائلة « بسملة»، فقال ساخرًا من بشرتها السمراء، أعرب هذه الجملة : «بسملة تلميذة سوداء».
وقعت العبارة الساخرة على «بسملة» كالصاعقة، وأصيبت بصدمة شديدة، ودخلت فى نوبة بكاء بسبب سخرية المعلم عديم الإنسانية، لا تليق به هذه المهنة العظيمة، وهددها قائلا:» لو مبطلتيش عياط هخرجك بره الفصل.. هى الكلمة وجعتك أوى كده».
الغريب أن الإخصائى الاجتماعى ومدير المدرسة لم يحرك ساكنا، وعادت الفتاة المنكسرة إلى منزلها برفقة أصدقائها وهى فى حالة انهيار شديدة، وحبست نفسها فى منزلها لمدة 5 أيام رافضة الذهاب إلى المدرسة، فقد كرهتها وكرهت التعليم كله».
رحم الله إيمان  أحد « ملائكة الرحمة» التى راحت ضحية «تنمر» مشرفات التمريض ، .. أما « بسملة» فعليها ألا تغضب، من عنصرية معلم فقد إنسانيته، فأنت فتاة جميلة، ويكفيكسص شرفا أن اسمك كلمة منحوتة من لفظ بسم الله الرحم الرحيم.
« بسملة» عاد لها حقها، و» رد اعتبارها»  بإحالة المدرس عديم الإنسانية إلى التحقيق ونقله من المدرسة، والاعتذار لها أمام الجميع، فقد ارتكب خطأ جسيما يستحق عليه أقسى عقاب، بإحالته إلى عمل إدارى ليكون عبرة لكل شخص يدعو للعنصرية والتمييز، فهذا المعلم لا يصلح لتعليم الأطفال وتنشئة أجيال جديدة تقود البلاد على أساس المواطنة والمساواة والعدالة الاجتماعية.
والد ووالدة «بسملة» كانا على قدر المسئولية، لم يرضخا للضغوط، وأصرا على رفض العنصرية والتمييز، على أساس اللون والجنس، وخاضا معركة شرسة لخروج تلك الجريمة إلى النور والتوعية بمخاطرها، حتى تم إحالة المدرس للتحقيق، بقرار من مديرية التربية والتعليم، كما حرصت الدكتورة منال عوض ميخائيل محافظ دمياط على رد اعتبار «بسملة» بحضورها  طابور الصباح وتقديم باقة ورود إلى «بسملة» والاعتذار لها أمام الجميع.
وزارة التربية والتعليم يقع على عاتقها دور كبير فى تغيير سلوك المعلمين وتنمية مهاراتهم، وحثهم على التمسك بالقيم والمبادئ والثوابت الدينية والإنسانية والأخلاق الحميدة لبناء مجتمعات راقية ومتحضرة.
المجتمع فى حاجة شديدة إلى صدور قانون ضد التمييز والعنصرية وإنشاء مفوضية تعتنى بمجابهة التمييز بشتى أنواعه، وخاصة التمييز على أساس اللون.