
أ.د. رضا عوض
الخليفة المأمون
هو عبدالله بن هارون الرشيد بن محمد بن أبى جعفر المنصور، لقب بالمأمون وولد فى الرى سنة 170هـ وأمه فارسية وكانت ولادته فى اليوم الذى تولى والده هارون الرشيد أمر الخلافة.
نشأ المأمون على حب العلم والأدب والتعلق بالعلماء، فجعله أبوه وليًا للعهد بعد أخيه الأمين وأخذ من كلا الأخوين موثقًا على ذلك. وأثبت المأمون مقدرة فائقة فى قيادة الجند وحسن إدارة المعارك وكسب النصر على الأعداء خصوصًا مع الروم. بعد أن رأى الرشيد ازدياد حدة المنافسة بين المأمون وأخيه الأمين، وخشى تأثير ذلك مستقبلا على وحدة الأمة وتماسك الدولة من خلال انشقاق الأخوين، فجعل الأمين قيمًا على العراق والشام والحجاز ومصر، وجعل المأمون قيمًا على خراسان وما وراءها من ديار الشرق الإسلامي.
وبعد وفاة هارون الرشيد بدأت حدة النزاع والشقاق تظهر بين الأخوين، وكانت البداية من الفضل بن الربيع وزير الأمين الذى زين له أن يخلع أخاه من ولاية العهد ويجعلها فى ولده من بعده، فجهز الخليفة الأمين من بغداد جيشًا تعداده 40 ألف مقاتل ووجهه إلى خراسان لإخضاع المأمون والإتيان به أسيرًا أو قتله إن قاوم. وفعلًا التقى الجيشان فى معارك ثلاث وكان النصر فيها حليف جيش المأمون وهزم جيش الأمين وقتل الأمين. وهكذا انتهى أمر الأمين ودوره من على مسرح الحكم.
ويعتبر عصر المأمون العصر الذهبى للحضارة الإسلامية، فشجع العلماء والأدباء وأجزل لهم العطاء، وأسس المرافق العلمية المختلفة والبيمارستانات والمراصد، وشجع الترجمة، حيث قطعت الحضارة الإسلامية فى العصر العباسى شوطًا كبيرًا فى مضمار التقدم.
ومن المواقف السلبية التى قام بها المأمون, هو حمل الناس على القول بخلق القرآن بعد أن استطاع ابن أبى دؤاد عالم المعتزلة فى زمانه التقرب منه والاستحواذ عليه, فزين له حمل الناس على القول بأن القرآن مخلوق وغير منزل وتشدد فى ذلك فأثار المأمون هذه الفتنة ودعا الناس إلى القول بها وتهدد وتوعد كل من لم يجب من الفقهاء والعلماء والدعاة، وقد نكل المأمون بالعلماء الذين لم يوافقوه على ذلك المذهب ومن أشهرهم الإمام أحمد بن حنبل, وقد استمرت الفتنة على ذلك ولقى الناس بلاء وشدة من هذا الأمر حتى انتهت هذه الفتنة فى عهد الخليفة المتوكل على الله. وتوفى المأمون خلال إحدى الغزوات التى كان يقودها ضد الروم سنة 218 هـ ودفن فى طرطوس بعد حكم دام عشرين عامًا.