الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
روفين روبين بين الأخوة وانلى وحسين بيكار

روفين روبين بين الأخوة وانلى وحسين بيكار






نحن نعرف أن الفن ينتصر بقيمه الجمالية والسامية على كل القيم الأخرى سواء كانت مادية أو حسية فالفن قيمة تخرج من الذات أو بالأحرى من عمق الذات وبفرضية أن الذات تحوى فطرة الإنسان السليمة والعاقلة فإن الفن ينطلق من داخلنا بتلك القيمة التى قد تشكل جزءًا من الخير فى ذاته على حد التعبير الأفلاطونى، ولعل البيئة التى تشكل الذوق الذاتى هى أهم الأشياء التى تصبغ المنتج الفنى بصبغة خاصة جدًا وبالتالى تعطى للفنان ذلك المذاق الخاص به وبأعماله الفنية وتصبح فكرة التميز هى جزء من نتاج بيئة ورؤية الفنان الخاصة، وربما نتعجب أنه على مدار 80 عامًا من النقد التشكيلى هى عمر النقد التشكيلى فى الوطن العربى ومنذ خوسيه بارلو ورينه كروبى وهما أول من كتب النقد التشكيلى الشرق أوسطى منذ هذه البداية البعيدة نوعًا ما لم يتناول النقد التشكيلى فنانًا عرف عنه أنه ارتبط بإسرائيل ولو من بعيد ولا نعرف السبب فى إحجام النقاد عن تناول مثل هذه النوعيات من الفنانين ربما خوفًا من أن يعبر من قريب أو من بعيد عن فكرة الفن اليهودى لكن هذا بالطبع غير صحيح فليس هناك ما يعرف بالفن اليهودى ربما هناك بعض الفنون تحمل وشائج عبرانية لكن ليس من بينها الفن التشكيلى ، يقول الفنان الألمانى هانديل كريج «حينما ترحل عيناك فوق سطوحه الراقصة ببهجة من صنع الألوان تستطيع أن تسبح فى قيم إنسانية جميلة وقوية وترى أيضًا بساطة المشهد التشكيلى فى صياد عربى عائد من صوب الشاطئ يداعب أسماكه أو سيدة ريفية ترضع وليدها أو حتى فتاة جميله ترتدى الزى الجليلى وتعزف على المزمار .... يحدثنا روفين بريشته ويداعب حواسنا يرينا حوائط فلسطين قبل أن تتلطخ بالدماء والأنين..... روفين ناضج ومذهل فى زمن اللامدرسية» تستوقفنا مقولة كريج وتربطنا بشكل مباشر بفنان اليوم روفين روبين وهو فنان يهودى من رومانيا اختطفته فلسطين فشكلت فنه فإذا سلمنا بأن اليهود استعمروا فلسطين فلقد استعمرت فلسطين فنهم وسوف يستمر ذلك إلى عدة قرون قادمة .  لم تكن الرؤية التشكيلية عند روفن رؤية أوربية بالرغم من أنه نشأ فى أوربا وعاش فيها شرخ الصبا لكن هذه الرؤى التشكيلية كانت عربية بكل ما تحمله الكلمة من معنى فلقد اطلع روفين على أعمال معاصريه من الفنانين العرب مثل بيكار ومحمود سعيد ومختار وغيرهم بل وليس من العجيب أن نجده يقترب من الأخوين وانلى فى كثير من الأحيان، ولكى نقوم بتحليل صادق لروفين علينا أن نذكر جزءًا من سيرته الذاتية لأنها لها شديد الأثر فى مشواره الفنى . ولد روفين زيلكوفيتش والشهير بروفين روبين فى رومانيا فى 13 نوفمبر عام 1893 لأسرة يهودية حسيدية فقيرة كمعظم أسر أوربا الشرقية فى هذا الوقت وكان هو الابن التاسع فى أسرة تضم 13 أخًا وأختًا لكنه على الرغم من ذلك كان محظوظًا فلقد أرسل عام 1912 لدراسة الفن فى أكاديمية بيزاليل الفنية فى القدس والتى كانت آنذاك وكل فلسطين تابعة للحكم العثمانى وهناك ولمدة عام واحد فقط شعر بأنه لا يتماشى مع فكر المدرسين السائد فى الأكاديمية مما دفعه عام 1913 للرحيل إلى باريس لاستكمال دراسته فى المدرسة الوطنية للفن ولكن الحرب العالمية الأولى ما لبث أن اندلعت وأضطر روفين للعوده إلى رومانيا وهناك قضى سنوات الحرب وفى عام 1921 سافر إلى نيويورك بصحبة صديقه الفنان أرثر كولينك وهناك قاموا باستأجار استوديو وتعرفوا على الفنان الشهير الفريد استيجليتز وظلوا يعملون فى الاستوديو حتى عام 1923 حيث قرروا الرحيل الى فلسطين مرة أخرى بعد رحلة قصيرة لأوربا ، وفى فلسطين واصل روفين رؤيته اللامدرسية حيث قام باتخاذ البيئة المحيطة حوله كموديل دائم ومتجدد فكان أهم عنصر فى موضوعاته الشخصية العربية والتى تشكل عنده الفلسطينيين واليمينيين الذين اكتظت بهم فلسطين كيهود مهاجرين كما كانت المناطق التى أحب تصويرها دائمًا هى الجليل والقدس بحكم أنها تحوى مشاهد طبيعية عالية الذوق والجمال، ونعود مرة أخرى لأسلوب روفين والذى يرتكز على عدة دعامات أهمها اللامدرسية كما أسلفنا وتبقى دعامات أخرى هى الاتزان اللونى فنحن كما نعرف أن الفكرة اللونية لدى الفنان التشكيلى هى جزء من فلسفته وأسلوبه ونعرف أيضًا أن الاتزان داخل المساحات اللونية شيء صعب لأن التعبير بكل عنفوانه يجعل من الفنان عرضة لاتباع منهج لونى يكون أحيانًا فاقعًا ومبهجًا وأحيانًا كثيرة قاتمًا وكئيبًا وعلى ذلك كانت التقنية اللونية لدى روفين هى تقنية تبعث على الأمل والبهجة بشكل أو بآخر لأنه وازن بين عدة مجموعات من الخلطات اللونية أو بلغة أكثر تخصصًا عدة حزم لونية منها الفاتح البارد والفاتح الساخن والقاتم بكل درجاته كما اعتمد روفين بشكل أكثر على تقنية التكثيف فى بعض جوانب اللوحة حتى يلفت النظر لنجاحه فى تهجين الألوان والخروج بمرحلة خاصة تميزه هو فقط حتى ولو كان ذلك بشكل غير مقصود نسب روفن تتأرجح بين الرفيع المفرط فى الطول بين المتوسط الأقرب للنحافة بحكم أن روفين نفسه كان نحيفًا ولأنه أغرم بتكوينه كمثال إنسانى حاول ان تكون النحافة هى سمة غالبة فى معظم لوحاته «وخاصة المتأخرة منها» وهذا بالطبع من مشكلات اللاوعى التى تجعل من الفنان أميل وأكثر تقبلًا لمن هم على شاكلتهم كنموذج .
ولن يصدق القارئ إذا عرف أن روفين كان يقضى عدة أيام فى تركيب الألوان فقط حتى يتثنى له أن يكون له مشروعه الخاص لونيًا أيضًا هناك ما يلفت النظر لدى روفين من ناحية التسطيح الذى كان متعمدًا فى بعض لوحاته وهذا بسبب إعجاب روفين بنموذج الأيكينوجرافيك الذى أنتشر فى رومانيا وكل أوربا الشرقية على أعتبار انهم يتبعون المذهب الشرقى ومن ثم متأثرين بالفن البيزينطى التى كانت الوحدة الرئيسية فيه هى الأيقونة من هنا يتجه روفين إلى بعض التسطيح والمقابلة لكن بتقنية أكثر تطورًا من الأيقونة ذاتها ، على أية حال فإن أسلوب روفين كان شديد التأثر ببيئة فلسطين تمام التأثر وكانت معظم شخوصه عرب حتى وإن حاول فى بعض الأحيان أن يلبسهم خواص طوائف أخرى وحتى عندما قام روفين بعمله الشهير «يسوع المتسامح» والذى استوحى فكرته من العهد الجديد لن تجد فى وجوه هذه المجموعة غير شخصيات عربية ألبسها روفين الحدوتة العبرانية . من هنا أصبح روفين علامة من علامات الفن فى الشرق الأوسط حتى أن الحكومة الإسرائيلية اعتبرتها سفيرًا  للفن من هنا أرسلته فى أواخر الستينيات ليكون سفيرها فى رومانيا، لكن علينا أيضًا أن نبريء الرجل من تهمة التحزب لفكرة الاستعمار فهو بالأساس يصنع السلام على حواف لوحاته المبهجة والمعبرة عن خصوصية تلك الأرض العربية كما أنه يألف فلسطين كما كانت عربيه منذ أن وطأها لأول مرة وهى تحت الحكم العثمانى، توفى روفين روبين عام 1974 وافتتح فيما بعد متحفه عام 1983 كما يحتفظ متحف القدس له بعدة أعمال ويعتبر الآن من أكثر الفنانين مبيعًا فى سوثبى حيث باعت مجموعة له العام الماضى فى نيويورك بحوالى 12 مليون دولار.