الجمعة 26 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ماذا حدث فى يناير 2011؟ (1 – 3)

ماذا حدث فى يناير 2011؟ (1 – 3)






شهد شهر يناير 2011 – فى مصر وبعض الدول العربية - بداية مؤامرات ممنهجة ومتتالية ومتتابعة لهدم تلك الدول وإسقاط ليس أشخاص حكامها، وبل انهيار نظمها ومؤسساتها وشيوع الفوضى والخراب فى مختلف جوانب حياتها، فيما سُمِّى حينها بثورات الربيع العربى، واعتقدنا وقتئذ أنها قادرة على إعادة دولة القانون للشعوب، ولكن سرعان ما خبت وذوت وتهاوت بعد أن حادت عن مساراتها وتحقيق أهدافها، فعمت الفوضى وانتشر المارقون عن القانون والخارجون على مقتضياته، فإذا كانت  تلك الثورات – وهى فى حقيقتها احتجاجات فوضوية  - قد نجحت فى إسقاط أنظمة تلك الدول حينها، فقد كان عليها أن  تسلك طريق إقامة دعائم دولة القانون، وهى التى تقيم التوازن بين سلطات الدولة الثلاث، وتتحقق بها دولة سيادة القانون وليس الفوضى والخراب.
 ومن ثم فسوف أعرض فى مقالات ثلاث متتابعة لقدر من الثقافة القانونية العامة والميسرة للقارئ العادى، لأن الثورة هى الطريق إلى دولة القانون وليس انهيارها، وقد كان العقد الاجتماعى - الذى رسخ أصوله المفكر الفرنسى جان جاك روسو - ملهمًا للعديد من الثورات الشعبية التى أطاحت بالأنظمة التى تجور على دولة القانون، ثم توالت الثورات الأوروبية.. ومؤخرًا .. تلك الحركات الاحتجاجية، والتى سُمّيت – كما ذكرنا – بثورات الربيع العربى.
فما من شك أن العمل الأكبر على طريق تأسيس دولة القانون  قد أتى به جان جاك روسو فى عِقده الاجتماعى الذى كان ملهماً للثورة الفرنسية، وواضعاً أسس العقد الاجتماعى الذى تقوم عليه الدولة الحديثة، فجاء عقده ليحدد مفاهيم حديثة للحكم والقانون والتشريع والإرادة العامة والحرية والمساواة والديمقراطية، وغيرها من المبادئ الوضعية على أساس فكرة العدالة، ومن ثم ظهرت الدولة فى عِقده بوصفها شخصاً معنوياً متجسداً بمجموعة أنظمة ومؤسسات تعبر عن الإرادة العامة، وهذا الشخص العام، الذى يؤلف من اتحاد جميع الآخرين، يسمى «جمهورية» أو «هيئة سياسية» أو «دولة»، ويتساوى جميع المواطنين المشتركين فى هذا العقد فيه، و»ما يجب أن يصنعه الجميع يمكن الجميع أن يأمر به، ولكن ليس لأحد حق أن يطالب بأن يصنع ما لا يصنعه بنفسه»، والتعهدات التى تربط المواطنين بالهيئة الاجتماعية ليست إلزامية إلاّ لأنها متقابلة، فالشعب الذى يكون خاضعاً للقوانين يجب أن يكون هو واضعها.
وقد شهدت المجتمعات الأوروبية سلسلة من الثورات الشعبية هى التى أسفرت عن قيام دولة القانون التى تعبر عن المصلحة العامة، وتسمى فى الأدبيات السياسية « بالدولة الحديثة»، حيث يحتل تمثيل الدولة للإرادة العامة للشعب موقعاً أساسياً فى مفهوم دولة القانون وهذا الأمر لم يكن ليتحقق لو لم تشارك تلك الإرادة فى تكوين الدولة، فدولة القانون لا يمكن اقتصارها على مجموعة أنظمة ومؤسسات لها طابع حديث مفصولة عن وعى الشعب بها، وربما هذه هى إحدى سمات الدولة الحديثة، التى تفقدها معنى الحداثة، وهل الشعب يعى ذلك بفطرته أم بتجربة يخوضها وبمرحلة تاريخية يبلغها وبدور تقوم به الدولة نفسها؟ وما الذى يجعل الدولة تقوم بهذا الدور إذا كان الشعب لا يعى دوره فيها؟
وكان على العالم العربى ان ينتظر عقوداً عدة على حدوث الثورة الفرنسية وغيرها من الثورات الاجتماعية والسياسية التى شهدتها أوروبا، لكى يأخذ دوى هذه الأفكار يترامى فى أجوائه، وكان للبعثات التعليمية التى أرسلت إلى أوروبا دور فى تفجير هذا الوعي، وجرى نقل صورة عن تجربة التحديث الأوروبية بإعجاب، وأطلقت الدعوة إلى التمثل بهذه التجربة، فأخذت أفكار الثورة الفرنسية تتسرب إلى الدولة العثمانية بما فى ذلك مفاهيم الحرية والمساواة والوطنية والديمقراطية وتحديد السلطة المطلقة.
وقد احتل البعد الدستورى حيزاً مهماً من أفكار رواد النهضة العربية، وجعل بعضهم الأمة مصدر السلطات ودعا إلى إقامة حكم على أسس دستورية ترتضيها الأمة ويتقيد بها الحكم، ورأى أصحاب النزعة الدستورية فى عصر النهضة أن الحل الوحيد لمشكلة الدولة المقترحة هو التنظيمات والمؤسسات الدستورية الأوروبية، التى مثلت فى نظرهم سبب تقدم أوروبا وقوتها (وللحديث بقية)
وبالقانون .. تحيا مصر،