الأربعاء 9 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حصان العمر

حصان العمر






منذ نعومة أظفارنا، وطفولتنا تحلم بريعان الشباب، تحلم بشباب العمر... متى ستكبر؟ ومتى ستمتطى هذه الطفولة ظهر حصان العمر لتنعم بشبابها وتقفز لحلمها.
حصان العمر.. هو ذاك الحصان الذهبى الذى يأتيك بعنفوان الشباب ورحيق العمر، هو القوة والعزيمة، هو الأمل والشغف والإصرار والتحدى، هو قفزاتك لحلم لا يعترف إلا بسباق الفرسان فى مضمار صراع الحياة.

على الضفة الأخرى.. يداعب بريق حلم عين هذا الحصان ليخطفه، ورائحة ذكية تتسلل لأنفه لتخبره بثمة نجاح شهى ينتظره على وليمة كبيرة.. حلم يغازل من بعيد هذا الشباب الطامح ليمتطيه، فذاك الحلم لا يقبل إلا بفارس مغوار مثابر لمصارعته.. كان كل هذا كفيل بأن يثير عزيمة هذا الحصان، ليعقد عزمه للوصول إليه.

لم يكن يمتلك هذا الحصان فى بداية رحلته غير قوة شباب عفى وأمل متجدد وشغف متمرد وعزيمة قوية للسعى قدما للركب بحلمه.. يشد بغطائه على عينيه حتى لا تزغ عيناه عن هدفه، يجرى (رهوانا) نحو هدفه... وعلى الرغم من جمال الحياة الآنى حوله، إلا أن شغفه الملح لم يأذن له بالمكوث والراحة للتمتع بهذا الجمال المحيط ولو لبضع دقائق، فهناك ما ينتظره أهم على الضفة الأخرى... حتى الوردة الجميلة التى دغدغت أنفه بجمال رائحتها، لم يعط لها بالاً، شغفاً بما هو آت... يظل الحصان يجرى ويجرى ويجرى بكل عزم وقوة وإصرار إلى أن يصلَ لوجهته الأخيرة، فيجد أن ما قد لمعت له عيناه ما هو إلا سراب... سراب اطفأ لمعة عينيه شيئا فشيئا، ونكس رأسه بحزن ممزوج بالخيبة على حلم تجسدت كل ملامحه فى ذهنه بأبهى صوره.
يرتاح قليلا ويظن أنها نهاية الرحلة، فقد خيم السراب على بريق أحلامه، ولكن سرعان ما يعود له الأمل من جديد، فعنفوان شبابه أقوى من تلك الهزيمة، وشغفه المتمرد أقوى من تلك الخيبة، فيلمع حلم آخر فى عينيه تنبثق أشعته من وراء الجبل هناك، فيحزم كل قواه لينطلق مجددا صوب حلم جديد فى رحلة لم تنته بعد.
فى كل مرة يقرر أن يواصل فيها الحصان رحلته للبحث عن بريق حلمه، ليجده محطات من سراب لا تنتهي.
حلم جميل اخترق بريقه ولمعانه تلك الطفولة البريئة ليسرقها من صفو طفولتها وسلامها.. من حياة لا تحلم فيها سوى بقطعة من الشيكولاتة تدغدغ فمها حلاوةً لتعطيها المعنى الحقيقى للذة.

أحلام وردية.. هكذا لاحت لطفولتنا البريئة.. هكذا فتنتنا بثوب مغرى لا يُظهر إلا أجمل ما فيها... لتسرق به أثمن لحظات الحياة (الشباب)... هذا السراب الذى يلوح بجماله لم يرحم خيبة أمل شباب فتي، لم يترك له حتى شبابه لينعم به، كأنه جاء ليسرق كل أرواح الطفولة ويحصد كل أرواح الشباب ويبقى على الكهولة، ففى البداية سرق طفولتنا حلما بمجىء ريعان الشباب، وفى النهاية سرق ريعان شبابنا حلما بمجيء حلم الحياة، ولم يبق لنا وله فى النهاية سوى كهولة تستند إلى حطام حياة.

هذا الحصان هو مرحلة الشباب التى مررنا بها جميعا . . بداية من ريعان الشباب إلى ذبوله... هكذا تكون حياة كل منا...فدائما ما تسرقنا الحياة من الحياة، فى ثوب امرأة لعوب تُجسد لكل منا كل ما نتمناه من حلم جميل لمستقبل أفضل لحياة وردية لنعيم مديد، حتى ننشغل بها عن كنز الحياة الحقيقي، لنفقد فى رحلتنا الكثير من الفرص التى حتى إن كانت صغيرة فهى قد تكون بالقيمة التى قد لا نستطيع تعويضها بعد، نفقد لذة التمتع بالحياة فى ثوبها الطبيعى الهادئ، لنخوضها فى ثوبٍ هائجٍ كموج البحر.

هكذا تنتهى الرحلة ومعها تنتهى الحياة بمجرد انتهاء الشباب... هكذا تضيع حياتنا فى زحمة البحث عنها... بروح الأمل والنشوة نلتقى بها، وبروح الندم نختتم اللقاء على ما فات.

لم تعترف الحياة يوما إلا بروح الشباب، لذلك كان شبابنا أول فريسة تبحث عنه لكى تقتنصه، كأنها تجدد روحها بثكل أرواح شبابنا، تاركةً لنا حطام عظام الكهولة الذى قُتلت معه شهوته فى التمتع بلذة الحياة، فإما أن تحيا شبابك ممسكا به، أو تتركه لإزهاق حياة لا ترغب إلا به.